الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 11:01

الاحتكام بين اللبنانيّين إلى الشارع/ بقلم: إميل خوري

كل العرب
نُشر: 02/08/16 08:55,  حُتلن: 08:58

إميل خوري في مقاله:

ليت القادة في لبنان ساروا في هَدْي فكر شيحا لما حدث ما حدث ولما اختلّ التوازن اللبناني وأدّى إلى حرب دمّرت الحجر والبشر

من شدّة تمسّك شيحا بالدستور واحترام أحكامه، كان يعتقد أن على الشيخ بشارة الخوري أن يحترم الدستور الذي أوصله إلى الرئاسة وأن لا يعدّل فيه خصوصاً لمصلحته

هل يصبح احتكام القوى السياسية الأساسيّة في البلاد إلى الشارع قاعدة أم يبقى استثناء بدل الاحتكام إلى المؤسّسات الدستوريّة والشرعيّة التي أصابها في فترة الشغور الرئاسي الشلل والتعطيل؟

وها ان الاحتكام إلى الشارع بدأ بتظاهرة تطالب بالنسبية في قانون الانتخاب، وقد يرد فريق عليها بتظاهرة تطالب باعتماد قاعدة الأكثريّة أو المشروع المختلط حين لا حكومة ولا مجلس نواب يحسم ولا حتى الحوارات الثنائيّة والجماعية سواء بالتراضي أو بالتصويت. ومَن يدري إذا ما أصبحت الكلمة للشارع ألّا تتظاهر فئة مطالبة بالانضمام إلى هذا المحور وترد عليها تظاهرة تطالب بالانضمام إلى محور آخر أو، وهو الأخطر، أن تتظاهر فئة تطالب بفلان رئيساً للجمهوريّة فترد عليها فئة تطالب بآخر رئيساً للجمهوريّة... وتكر السبحة ليصبح الشارع هو الحاكم والحكم بدل الشرعيّة، وهو الحاسم للخلاف حول أي صيغة عيش مشتركة أفضل للبنان، وجعل كل موضوع أساسي مثير للخلاف مطروحاً في الشارع إذا ظلّت المؤسّسات الدستوريّة مشلولة ومعطّلة وعلى رأسها مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة.
لقد تنبّه المفكّر الكبير ميشال شيحا لاحتمال حلول الشارع محل المؤسّسات فنبّه من مخاطر ذلك وهو مهندس الدستور اللبناني وحجر الزاوية في الكيان اللبناني، فشدّد على قدسيّة الدستور وضرورة احترامه والتقيّد بمبادئه، معتبراً أنه من أشدّ دساتير العالم تكريساً لقوّة السلطة، وإراديّ بقدر ما هو ديموقراطي. ورأى شيحا في الحكم "أن يكون رهن إرادة الرجال لا القوانين"، وشدّد على "أهميّة الحياة البرلمانية"، معتبراً البرلمان "نقطة التقاء بين الطوائف والمعبّر عن إرادة الحكم المشتركة وليس فقط عن الديموقراطيّة التقليديّة، وهو أيضاً نقطة الالتقاء الضروريّة بين الطوائف المتّحدة في لبنان والمطهر الرسمي لإرادة الحياة المشتركة بل لإرادة الحكم المشترك، وهو شرط التوازن والتناسق للشعور بسعادة الحياة المشتركة. فإذا تعزّز المجلس ازدادت حظوظ التعايش بسلام والتعايش في السعادة والحريّة". وأصرّ شيحا على "ضرورة إرساء التوازن بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة على أن تكون الأولويّة لمجلس النواب" بقوله: "إذا لم تستخدم السلطة التنفيذيّة المسلّحة جيّداً تجاه البرلمان إلّا لتدمير هذا الأخير، وإذا كانت فكرتها المسبقة والثابتة هي في التقليل من قيمة مؤسّسة ضرورية من طريق استنزافها واستهلاكها بدل مساعدتها بكل الوسائل لتحسينها، فإنّه يصبح من الضروري أن يتمّ إصلاح السلطة التنفيذيّة قبل كل شيء". ولفت الى "أن انعدام التوازن بين السلطتين يؤدّي حتماً إلى تفتّت المجتمع اللبناني واندلاع حرب أهليّة". ويرى شيحا أن "الواقعيّة هي السمة الأساسيّة لمبادئه. فالاختلافات العميقة أحياناً والناجمة عن التعدّد الطائفي في لبنان، ينبغي أن تجعل السياسة الداخليّة تقوم على مبدأ التوازن على صعيد العلاقات الطوائفيّة في الداخل وفي السياسة الخارجيّة والانفتاح المتوازن بين الغرب والعرب كي يحيا اللبنانيّون في وفاق دائم بعيداً من التناحر. والطريقة الموصلة إلى ذلك هي في أن نأخذ في الاعتبار أنّنا لا نستطيع أن نقارب العناصر المختلفة ونوحّد في ما بينها إلّا إذا سمحنا لها أن تعيش سياسيّاً سويّاً وأن تضع القوانين سويّاً داخل البرلمان وتكون قادرة على مراقبة هذه القوانين". وأكّد أن "مجلس النواب هو المجلس الذي تلتقي فيه الطوائف ولو لتتقاتل بدل أن تتقاتل خارج المجلس في الشارع وفي ظل الكنيسة والجامع"...
ومن شدّة تمسّك شيحا بالدستور واحترام أحكامه، كان يعتقد أن على الشيخ بشارة الخوري أن يحترم الدستور الذي أوصله إلى الرئاسة وأن لا يعدّل فيه خصوصاً لمصلحته، وكان مؤمناً بأنّه "لو لم يجدّد الشيخ بشارة لنفسه لكان أصبح معلماً في السياسة اللبنانيّة". ورأى في التجديد "نهاية سياسيّة للشيخ بشارة ومثالاً سيّئاً للرؤساء اللاحقين وللبنانيّين لأن فيه خروجاً على الدستور".
ليت القادة في لبنان ساروا في هَدْي فكر شيحا لما حدث ما حدث ولما اختلّ التوازن اللبناني وأدّى إلى حرب دمّرت الحجر والبشر، ولما تمّ اغتصاب الدستور مرّات ومرّات ولفّ الغموض مفهوم الديموقراطيّة التي أرادها شيحا "تقليديّة وتوازنيّة بين أقلّيات تعيش على أرض الوطن"، ولما "ساد التوتّر العلاقات بين الجماعات اللبنانيّة"، ولما "ضاع دور مجلس النواب ملتقى العائلات اللبنانيّة المختلفة"، ولما "أصبح لبنان أرضاً تكره البشر" على ما حذّر منه.

نقلا عن جريدة النهار

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة