الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 19:01

ايران الكاسب الاكبر في حال الانتصار في حلب والموصل/ عبد الباري عطوان

كل العرب
نُشر: 24/10/16 08:23,  حُتلن: 08:24

 عبد الباري عطوان:

القيادة التركية فتحت “عش دبابير” على نفسها بالقاء كل ثقلها في الازمة السورية على امل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد ونظامه

نوجه السؤال الى الرئيس اردوغان، ورئيس وزرائه السيد يلدريم، ومستشاريه، خاصة الدكتور ابراهيم كالين، وان كنا لا نتوقع اجابة مقنعة منهم، لانهم لا يحتملون رأيا مخالفا لرأيهم

 بينما تتسم السياسة التركية في التعاطي مع الازمتين السورية والعراقية بالتخبط، تبدو حظوظ ايران، خصمها الاقليمي، اوفر حظا بالنجاح، فمن المفارقة ان ايران تتواجد في الحلفين “الفائزين” ضمنيا حتى الآن في معركتي حلب والموصل، فحلفاؤها الروس هم الذين يخوضون المعركة الاولى ويلقون بكل ثقلهم الجوي والعسكري فيها، وبما يمهد لقوات الجيش السوري بالتقدم في اتجاه الاحياء الشرقية المحاصرة، اما حلفاؤها العراقيون فقد اعلنوا حرب تحرير الموصل واخراج قوات “الدولة الاسلامية” منها بغطاء جوي امريكي، اي ان القوتين العظميين امريكا وروسيا يقاتلان من اجل نصرة حلفاء ايران، وخدمة مصالحها الاستراتيجية، بينما العرب يبدو خارج الصورة ولا دور لهم يتسم بالفاعلية.

القيادة التركية فتحت “عش دبابير” على نفسها بالقاء كل ثقلها في الازمة السورية على امل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد ونظامه، فوجدت نفسها بعد خمس سنوات تغوص اكثر واكثر فيها، تماما مثلما تورطت حليفتها المملكة العربية السعودية في المستنقع اليمني ولا تعرف كيف تخرج منه.

المصالحة التركية الروسية وفرت طوق نجاة لهذه القيادة لتقليص خسائرها في الملفين العراقي والسوري، وابعاد شبح الارهاب وعدم الاستقرار عن عمقها الديمغرافي والجغرافي معا، والتقط الرئيس رجب طيب اردوغان هذه الانفراجة وتوجه الى طهران لتطوير العلاقات الاقتصادية معها، ورفع التبادل التجاري بين البلدين الى ثلاثين مليار دولار سنويا، واطلق السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي، تصريحات تؤكد رغبة بلاده في اعادة العلاقات مع كل من القاهرة ودمشق الى جانب تل ابيب طبعا، ولكن من يتابع تأزم العلاقات التركية هذه الايام مع الدول العربية الثلاث، اي العراق وسورية ومصر، يصعب عليه ان يفهم كيف تدار السياسة الخارجية والاقليمية التركية هذه الايام لما تحتويه من تناقضات وتراجعات.
التلاسن الذي وقع بين الرئيس اردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول تواجد قوات تركية في معسكر بعشيقة قرب الموصل، وخرج عن كل آداب الحوار والدبلوماسية، يعكس ازمة ما زالت مستمرة، فالاتراك لا يريدون استمرار وجود قواتهم قرب الموصل فقط، وانما المشاركة في حرب استعادتها من “الدولة الاسلامية”، وهي مطالب ما زالت تقابل بالرفض من قبل الحكومة العراقية، وتضع بذلك الولايات المتحدة حليفة البلدين في حرج شديد، وهذا ما يفسر الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الامريكي اشتون كارتر الى كل من انقرة وبغداد بحثا عن حل، ينهي او يقلص، حدة التوتر بين البلدين، ويحول دون حدوث صدام عسكري في هذا الوقت شديد الحساسية.
الخلاف التركي العراقي يبدو “متواضعا” بالمقارنة الى خلاف اكثر خطورة يتصاعد بحدة بين الجارين التركي والسوري، اثر توغل القوات التركية في عدد من بلدات ريف حلب الشمالي تحت ستار دعم فصائل سورية تقاتل قوات سورية الديمقراطية الكردية، العدو اللدود لتركيا التي تضعها على قائمة الارهاب، وتعتبرها ذراعا عسكريا لحزب العمال الكردستاني.
القيادة العامة للجيش السوري والقوات المسلحة السورية اصدرت بيانا شديد اللهجة اكدت فيه “ان تواجد وحدات الجيش التركي داخل الحدود السورية تصعيد خطير ومدان يشكل انتهاكا صارخا لسيادة الاراضي السورية وسيتم التعامل معه كقوة احتلال”.
وجاء بيان الجيش هذا بعد اقل من يومين من تهديد القيادة العسكرية السورية بإسقاط اي طائرة تركية تخترق الاجواء السورية، مما يعني اننا في انتظار الشرارة التي يمكن ان تشعل فتيل حرب قد تنجر اليها الدول العظمى الحليفة للطرفين.
تركيا تحارب على عدة جبهات في الوقت نفسه، تقاتل الاكراد في سورية والعراق، وتعلن الحرب على النظامين السوري والعراقي، وتطرد تنظيم “الدولة الاسلامية” من البلدات والقرى التي كان يسيطر عليها في جرابلس والباب ومنبج، وتريد القضاء عليه في الموصل، وتواجه ذيول انقلاب عسكري كان يريد الاطاحة بالسيد اردوغان وحكومته المنتخبة، وما زالت تحت الرماد.

هل من الحكمة خوض كل هذه الحروب، وفتح كل هذه الجبهات، دفعة واحدة، وهل يمكن الانتصار فيها جميعا؟ من الصعب الاجابة بنعم اعتمادا على العقل والمنطق، فتركيا ليست دولة عظمى، ولا نعتقد ان حلف الناتو، التي تعتبر عضوا مؤسسا فيه، يمكن ان يدعمها في كل هذه الحروب، وبالقياس الى تجربة اسقاطها لطائرة روسية.
تركيا “كانت” دولة مستقرة تقدم نموذجا في الحكم، اثار اعجاب العالم بأسره يزاوج بين الديمقراطية والاسلام على قاعدة نمو اقتصادي غير مسبوق، وسياسة صفر عداوة مع الجيران، فلماذا يواجه هذا النموذج التحلل والاندثار الآن، ويتحول جميع الجيران، باستثناء اسرائيل، الى اعداء لاصحابه؟.
نوجه السؤال الى الرئيس اردوغان، ورئيس وزرائه السيد يلدريم، ومستشاريه، خاصة الدكتور ابراهيم كالين، وان كنا لا نتوقع اجابة مقنعة منهم، لانهم لا يحتملون رأيا مخالفا لرأيهم.
تركيا تواجه المصير نفسه الذي لعبت دورا كبيرا الى جانب آخرين في تصديره الى سورية، والاخطر من ذلك انها تخلق جبهة موحدة وقوية من الاعداء ضدها، مما يؤكد انها لم تستفيد مطلقا من دروس الازمة السورية، والمؤامرة الغربية في المنطقة، وهذا ما يفسر حراجة موقفها الحالي، والاخطار الكبيرة التي تزحف نحوها.

نقلا عن الرأي اليوم

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة