الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 23:01

شوارعنا بلا أسماء ومتاجرنا بدون WAZE - بقلم: د. عامر دهامشة

كل العرب
نُشر: 10/11/16 17:33,  حُتلن: 18:47

بعض ما جاء في المقال:
أبناء المجتمع العربيّ يسمّون محيطهم الجغرافيّ وشوارعهم باستعمالهم أسماء عامّة تستندُ إلى علامات الطّريق والمعالم الطّبيعيّة البارزة (كالجبل، المفرق، الدّوار، عامود الكهرباء الكبير الخ)

يعيّنون مكان اللّقاء بواسطة استعمال اللّغة العبريّة الّتي تتلألأ على لافتات المصالح العامّة ولافتات الأماكن التّجاريّة والمؤسّسات الجماهيريّة: فهذا يقول "انتظرني في السّاحة المحاذية ليد بنك مركنتيل" وهذه تقول " انتظرني في الشّارع المحاذي لكوبات حوليم"، وآخرون سيلتقون في "الطّريق الّتي تمرُّ بالقرب من ال דואר (דואר ישראל) وبالقرب من "مطعم السّلام"

إنّها لمفارقة محزنة ومضحكة في آن واحدة، المجتمع العربيّ في إسرائيل يتبنّى اللّغة العبريّة لكنّه لا يتبنّى العرف القاضي بتسمية الشّوارع وكتابة أسمائها على اللّافتات

بالرّغم من تكوّنِها قبل سبعمائة عامِ وأكثر، في فترة الحُكم العثمانيّ وما قبل – فإنّ أسماء الطّرقات، المسالك، قسائم الأراضي، عيون الماء والمعالم الجغرافيّة الأخرى في البلدان العربيّة لم تُكتب على اللّافتات بعد، ولم تحظَ بمكانة رسميّة. وتبيّن من خلال بحثٍ ميدانيٍّ أجريتُه: من بين مائةٍ وأربع وثلاثين بلدة عربيّة في بلادنا، عشر بَلْداتٍ عربيّة فقط تحوي على لافتات تحملُ أسماء الشّوارع والطّرقات الدّاخليّة. ففي النّاصرة، بلد البشارة وعاصمة "الجماهير العربيّة" باستثناء قسم ضئيل من شوارع هذه المدينة، فإنّ غالبيّة الشّوارع فيها غير مسمّاة. كيف يُرشدُ سكّان البلدان العربيّة الزّائرين لبيوتهم؟ ألو سامع: "في الشّارع الرّئيسيّ خذ يمينًا، أكمل مباشرةً وخذ يمينًا في ساحة المسجد، مرّة أخرى يمينًا حين تصل عند الكنيسة، قف وسَل المارّة وهُم سيفهمونَكَ كيف ستصل بيتنا...".


د. عامر دهامشة

بالرّغم من أنّ البلدان والمدن في إسرائيل والعالم حديثة العهد وأُنشِئت في العقود الأخيرة؛ فإنّها تتمتّع بلافتات تحملُ أسماء لكلّ شارع، ميدان، دوّار وسبيل. في النّاصرة العُليا (נצרת עילית) ، المحاذية لمدينة النّاصرة، نجد في هذه المدينة اليهوديّة لافتات شوارع باللّغة العبريّة، بالرّوسيّة بالإنجليزيّة وأحيانًا بالعربيّة. ومجرد الضّغط على زرّ الهاتف النّقال يمكن للزّائر أن يصل لكلّ شارعٍ في هذه المدينة بسهولةٍ، بدون توقّفات وبدون لفّ ودوران وبدون إطالة زمن السّفر. لكن ماذا يحدث لمن يأتي لزيارة البلدة العربيّة؟ وكيف يحدّد أبناء البلدة العربيّة مكان التقائهم في بلدتهم؟ بسبب تقاعس السّلطات المحليّة عن وضع خطّة لُغويّة تقضي بتثبيت لافتات تحمل أسماء الشّوارع؛ فإنّ أبناء المجتمع العربيّ يسمّون محيطهم الجغرافيّ وشوارعهم باستعمالهم أسماء عامّة تستندُ إلى علامات الطّريق والمعالم الطّبيعيّة البارزة (كالجبل، المفرق، الدّوار، عامود الكهرباء الكبير الخ). وليس هذا فحسب، فهُم يعيّنون مكان اللّقاء بواسطة استعمال اللّغة العبريّة الّتي تتلألأ على لافتات المصالح العامّة ولافتات الأماكن التّجاريّة والمؤسّسات الجماهيريّة: فهذا يقول "انتظرني في السّاحة المحاذية ليد بنك مركنتيل" وهذه تقول " انتظرني في الشّارع المحاذي لكوبات حوليم"، وآخرون سيلتقون في "الطّريق الّتي تمرُّ بالقرب من ال דואר (דואר ישראל) وبالقرب من "مطعم السّلام"... إنّها لمفارقة محزنة ومضحكة في آن واحدة، المجتمع العربيّ في إسرائيل يتبنّى اللّغة العبريّة لكنّه لا يتبنّى العرف القاضي بتسمية الشّوارع وكتابة أسمائها على اللّافتات. فقد أضحت شوارع البلدة العربيّة لافتة كبيرة لبثّ دعايات المصالح والمؤسّسات لكن لا يوجد ذِكرى ولا حتّى لافتة واحدة تحملُ الأسماء. بيئة القرية العربيّة فقدت طبيعتها الأصلانيّة وفرغت من أسمائها الّتي تكونّت مدار مئات السّنين – لكن ليس من انتعاش اقتصاديّ ولا من سلام في الأُفق.
أسماء معالم البلدة العربيّة بطرقها، كرومها، فلّاحيها، عيونها، بيادرها، كنائسها ومساجدها طُمِسَت بأكملها وحلّت مكانها فوضى لُغويّة وضبابيّة من التسميات، فالشّوارع تُسمّى بخليطٍ من العبريّة والعربيّة، أسماء مشوّهة، مكان بدون نظامٍ وانقطاع ثقافيّ وحضاريّ بين المجتمع الفلسطينيّ وبين محيطِهِ الجغرافيّ. إنّ المسؤوليّة تقعُ على كاهل السّلطات المحلّيّة العربيّة، فتقاعسها في نصب لافتات تحملُ الأسماء يمسُّ بجودة حياة المواطنين ويبترُ العلاقة بين الجغرافيا العربيّة والزّمن الحديث بل أكثر من ذلك إنّه يمنعُ الوسط العربيّ الاستفادة من ثورة العولمة التّكنولوجيّة ومن الفوائد الاقتصاديّة الّتي ترافقها، كيف ذلك؟
1. الدّقة في العنونة: تسمية الشّوارع تخلقُ نظامًا في المحيط الجغرافيّ، وتساعد في إيجاد العنوان الدّقيق لكلّ شخصٍ، لكلّ مكانٍ، مصلحة وحدث في زمنٍ قصيرٍ. غياب الأسماء من الممكن أن يعرقل الوصول إلى العنوان المنشود؛ وبذلك يؤدّي إلى هدر الزّمن وإلى هدر الموارد.
2. دعم الاقتصاد: عنونة البيوت والأماكن بواسطة اللّافتات والأرقام تزيد من نجاعة اقتصاد البلد، وتقلّلُ من مصروفات الوقود، وتقلّص دفعات تأخير الدّيون النّاتجة عن عدم وصول البلاغ في الوقت المحدد. لافتات الأسماء تساهمُ بإيصال الرّزم البريديّة والمكاتيب في الوقت، وتساعد السّياح القادمين من خارج البلد والسّياح الأجانب في إيجاد موقع المصالح، المطاعم، وأماكن السّياحة.
3. التّكنولوجيا والاقتصاد: وضع لافتات تحملُ أسماء الشّوارع يضمن إدراج المصالح العربيّة في خرائط (Google) وفي نظم الملاحة الجغرافيّة التّكنولوجيّة (GPS,WAZE) وفي خدمات التّطبيق (Application). تشخيص ومعرفة عناوين المصالح والمواقع السّياحيّة في البلدان العربيّة بواسطة النّظم التّكنولوجيّة؛ يجعل هذه المصالح متوفّرة بيدِ كلّ شخص على وجه الأرض وبالتّالي فأن لافتات الأسماء تدفع الحركة التّجاريّة والسّياحيّة إلى الأمام وتزيد من فرص العمل.
4. الأمن وسلامة الجمهور: عنونة الأماكن بواسطة الأسماء والأرقام تنقذُ الحياة. العنونة والمسمّيات تساعد سيّارات الإطفاء أن تحدّد مصدر الحريق وتساعد سيّارة الإسعاف في الوصول إلى الشّخص الّذي بحاجة إلى مساعدة بأسرع وقت ممكن. لافتات الأسماء هي أيضا وسيلة بيد الشّرطة لتصل في الوقت لمعالجة أعمال شغب، جسم مشتبه به، وحالات طوارئ أخرى.
5. تسهيل عمليّة التّواصل بين السّلطة المحلّيّة والمواطنين: تسمية الشّوارع تسهّل عمليّة التّواصل بين السّلطة المحلّيّة وبين المواطنين كما أنّ ترقيم البيوت يسهّل عمليّة إرسال بلاغيّات السّلطة بصورة دقيقة وبدون تأخير.
6. تقوية الشّعور بالانتماء إلى المكان: على مستوى الشّعور والحسّ النّفسيّ فإنّ نصب لافتات تحملُ أسماء المشهد الطّبيعيّ للبلدة العربيّة، ذاكرتها الجماعيّة، ماضيها الجغرافيّ، حاضرها التّاريخيّ بأدباءها ورجالها ونسائها، ونصب لافتات تخلّد ذكرى المثقّفين والقادة، وإطلاق أسمائهم على الميادين والشّوارع وفي السّاحات العامّة، وعلى مفترقات الطّرق الهامّة – لافتات الأسماء هذه تعمّقُ معرفة تاريخ المكان وتبرز الصّلة المباشرة بين الأرض واللّغة العربيّة وهي بالتّالي تقوّي الرّوابط بين المجتمع العربيّ وبيئته الجغرافيّة. من يعرف هُويّةَ بلدتِهِ وتاريخها ولغتها الجغرافيّة لا بدّ له في نهاية المطاف أن يحبّها ويمتنع عن تدمير مؤسّساتها ومرافقها وتحويل كرومها ومحيطها إلى مكبّ للنّفايات والأوساخ.

أن تكون جزءًا من برمجيّات التّنقّل المحوسبة والتّخطيط الحديث، أن تكون جزءًا من GPS و WAZE، أن تعيش في مكان يوجد فيه نظام واقتصاد وصحّة – جميع هذه المواصفات المكانيّة ليست وليدة الحظّ البائس وليست قدرًا محتومًا. لافتات أسماء الشّوارع في الحياة العصريّة ليست بكماليّات بل هي وسيلة اتّصال ضروريّة وحديثة. في دولة إسرائيل على غرار دول عديدة في العالم لا تقع تسمية الشّوارع وترقيمها على مسؤوليّة الحكومة ولا على كاهل أعضاء الكنيست (المشتركة) إنّما هي مسؤوليّة السّلطة المحلّيّة العربيّة.
في أيّامنا، لافتة تحمل اسم شارعٍ هي مساحة صغيرة في مظهرِها عظيمة في جوهرها، فمتى سيُماط اللّثام عنها؟

مقالات متعلقة