الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 02:02

قصتنا للحلوين: الأمير الجبان

كل العرب
نُشر: 18/08/16 19:38,  حُتلن: 13:27

يحكى أن ملكا كان يعيش في أحد البلاد الواقعة على مجاري نهر النيل العظيم، حيث يتدفق النهر خلال الغابة الواسعة. وكان لهذا الملك ابن وحيد، اسمه " سامبا ".
كان الملك في شبابه محاربا شجاعا، لكنه الآن أصبح عجوزا. وحين كبر سامبا وأصبح قوياً وسيماً، صار الملك يفخر بابنه الذي عرفه الناس طيبا لطيفا وأحبوه جميعا.


صورة توضيحيّة

لكن الملك كان قلقا لأن ابنه يخاف من أشياء كثيرة، وعندما كان سامبا صغيرا، كان يجري مسرعا إذا سمع خطوات فيل، ويصرخ إذا شاهد آثار أقدام أسد. وكان الناس يقولون: " إنه لا يزال طفلا، وعندما يكبر سيصبح شجاعاً ولا يخاف من شيء، وسيأتي يوم يعيّنه والده قائدا لجيشه."
وكم شعروا بالفرح عندما جاء هذا اليوم، وتولى سامبا قيادة الجيش. قال الناس: " سوف نعيش في أمان، فإن سامبا قوي يستطيع أن يحمينا من اللصوص، ويدافع عنا."
وكان الأب يتابع في سعادة قوة أبنه ومهارته في أشياء كثيرة. إلاّ أنه ظل قلقاً. فقد كان يرى ابنه يتجنب الاشتراك في الألعاب التي تعرّضه للخطر، كما تبين له أن سامبا لم يكن من بين الأعضاء البارزين في الفريق الذي يخرج للصيد تحت قيادته.
وذات صباح، استيقظ الناس فوجدوا اللصوص قد سرقوا مواشيهم وأغنامهم وأخذوا بعض الرعاة عبيداً لهم. وبحث الناس عن سامبا ليسترد لهم الرعاة والحيوانات، لكنهم لم يجدوه. لقد اختفى.. وكان على الملك رغم كبر سنه، أن يركب فرسه، وأن يتقدم على رأس المحاربين ليقاتل اللصوص، ويسترد ما سرقوه .
وبعد عدة أيام، ظهر الأمير سامبا، وأخذ يردد قصة يحكي فيها كيف خاطر بحياته وهو يطارد أسداً كبيراً في الغابة. وقال إنه قتل الأسد، لكنه كان أسدا ثقيل الوزن جدا، لذلك لم يستطع حمله وإحضاره معه. لكن الناس لم يصدقوا هذه القصة.
قال أحدهم: " لماذا اختفى سامبا في هذا الوقت بالذات؟ إنه جبان "!. وسرعان ما ترددت هذه الكلمات بين الناس. وكان سامبا يسمعها أينما ذهب، والأطفال يصيحون خلفه في سخرية عندما يشاهدونه في الطريق. حتى أن أباه لم يعد يعطف عليه بسبب جبنه وخوفه ..
لم يستطع سامبا أن يتحمل كل هذا، فاستيقظ في صباح أحد الأيام وركب حصانه الأسود وقد عقد العزم على الذهاب إلى بلد لا يعرف شعبه الحرب ولا العنف.
كانت رحلة شاقة، لازم الفزع فيها سامبا. ففي النهار كان الخوف يقلقه خشية أن يقابل لصوصاً أو أعداء، وفي الليل لا يستطيع النوم خشية أن تهجم عليه الحيوانات المفترسة.
وبعد أن عانى سامبا كثيراً المخاوف الرهيبة، وصل إلى مدينة عظيمة، ترتفع أسوارها إلى جوار النهر.
استعاد سامبا مظاهر النبل والسلطان، ودخل عبر بوابات سور المدينة وهو يركب فرسه في عظمة ومهابة. ومرّ أمام القصر الملكي، وقد رفع رأسه في اعتداد. وبينما كانت بنت الملك تتطلّع من نافذتها، رأت الغريب الوسيم يمر من أمام القصر, فقالت لخدمها: " اذهبوا تعرفوا على هذا الفارس الشجاع، الذي لم يسبق أن رأيت من يماثله في الوسامة والقوة.."
عاد أحد أتباعها بعد قليل, وقال :" أيتها الأميرة العظيمة، إنه الابن الوحيد لملك عظيم." فقالت له : " عد إليه وادعه لمقابلتي."
رأى سامبا الأميرة الجميلة، فأعجب بها كما أعجبت به. وطلبت الأميرة إلى والدها أن تتزوج سامبا رغم أنها رفضت قبله ملوكا وأمراء كثيرين. ونظرا لأن الأميرة كانت الابنة الوحيدة لأبيها، فقد وافق على هذا الزواج.
تزوج سامبا من الأميرة في احتفالات عظيمة، وكان سامبا زوجا محبا ذكيا وعاش مع زوجته في سعادة وهناء.
كانت الأميرة فخورة بزوجها القوي الوسيم، وملأتها الرغبة في أن يكون زوجها محبوبا بين شعبها كما تحبه هي وتقدره. وفي يوم من الأيام قالت لزوجها: " منذ زمن بعيد لم يهاجم الأعداء بلدنا، إذا جاءوا لتهديد أمننا فسأشعر بالفخر الحقيقي حين أراك يا زوجي الحبيب وأنت تقود شعبنا في المعركة، ولتتغنّى المدينة بأعمالك وبطولاتك."
ونظرت الزوجة إلى زوجها وعيناها تلتمعان بالحماس، لكن البريق اختفى من عينيها عندما رأت زوجها يتراجع في فزع إلى الخلف، ويقول لها محذرا: " لا تتكلمي ثانية في هذه ألأمور، لقد تركت بلدي حتى أتجنب وحشية المعارك ورؤية الدماء، وإذا طاردتني الحروب هنا، فسوف أترك هذه المدينة أيضا إلى الأبد."
ظنّت الأميرة أن زوجها يمزح، فقد كان من المستحيل أن يتصور إنسان أن فتى قويا ذكيا مثل سامبا يخاف من المعارك. لكن الأميرة أحست أخيرا من نظرات سامبا، أن زوجها لا يمزح…!!!
لم يمض وقت طويل، حتى أغار لصوص من الأعداء على المدينة خلال الليل، وقتلوا الرعاة، وسلبوا عدداً كبيراً من قطعان الماشية. وعند اكتشاف الخسارة عند الصباح، أمر الملك بقرع طبول الحرب، وبأن يتولى الأمير سامبا زوج ابنته قيادة المعركة، فارتفعت هتافات المقاتلين مرحبة بذلك القرار. لكن سامبا لم يسمع هتافاتهم، فقد اختفى عن الأنظار وبحثت عنه زوجته الأميرة، فوجدته مختبأً في أحد مخازن القصر المظلمة. وحاولت كثيرا أن تجعله يترك مخبأه، ويأخذ مكانه في مقدمة القوات، لكنها فشلت في إثارة خوفه على شرفه، وجعله يشعر بالخجل من نفسه، وحذرته من الخطر الذي سيلحق به إذا علم الشعب بما يملأ نفسه من مخاوف. ومع ذلك لم تستطع أن تجعل سامبا يركب حصانه ليقود المعركة.
أخيرا طلبت سلاحه، فلم يجد مفراً من تنفيذ طلبها، فنزع عن صدره الدرع الذهبية الجميلة المرصعة بالأحجار الكريمة، فثبتتها حول صدرها، ثم ناولها سيفه وقوسه وسهامه. وعندما وضعت الأميرة الخوذة فوق رأسها، وأنزلت مقدمتها على وجهها، أصبح واضحا أن أحدا لن يستطيع اكتشاف حقيقتها، خاصة أثناء انشغال الجميع بالقتال.
خرجت الأميرة تسير بخطى ثابتة إلى فناء القصر، ثم قفزت على ظهر حصان زوجها الأسود وانطلقت كالرعد من بوابات المدينة على رأس المقاتلين. ولم يكن من الصعب هزيمة المعتدين واسترداد كل ما سرقه اللصوص.
عادت الأميرة المنتصرة إلى غرفتها مباشرة حيث كان سامبا ينتظرها في قلق، لكنها لم توجه إليه كلمة لوم أو عتاب، بل قالت له: " ساعدني في نزع هذه الدرع." ثم طلبت إليه أن يرتديها بسرعة وأطاعها سامبا بغير مناقشة، ثم ذهبت معه إلى الشرفة الخارجية، التي تجمّع تحتها الناس.
واستقبلته الهتافات المدوية من أفراد الشعب المتحمسين لبطلهم وقائدهم الجديد. وابتسم لهم سامبا، لوّح لهم بيده، لكنه لم يقل شيئا ولم يعرف أحد أن الأمير سامبا لم يكن هو الذي قادهم إلى النصر.
إلا أن شقيق الأميرة الأصغر كان يشعر أن شقيقته هي التي قادت المعركة. وعندما أخبر أخوته بشكوكه، ضحكوا من تصوراته، لكنه قال: " إذا جاء المعتدون ثانية، سأثبت لكم صحة ظنوني. سوف أحاول أن أترك علامة خاصة على القائد."
غضب المعتدون اللصوص لهزيمتهم، وجمعوا حولهم عدداً أكبر من رجال العصابات، وعادوا للهجوم مرة أخرى على المدينة. ورفض سامبا مرة ثانية أن يقود قواته، وترك زوجته تقود المحاربين إلى المعركة وهي متخفية في درعه.
وعندما خرجت لتركب حصان زوجها، راقب شقيقها الأصغر طريقة مشيها، فبدت شكوكه تتزايد، ولكي يكتشف الحقيقة ويتأكد تماما، اقترب من أخته في أثناء المعركة وأصابها بجرح صغير في ساقها.
كانت المعركة حامية جدا، فلم يكن لدى الأميرة وقت لتفكر في الألم. لكن عندما عادت إلى القصر أحست بالضعف والألم بسبب الدم الذي فقدت، ومع ذلك قالت لسامبا وهو يرتدي الدرع التي كانت ترتديها:" إنه مجرد جرح بسيط في ساقي، والناس ينتظرونك لتحيتك. ولكن قبل أن تخرج إليهم أجرح ساقك في رفق في المكان نفسه، حتى لا يشك أحد في أنك أنت الذي كنت تقود الرجال في المعركة." فانتفض سامبا وقال في فزع: " ماذا؟ أجرح نفسي؟ لا يمكن..لا أستطيع… هذا هو السبب الوحيد الذي يبعدني عن المعركة."
تنهدت الأميرة في أسى ولم تقل شيئا، لكنه في اللحظة التي استدار فيها الأمير ليخرج إلى الشرفة، انحنت بسرعة وجرحته برمحه في ساقه المكشوفة. وبينما كان يصرخ، غطت الأميرة جرحها، وأسرعت تنادي طبيب الملك ليعالج ألأمير الجريح .
وفي الحال، انتشرت بين الناس أخبار إصابة سامبا. وظل الناس يذهبون إلى باب القصر يسألون عن أخبار قائدهم الشجاع.
قال أكبر الأخوة لشقيق الأميرة الأصغر: " لعلك تأكدت الآن أن سامبا هو الذي قاد المعركة فعلا، وحقق لشعبنا النصر، وأنك كنت مخطئا في ظنك."
شعر شقيق الأميرة الأصغر بالحيرة، وعندما دخل الحجرة التي كان يرقد فيها سامبا وهو يئن، وجد أنه لا يستطيع الشك في الدليل الذي يراه أمام عينيه.
وبعد يومين، تجمعت كل عصابات الأعداء مع زعمائها، وعادت إلى مهاجمة المدينة للمرة الثالثة، وكلهم يأملون أن تكون عودتهم السريعة المفاجئة سبباً في إحراز نصر سريع على أهل المدينة غير المستعدين لملاقاتهم.
وعندما دوت طبول الحرب، نهضت الأميرة وذهبت إلى زوجها وقالت: " سامبا… إن جرحي أسوأ مما كنت أظن ولم أعد أقوى على السير، سيكتشف المحاربون مرضي عندما أحاول ركوب الحصان أمامهم فلا أستطيع. لا يمكنني هذه المرة أن أحلّ مكانك. يجب أن تذهب بدلا مني."
تنهد سامبا وقال: " إن الملك له ثلاثة أبناء. ألا يقدر واحد منهم أن يقود المعركة ؟ " فأجابت الأميرة: " إنهم صغار السن، ولن يطيعهم الرجال."
صاح سامبا: " لن أستطيع الذهاب!! "
قالت الأميرة: " إذن ارتد درعك واركب حصانك واخرج مع الرجال وسألحق بك عند حافة الغابة من أقصر طريق، وهناك نستبدل أماكننا."
وافق سامبا على هذه الخطة، فقد كان على استعداد لأن يفعل أي شيء ما دام لا يعرضه للخطر. ولكن ما أن جلس سامبا على سرج حصانه، حتى ضربت الأميرة الجواد بالسوط ضربة قوية، فانطلق كالريح خارجا من أبواب المدينة، وخرج خلفه كالسهم كل المحاربين، وبعد لحظة، كان الأمير وسط المعركة.
ولأول مرة وجد سامبا نفسه محاطا بالخطر. كانت السيوف تلمع عن يمينه ويساره… تضرب وتقاتل، والحراب من أمامه ومن خلفه… تطعن وتدافع. وكان لا بد أن يقاتل من أجل حياته..
وهكذا حدثت المعجزة …. لقد وجد سامبا شجاعته حين أيقن أنه لا مفر من أن يقاتل. واكتشف أن الشيء الذي كان يخشاه هو الخوف نفسه! وعندما وجد نفسه يقاتل من أجل حياته، نسي الخوف، وتغلب على نفسه، وانهال بسلاحه على أفراد عصابات اللصوص من حوله، تساعده قوته البدنية الهائلة، وأخذ أفراد اللصوص يفرون من أمامه.
انتشرت بسرعة أخبار شجاعته وبطولته، فألهمت رجاله الجرأة والتصميم على النصر، بينما نشرت الرعب والفزع في نفوس الأعداء.
انقضت المعركة، وانتهت ليس بهزيمة اللصوص فقط، بل بالقضاء عليهم حتى لا يعودوا مرة أخرى …..
استقبله الملك بنفسه عند بوابة القصر. وبينما كان سامبا يضع غنائم النصر الثمينة عند قدمي الملك، صاح الملك: " يا بني… كم أنا فخور بك. كيف أستطيع أن أعبّر عن شكري لشجاعتك وتضحياتك دفاعا عن شعبي؟ إنني مدين لك بالعرفان لأنك قضيت على أعدائنا قضاء نهائيا."
قال سامبا الذي وجد أخيرا شجاعته: " في الحقيقة أنت لست مدينا لي بشيء، إنما أنا المدين…. مدين بكل شيء لابنتك الأميرة، زوجتي العزيزة لأنها حولت رجلاً جباناً إلى قائد شجاع، وجعلته يحرز انتصارين هذا اليوم…. ألانتصار الأول على نفسه… والانتصار الثاني على أعداء الشعب……

مقالات متعلقة