الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 14:01

حقوق الإنسان كيف اختفيتِ؟/ بقلم: إبتسام حنا المعلم

كل العرب
نُشر: 09/12/16 10:29,  حُتلن: 16:46

إبتسام حنا المعلم في مقالها:

من يقرأ هذه الحقوق ويشاهد ويسمع ما يحدث في العالم وبشكل خاص في منطقتنا يُخيل له انه في حلم بل انه يعيش كابوسًا مرعبًا

في الدول المجاورة لم يسلم لا البشر ولا الحجر، ولا يتوانى العقل البشري عن اختراع أساليب جديدة كل يوم لزيادة الرعب والإرهاب والترهيب

الحق في حرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية؟؟ أين هو؟ أين هو في شرقنا حيث يُذبح الإنسان إن لم يُخضِع ضميرَه ومعتقده ودينه لإرادة الآخر؟

أحقا أن هذه المؤسسات الجامعية والوزارية الكبرى تجهل أن يوم 25 كانون الأول من كل سنة هو عيد ميلاد السيد المسيح، وهو عيد عالمي، فتحدد هذا اليوم بالذات للشباب الصغار ليقدموا امتحان البسيخومتري فيكونوا بعيدين عن أهلهم وعائلاتهم في ذلك اليوم؟

وددتُ لو كان بإمكاني معايدة كل إنسان في هذه البلاد، في هذا الشرق، وفي هذه الأرض بالذكرى السنوية "للإعلان العالمي لحقوق الإنسان". لكن ما يحدث في بلادنا ومن حولنا وفي عالمنا أصمَتَني ارتباكًا وخجلًا، فكيف نذكر "حقوق الإنسان" ونحن كلنا نراها تتلاشى وتختفي.

"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي أعلنته الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول عام 1948، جاء بعد حربين عالميتين طاحنتين أدّتا الى مقتل عشرات الملايين من البشر من كل عرق وجنس ودين.

أرادت دول العالم أن تقول كفى للحروب ولمآسيها وكوارثها، فأسست جسمًا جديدًا عالميًا، هو "الأمم المتحدة" التي كانت تهدف لحل الخلافات بين الدول بشكل ينسجم مع القانون الدولي، وذلك لتجنيب المواطنين الأبرياء، منزوعي السلاح من مآسي الحروب، من القتل والفقر والتهجير... كما أن الأمم المتحدة "وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان" كانت تهدف لتأمين حياة كريمة ماديًا ومعنويًا، لكل إنسان على هذه الكرة الأرضية وذلك لكونه "إنسانًا".

ولتحقيق هذه الأهداف تبنّت معظم الدول في ذلك الوقت هذا الإعلان، ووقّعت على اتفاقيات تلزمها بتأمين "حقوق الإنسان" لمواطنيها وذلك تحت مراقبة وإشراف لجان من الأمم المتحدة التي تراقب تطبيق هذه الحقوق في مختلف الدول وتقدم تقاريرها عن الانتهاكات الى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

هذه الحقوق، وباختصار شديد، تشمل الحق في الحياة والأمن والأمان، الحق في الحرية: حرية التنقل، حرية الفكر، حرية الضمير وحرية اعتناق الدين وممارسة شعائره، حرية التعبير ...، الحق في التعليم والعمل، الحق في الصحة والعلاج، الحق في الزواج وإقامة عائلة، الحق في السكن والملكية..... وحقوقا اخرى هدفها تأمين الحياة الكريمة لكل انسان.

كما أن هناك اتفاقيات ملحقة بهذا الإعلان تحمي الفئات الضعيفة في بعض البلدان، كالأطفال، والنساء والأقليات الإثنية آو الدينية والأقليات الأصلية في بلد ما. هذا الإعلان والاتفاقيات تطالب كل دولة بتأمين الحقوق الاقتصادية والثقافية، والسياسية والدينية لمواطنيها ...

ولكن من يقرأ هذه الحقوق ويشاهد ويسمع ما يحدث في العالم وبشكل خاص في منطقتنا يُخيل له انه في حلم بل انه يعيش كابوسًا مرعبًا. فانتهاكات حقوق الإنسان ليس لها نهاية، كل يوم يزداد الرعب والترهيب. ففي الدول المجاورة لم يسلم لا البشر ولا الحجر، ولا يتوانى العقل البشري عن اختراع أساليب جديدة كل يوم لزيادة الرعب والإرهاب والترهيب.

فهل عدنا الى زمن الحروب العالمية والى قسوتها ووحشيتها؟ هل عدنا الى همجية "الإنسان" البدائي الذي يذبح ويحرق ويجوّع ويهجّر؟ كيف نفهم ونفسر هذا التقدم للبشرية وهذا التراجع الهمجي في آن واحد.
إن انتهاكات حقوق الإنسان لا تتم دائمًا بالقتل والعنف المباشر، بل هناك انتهاكات تقتل الشعوب والأفراد بشكل تدريجي، بطيء، خفي وغير ظاهر للعيان.

حق السكن والملكية ؟؟ هل من يهتم لشعور أو لمصير من تُهدم بيوتهم فوق رؤوسهم أو الى جانب رؤوسهم فيتحولون الى لاجئين يعيشون في العراء بلا مأوى ولا حماية؟ وحق الأسير في محاكمة عادلة ومعاملة إنسانية تحافظ على صحته وحياته، هل من يحترمه؟

حق التعليم وحق العمل أين هم؟ كم من الناس، من الشباب وغير الشباب تنقصهم بل وتنعدم عندهم إمكانية التعليم بسبب الظروف المادية القاسية؟ كم من العاطلين عن العمل، أو من العاملين بظروف صعبة لا تسمح لهم إلا بتأمين الحد الأدنى من احتياجات عائلاتهم...؟ فأين هو حق العيش بكرامة؟

الحق في حرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية؟؟ أين هو؟ أين هو في شرقنا حيث يُذبح الإنسان إن لم يُخضِع ضميرَه ومعتقده ودينه لإرادة الآخر؟ أين هي حرية ممارسة الشعائر الدينية؟ هل من الضروري سن قوانين لمنع الآذان في المساجد؟ ألا توجد طرق تسوية مقبولة لا تهين طرفًا ولا تزعج آخر؟ أين هي هذه الحرية عندما تُعيِّن كل المؤسسات التعليمية العليا، الجامعات والكليات ووزارة المعارف، وبشكل دائم ومتكرر، موعدَ الامتحانات في أيام الأعياد لدى المسيحيين أو المسلمين؟ أحقا أن هذه المؤسسات الجامعية والوزارية الكبرى تجهل أن يوم 25 كانون الأول من كل سنة هو عيد ميلاد السيد المسيح، وهو عيد عالمي، فتحدد هذا اليوم بالذات للشباب الصغار ليقدموا امتحان البسيخومتري فيكونوا بعيدين عن أهلهم وعائلاتهم في ذلك اليوم؟

مع كل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان، هل يعني هذا أن نيأس؟ لا، لن نيأس من الخير، فيكفي أن نسمع ونقرأ ونشاهد عشرات بل مئات الجمعيات الأنسانية والخيرية، العامة والخاصة التي يضحي اعضاؤها براحتهم بل وبحياتهم لمد يد المساعدة والعون للمنكوبين والمهجرين لندرك ان الخير موجود وأن العالم لا بد من ان يعود الى رشده.

لنفتح عقولنا وقلوبنا ولنقوِ إراداتنا، فإن كنا عاجزين حاليًا عن منع الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنه بإمكاننا دائما وفي كل وقت أن نحارب الانتهاكات التي نسببها نحن بعضنا لبعض، من العنف والقتل والاعتداءات المختلفة ومن الغش والخداع وأخواتهما... فنحن لسنا بعاجزين تمامًا، وبإمكاننا الحفاظ على حياة كريمة في مجتمعنا، في شوارعنا وفي أماكن عملنا وفي بيوتنا، ويحسن بشعوب الشرق ان تدرك وتُذوّت في اعماقها اننا إن لم نحترم نحن حقوق شعوبنا ومواطنينا، وبغض النظر عن الفروقات في العرق أو الجنس او الدين، فلن يحترم الآخرون حقوقنا.

حقوقَ الانسان لن نتركك تموتين وتختفين، فمع موتك يموت الإنسان والإنسانية.


رئيسة الهيئة الإدارية
المؤسسة العربية لحقوق الإنسان

النّاصرة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة