الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 00:01

حكايتنا اليوم للحلوين: الحطاب الماهر

كل العرب
نُشر: 02/10/16 22:14,  حُتلن: 13:33

كان في سالف الزّمان فتى جميل الوجه، طويل القامة، قويّ الجسد، طيّب النفس، إلاّ أنّه كان حطّابًا يعيش

في كوخٍ وسط غابةٍ بعيدةٍ عن المدينة.

وفي يومٍ من الأيّام، بينما كان ذاهبًا إلى المدينة، وعلى ظهره حملٌ من الحطب، سمع في الطّريق

أنين امرأةٍ عجوز، كانت قد وقعت على الأرض، والدّم يسيل من جرحٍ عميقٍ في يدها.


صورة توضيحية

رمى الحطّاب حمل الحطب عن ظهره وأسرع إليها، وصبّ على جرحها ماءً كان يحمله ليشربه في الطّريق،

ونظّف الجرح، ووضع عليه بعض الأعشاب المُفيدة، ولفّه بقطعةٍ نظيفةٍ من قميصه البيضاء.

سُرّت العجوز من جميل الفتى الحطّاب، وأحبّت أن تردّ له جميله هذا بأن تجعله غنيًا طيلة حياته. فاستغرب

الفتى كلام العجوز وظنّها مجنونةً، فلم يقم لكلامها أي وزنٍ. إلاّ أنّه، احترامًا لها، شكرها ونهض

ليتابع سيره، فاستوقفته، ثم أشارت إلى سنديانةٍ كانت هناك، وقالت له: "في جوف هذه السنديانة أكبر كنزٍ.

وسأطلب إليك أن تصعد إليها، ثم تُفتّش عن مدخلٍ في جوفها، تنزل منه إلى درجٍ، فتجد هناك ثلاث غرفٍ.

في الغرفة الأولى يوجد فضّة، وقُرب الفضّة أسدٌ يحرسها. فإذا خفتَ أن يؤذيك، خُذ هذا المنديل وضعه
على وجه الأسد، فيتحوّل إلى حيوانٍ وادعٍ أليف، وتأخذ الفضة. أمّا إذا لم تعجبك الفضة، ففي

الغرفة الثانية ذهب، يحرسه أيضًا أسدٌ قويُ. فإذا أحببتَ الذّهب وخفت من الأسد أن يؤذيك،

ضع المنديل على وجهه، وخذ الذّهب.

أمّا إذا لم يعجبك الذهب والفضة، ففي الغرفة الثالثة ألماس ويحرسه أسدٌ أيضًا. ضع المنديل على رأس الأسد،

وخذ الألماس.

ضحك الحطاب وقال للعجوز مُداعبًا: "وهل أستطيع أن آخذ الذهب والفضّة والألماس؟"

"نعم"، قالت العجوز،" تستطيع أن تأخذ كلّ الجواهر، وعليك ألاّ تنسى قداحةً في الغرفة الثالثة، أمام الأسد.

خُذ القدّاحة، فستنفعك كثيرًا".

حمل الحطّاب حمله على ظهره وهو يضحك، وودّع العجوز واستأنف الطريق من غير أن يفكّر

جديّاً بدخول السّنديانة. غير أنّه، ما إن وصل إليها حتّى بدأت الأفكار تغريه بالدخول إليها، فقال في نفسه:

"لماذا لا أجرّب؟ فإذا وجدتُ شيئًا، كان حسنًا، وإذا لم أجد شيئًا فلن أخسر إلاّ قليلاً من الوقت".

رمى حمل الحطب عن ظهره، وصعد السّنديانة، فوجد فيها بابًا فدخله، فإذا أمامه درجٌ فنزله، حتّى إذا

انتهى إلى آخره, وجد أسدًا داخل غرفة مفتوحة الباب. إلاّ أنّ صدق ما روته له العجوز شجّعه،

فحمل المنديل ووضعه على وجه الأسد، فهدأ. ثم تقدّم من الفضة وجمع ما يحبُّ منها.

ثم دخل الغرفة الثانية، وصنع بأسدها ما صنع بأسد الأولى، وأخذ ما استحسنه من الذهب. وأكمل طريقه

إلى الغرفة الثالثة ورمى المنديل على وجه الأسد، ثم حمل ما وجد بها من الألماس، ثم قفل عائدًا.

غير أنّه عاد وفتّش عن القداحة، فوجدها أمام الأسد، فأخذها بحذرٍ وسرعةٍ وخرج.

جلس الحطّاب تحت السنديانة ومدّ بصره ، فلم يجد أي أثرٍ للعجوز. فذهب إلى المدينة، واشترى

لنفسه ثيابًا جميلةً، وأكل أطيب الأطعمة ونام في أفخم الفنادق. ثم راح منذ اليوم الثاني يفتّش

عن قصرٍ جميلٍ ليشتريه ويعيش فيه.

وكان قد وقع بصره على قصرٍ من أجمل القصور، فاشتراه، وفرشه بأجمل المفروشات،

وأقام على خدمته الكثير من الخدم.

تبدّلت حياة الحطّاب من عسرٍ إلى يسرٍ، وعرف الرّاحة والجمال، والزّينة والأسفار، وعاش حياةً فيها كثير

من الترف والبذخ، وظل ينفق من الجواهر حتى لم يعد يملك شيئا منها. فحزن حزناً شديداً،

وندم لما فعل، وقرر أن يعود إلى كوخه في الغابة، طالما أنه لم يعد يملك شيئاً.

وخطرت في باله خاطرة، سرعان ما وجد نفسه بعدها يفتش عن القداحة، فأخذها بيده، وفكر أن يذهب بها

إلى السوق ليبيعها. غير أنه رأى أن ينظف القداحة قبل بيعها. فأخذ منديلاً وفرك به القداحة،

وفجأة ظهر أسد زأر زأرة قوية، ثم أحنى رأسه وقال للحطاب: "مرني يا سيدي بما تريد".

ارتاح الحطاب أول الأمر، إلا أنه عاد وفكر بما قالته له العجوز فلملم أنفاسه وقال للأسد: "أريد جواهر

وأموالاً كثيرة ". واختفى الأسد، ثم عاد وقد حمل للحطاب ما أراد. فسرّ الحطاب، وبدأ حياة اليسر من جديد.

كان في المدينة رجل غني جداً وله بنت من أجمل البنات، قال له أحد العرافين يوما،

إنها لن تتزوج إلا من حطاب فقير. وعرف الحطاب بقصة الفتاة، ففرك القداحة، فحضر الأسد،

فقال له الحطاب: " أريد أن أرى الفتاة " .

اختفى الأسد، ثم عاد بسرعة وبين يديه فتاة جميلة. فأعجب الحطّاب بها، ثم أمر الأسد بأن يردها إلى قصرها.

وأخبرت الفتاة والدها بما حدث لها، فاشتكيا للحاكم، فجاء الجنود إلى قصر الحطّاب

وقبضوا عليه، ووضعوه في السجن.

وجاء يوم محاكمة الحطاب، وأخذ إلى ساحة المدينة ليُعدَم. وبينما كان الناس ينتظرون إعدامه،

فرك القداحة ثلاث مرات، فظهرت الأسود الثلاثة. فارتعب الناس وتفرقوا ونجا الحطاب من الموت.

أرسل الحاكم في طلب الحطّاب، فجاء وقص عليه قصته. فأحضر الحاكم والد الفتاة، وقص

عليه ما رواه له الحطاب. فرضي الأب أن يتزوج الحطاب ابنته.

وهكذا التقى الحطاب محبوبته وعاشا معاً حياةً سعيدة هانئة. 

مقالات متعلقة