الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 11:02

حزب الله والعرض الأخير للسنيورة / بقلم: ابراهيم بيرم

كل العرب
نُشر: 14/08/16 09:15,  حُتلن: 09:16

ابراهيم بيرم:

 في أي حال لا يعتبر الحزب نفسه في وضع المستعجل لتبنّي هذا العرض او التعامل معه وكأنه نهاية الدنيا او انه غير قابل للتكرار

العرض الذي يكاد يكون موجهاً حصراً الى الحزب ينطوي على كلمة سر اساسية، وهي رئاسة واحدة لنا في مقابل رئاستان لكم كحزب مباشرة، وفيها رئاسة مضمونة من لدنكم

في بعض الاوساط السياسية التي هي على صلة بكواليس طبخات الرئاسات التي نشطت اخيرا في لبنان كلام صريح عن ان المشكلة الاساسية التي باتت تقارب حدود العقدة المستعصية تكمن في مسألة عودة زعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة قبل مسألة وصول العماد ميشال عون او سواه من المرشحين الى منصب الرئاسة الاولى الشاغرة منذ اكثر من عامين.

معتنقو هذا الرأي ومن بينهم من هو على تواصل مع "حزب الله"، ينطلقون في تعليلهم وتأصيلهم له من تطور سياسي دراماتيكي برز خلال الايام الاخيرة في الكلام الذي اطلقه رئيس "كتلة المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة من على منبر مجلس النواب بُعيد ارفضاض الجلسة الاخيرة لانتخاب الرئيس على تأجيل جديد كما هي العادة، وقدم فيه عرضاً من خارج كل التوقعات والسياقات قسّم خلاله الرئاسات الثلاث على نحو أبعد فيه الرئيس نبيه بري عن الرئاسة الثانية وسمّى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد ليحل محله، فيما اعطى الرئاسة الاولى لزعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، وكانت الرئاسة الثالثة بطبيعة الحال معقودة اللواء للرئيس الحريري وهو الجوهر والعرض في آن واحد.

العرض الذي يكاد يكون موجهاً حصراً الى الحزب ينطوي على كلمة سر اساسية، وهي رئاسة واحدة لنا في مقابل رئاستان لكم كحزب مباشرة، وفيها رئاسة مضمونة من لدنكم. والمفارقة اللافتة هنا ان السنيورة الذي عُرف بعمق عدائه للحزب ولكل نهجه وتمرّس طويلا في توجيه سهام الانتقاد اليه، وكان اول من انبرى للتشكيك في قيمة الانجاز العسكري المكلف الذي حققه في حرب تموز عام 2006 ضد الاسرائيليين، يخرج على الملأ بعرض شراكة حكم صريح يضمن للحزب حصة وازنة لم تكن يوماً مدرجة في قائمة حساباته الحالية على الاقل من خلال اعطائه المنصب الشيعي الاعلى في رأس هرم السلطة.
ولا تتوقف الدوائر المعنية في الحزب طويلا عند ما يمكن ان ينطوي عليه الكلام الاخير للسنيورة من "أبعاد فتنوية" داخل الصف الواحد، لادراكها متانة هذا الصف وخصوصاً بين الحزب وبري، ولكن الحزب وجد في طيات كلام رئيس "كتلة المستقبل" امرين جديرين بالاهتمام:

الاول، انه عرض كامل متكامل على رغم ان مطلقه الى الضوء عاد بعد اقل من ساعتين ليتحلل منه. كذلك فان الحزب يدرك تماما ان العرض لم يأتِ من فراغ وانه ليس من النوع الذي يمكن السنيورة ان يطلقه في هذه المرحلة بالذات من دون ايحاءات او من دون تنسيق مع قيادة "التيار الازرق" وفي مقدمها رمزه الاول اي الرئيس الحريري.
الثاني، ان من اطلق العرض يعرف ضمناً انه سيبقى عرضا قائما ومفتوحا، اي انه ليس عرضا آنيا أُعد ليتم استهلاكه سريعا. لذا فان الحزب غير مضطر لان يعطي ردا حاسما عليه في عجالة. وهو ايضا وايضا يصلح لان يكون منطلقا واساسا للاخذ والعطاء حوله.
وابعد من ذلك، فان العرض عبارة عن رسالة مشحونة بالابعاد الى اكثر من جهة في الداخل والخارج على السواء.
الدوائر عينها لم تفاجأ بمضامين العرض نفسه وإن كانت لا تنكر انها فوجئت بان من اطلقه هو السنيورة نفسه وليس اي شخص آخر، ولهذا الامر ابعاده وفي مقدمها ان العرض يلقى قبول معسكري الصقور والحمائم في التيار مما يعطيه جدية وقوة دفع اكبر.
فمنذ فترة وبالتحديد غداة عودة الرئيس الحريري من منفاه الطوعي، يرد الى الحزب وسطاء يحملون في جعبتهم تساؤلات عن الاسباب التي تحول دون ان يكون الحزب مستعدا لابرام تفاهمات مع "التيار الازرق" حول النقاط الخلافية. بالطبع لم يعطِ الحزب اجابات حاسمة وسريعة، واقتصر الرد على ان الموضوع قيد الدرس من دون ان يغفل اهمية التوجه الى الرابية والتفاهم مع سيدها على كل المواضيع وفي الطليعة الرئاسة الاولى.
حينذاك كانت تساؤلات الوسطاء اولية ومبهمة لم يؤتَ فيها على ذكر امور محددة مثل عودة الحريري الى الرئاسة الثالثة، لكن الدوائر عينها في الحزب ايقنت ان الاولوية لدى "التيار" هي هذه المسألة بالذات وان ثمة الحاحاً واستعجالاً. وبالطبع لم يأتِ الوسطاء على ذكر عرض ان يشغل رعد المنصب الشيعي الاعلى في الحكم، وعليه عُدَّ عرض السنيورة الاخير في هذا الشأن وكأنه عرض اقصى ينطوي على عامل "اغرائي" غير مسبوق، وهو بالنسبة الى الحزب الحلقة الثانية المخفية من مبادرة الحريري الاولى النوعية والتي سمى فيها فرنجية مرشحه للرئاسة الاولى، مفترضا ان على الاخرين ان يتلقفوا المبادرة ويلاقوه الى منتصف الطريق.
لا شك في ان في الدوائر عينها من يرسم ابتسامة نصفية لمشهد تخلي السنيورة عن مسار عدائه التاريخي للحزب ورفضه التعاطي معه بندية وتهديده له ذات عام برفع شعار "المقاومة المدنية الشاملة" في وجه الحزب وسلاحه، ويوجه في لحظة ذات طبيعة مفصلية دعوة صريحة الى الحزب، وإن عاد وانكرها بعد اقل من ساعتين، بغية اقامة تجربة حكم مشترك من طبيعة استراتيجية قطباها الاساسيان الحزب و"تيار المستقبل".
ولا شك ايضا في ان في الدوائر عينها من يقيم على اعتقاد فحواه ان عرض السنيورة، بصرف النظر عن مآله، يندرج ضمنا في سياق تراجعي لـ "التيار الازرق" الذي رفض رفضا مطلقا تجربة الشراكة مع الحزب في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، منطلقا من اعتقاد انها لن تعمر اكثر من اشهر معدودة وانها لن تلبث ان تتهاوى ليعود بعدها "المستقبل" ويتسلم دست الحكم ويحكم بشروطه.
ثم قبل "التيار" بتجربة الشراكة في حكومة الرئيس تمام سلام على اساس انها حكومة انتقالية تمهد السبل وتزيل آخر الاعتراضات على عودة الحريري شخصيا الى الحكم الذي اخرج منه قسرا قبل نحو 6 اعوام. ولكن رياح الامور داخليا واقليميا سارت بخلاف ما تشتهيه سفن "المستقبل" فكان عرضه المبدئي الاخير على لسان السنيورة بعد تخليه عن ترشيح الدكتور سمير جعجع للرئاسة الاولى وتسمية فرنجية.
في أي حال لا يعتبر الحزب نفسه في وضع المستعجل لتبنّي هذا العرض او التعامل معه وكأنه نهاية الدنيا او انه غير قابل للتكرار، علما انه اشار سابقا ومرارا الى ان طريق الخروج من ازمة الحكم يبدأ من الرابية وهو ما فتىء عند هذا الرأي.

نقلا عن جريدة النهار

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة