الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

نحن والعالم وعنصرية ترامب/ بقلم: إلياس حرفوش

كل العرب
نُشر: 20/11/16 08:24,  حُتلن: 08:25

إلياس حرفوش في مقاله:
الفضيحة الكبرى في تعيينات ترامب هي تعيين مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، وهو منصب لا يحتاج الى مصادقة الكونغرس
هذه التيارات التي تتوخى الشعبوية طريقاً الى السلطة تؤسس لعالم أكثر خطراً، لأن هذه الأفكار هي التي قادت العالم إلى الحروب والدمار في النصف الأول من القرن العشرين

لم يخدع دونالد ترامب أحداً ولم يتراجع عن أي وعد من وعوده الانتخابية. ها هو رئيس أميركا المنتخب كما هو وكما كنا نتوقعه، عنصرية فاضحة ضد الأعراق والأديان والجنسيات الأخرى، جهل عميق ومن دون أي خجل بما يجري في العالم بعيداً من الشواطئ الأميركية، واحتقار لكل القيم التي أرسى العالم الغربي قواعد علاقاته على أساسها بعد الحرب العالمية الثانية، بما يضمن تقارب الشعوب والحضارات، ومواجهة النزعات الفاشية والقومية المتعصبة التي قادت العالم الى الكوارث التي شهدها النصف الأول من القرن الماضي.

التعيينات الأولى التي أعلنها ترامب في أكثر مواقع إدارته حساسية، على رأس وزارة العدل، ووكالة الاستخبارات المركزية، فضلاً عن الرجل الذي سيكون مستشاره للأمن القومي، وقبل ذلك تعيين السياسي اليميني المتطرف ستيفن بانون مسؤولاً عن استراتيجية الإدارة الجديدة، تؤكد أن ترامب كان صادقاً خلال حملته الانتخابية، ولم يكن خطابه العنصري الموجه ضد الأقليات التي تعيش في الولايات المتحدة، ومن بينها المسلمون، أو ضد التزامات اميركا على الساحة الدولية، من باب الدعاية الانتخابية التي تهدف فقط الى كسب الأصوات. وعلى هذا، فعلى الذين راهنوا، من عرب ومسلمين وغيرهم، أن ترامب سيتغير عندما يواجه مسؤوليات المنصب، وأن ترامب الرئيس سيكون مختلفاً عن ترامب المرشح، عليهم الآن أن يعيدوا النظر في مواقفهم، وأن يستعدوا لأربع سنوات صعبة من التعامل مع هذه الإدارة الجديدة.

لم يكن ممكناً أن يقع اختيار دونالد ترامب على من هم أقل تطرفاً في عنصريتهم من الرجال الثلاثة الذين تتناقل الأخبار أسماءهم وصورهم. جيف سيشنز، الذي اختاره وزيراً للعدل، سبق أن رفض الكونغرس تعيينه كقاض فيديرالي في ظل ولاية رونالد ريغان بسبب مواقفه العنصرية. من المدافعين عن جماعة «كو كلوكس كلان»، أكثر الجماعات العنصرية المعادية لأصحاب البشرة غير البيضاء في الولايات المتحدة. يمكن المرء أن يتخيل طبيعة «العدل» الذي سترعاه إدارة ترامب في ظل رجل مثل سيشنز يرى أن من يدافعون عن الحقوق المدنية يضرون بالمصالح القومية للولايات المتحدة.

بعده هناك مايك بومبيو عضو الكونغرس والمرشح لادارة الـ «سي آي إي» وأحد قادة «حزب الشاي» الذي يقف الى يمين الحزب الجمهوري، ومن الداعين إلى التشدد في مراقبة المهاجرين وطالبي اللجوء. بومبيو هو أيضاً من الداعين إلى عدم إغلاق معسكر غوانتانامو، معتبراً أن السجناء هم في وضع جيد، على عكس روايات التعذيب، بل «زاد وزنهم بعد اعتقالهم».

غير أن الفضيحة الكبرى في تعيينات ترامب هي تعيين مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، وهو منصب لا يحتاج الى مصادقة الكونغرس. فلين هذا لا يخجل من عنصريته ولا من عدائه للإسلام كدين، وليس فقط للمسلمين. جنرال سابق في الجيش، عمل في وكالة الاستخبارات الدفاعية في إدارة أوباما وطرد منها عام 2014 بسبب مواقفه المتطرفة. يعتبر أن على الولايات المتحدة أن تخاف من الدين الإسلامي الذي يصفه بـ «السرطان». ويعتقد أن الغرب، وخصوصاً أميركا، هي «أكثر تحضراً وأخلاقاً من النظام الذي يحاول أعداؤنا فرضه علينا». ولا يرى أنه يصح أن توضع كل الثقافات والأديان والحضارات على قدم المساواة، لأن الثقافة الغربية المسيحية أكثر تحضراً من الثقافات الأخرى.

هذه باختصار لمحة سريعة عما تحضره إدارة ترامب لنا وللعالم، وما علينا أن ننتظره ونستعد لمواجهته. في تعليق لمجلة «الإيكونوميست» اليمينية الرصينة، وضعت انتخاب ترامب والسياسات التي يُنتظر أن تتخذها إدارته في إطار النزعات الشوفينية التي تسود العالم اليوم، وتسميها «القومية الإثنية»، التي تقوم على استغلال الرئيس أو القائد المشاعر الوطنية لأبناء بلده للتحريض على البلدان أو الشعوب الأخرى. هذه النزعات يمكن العثور على نماذج منها في روسيا وتركيا وحتى في الصين، وفي عدد من البلدان الأوروبية، حيث يتم استغلالها للوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها، كما في حالة مارين لوبن في فرنسا أو فيكتور أوربان في هنغاريا أو غيرت فيلدرز في هولندا، وأمثلة أخرى في النمسا وألمانيا وسواهما.

وتخلص «الإيكونوميست» إلى أن هذه التيارات التي تتوخى الشعبوية طريقاً الى السلطة تؤسس لعالم أكثر خطراً، لأن هذه الأفكار هي التي قادت العالم إلى الحروب والدمار في النصف الأول من القرن العشرين.

ترامب حلقة في سلسلة من القادة يتحكم بهم الجهل والغرور والعنصرية واستعداء «من لا يشبهنا». كلهم يصلون أو يطمحون للوصول عن طريق صناديق الاقتراع. هذه الصناديق ذاتها التي حملت أدولف هتلر إلى السلطة ذات يوم.

والسؤال إذا كان الرضوخ لهذه الصناديق هو الخيار الوحيد المتاح أمام الأصوات الليبرالية التي ترى الخطر قادماً ولا تملك وسيلة لردّه.

نقلا عن الحياة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة