الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 15:01

70 عامًا على عملية تفجير فندق الملك داوود الارهابية / د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 22/07/16 09:05,  حُتلن: 11:48

د.جوني منصور:

بيجين لم يستجب إلى طلب سنيه، وجهز عناصر من ايتسيل ارتدوا زيًّا سودانيًا، وكأنهم يعملون في الفندق، حيث أدخلوا سبعة جرار تحتوي على الحليب

ساهمت هذه العصابات في تشريد وتدمير حياة قرابة مليون فلسطيني، تحولوا إلى لاجئين في وطنهم وخارجه منتشرين أصقاع مختلفة من منطقة الشرق الأوسط ودول أخرى خارجها

على ضوء ما خلفته هذه العملية الارهابية فإنّ حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين قررت التعجيل بالاجتماع مع ممثلي العرب واليهود لوضع حل نهائي للصراع في فلسطين

يحتفل حزب الليكود وعدد من الحركات السياسية الصهيونية المتطرفة في اسرائيل بذكرى مرور سبعين عامًا على تنفيذ زعيمهم مناحيم بيجين عملية ارهابية بتفجير فندق الملك داود في القدس تمامًا في مثل هذا اليوم في 22 تموز 1946. ويعتبر الليكود وتوابعه أن هذه العملية هي حلقة في مسلسل البطولات التي قام بها ارهابيون أعضاء في عصابات (تنظيمات) عسكرية ارهابية في مقدمتها ايتسيل(الارغون) والهاغاناه، وليحي وبالماح في الفترة السابقة لعام النكبة 1948. وهذه العصابات شاركت فعليا في تنفيذ عشرات العمليات الارهابية والمجازر الدموية ضد الشعب الفلسطيني في عدد كبير من القرى والمدن في فلسطين في عام النكبة. وساهمت هذه العصابات في تشريد وتدمير حياة قرابة مليون فلسطيني، تحولوا إلى لاجئين في وطنهم وخارجه منتشرين أصقاع مختلفة من منطقة الشرق الأوسط ودول أخرى خارجها.


وتحاول الرواية الاسرائيلية تصوير هذه العملية وعشرات العمليات الارهابية الأخرى بكونها بطولات، ويجب تعزيزها في الذاكرة العامة بكونها هكذا، بدلا من الاشارة والتدليل على انها ارهابية والاعتراف بذلك.
فندق الملك داود الذي أقامته شركة بريطانية بالشراكة مع استثمار من البنك العقاري المصري في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، تم افتتاحه في العام 1931. ويحتوي الفندق على أكثر من مائتي غرفة وعدد من الأجنحة الملوكية ، بالإضافة إلى عدد من المطاعم والمقاهي وأقسام الترفية وغير ذلك.
ونزل في الفندق عدد من الشخصيات السياسية والفنية المرموقة والمعروفة اقليميا وعالميا، أمثال الملك عبدالله الأول ملك الاردن، وهيلا سيلاسي امبراطور اثيوبيا، وجورج ملك اليونان. ويعتبر الفندق الرسمي لاسرائيل حيث ينزل فيه ضيوف الدولة الرسميين، بعد ان استولت عليه اسرائيل نهائيا في العام 1967 باحتلالها القدس.

أما السؤال المركزي هنا فهو: لماذا التفجير في هذا الفندق دون غيره؟ هنالك عدة آراء حول هذا الأمر. منها أن العصابات العسكرية الصهيونية أرادت تسديد ضربة قوية ومؤلمة في خاصرة الحكومة البريطانية. وخصوصا أن هذه الحكومة قد نقلت معظم دوائرها الحكومية والاستخباراتية إلى الجناح الجنوبي في فندق الملك داود بالقدس، في خطوة منها لتجميع كافة الدوائر الرسمية في مكان واحد ولتوفير حماية لها. وهناك من يدّعي أن العصابات العسكرية الصهيونية أرادت لفت نظر العالم إلى قوتها وقدرتها على القيام بعملية ارهابية نوعية ضد أحد أهم معاقل الحكومة البريطانية ولتذكيرها بالتزاماتها تجاه اليهود بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
لكن في حقيقة الأمر أن قيام عصابة ايتسيل (الأرغون) التي تزعمها مناحيم بيجين(رئيس حكومة اسرائيل بين 1977 و 1983) بالعملية الارهابية لإثبات حضورها وقدرتها على العمل والمناورة وسط سياسات التضييق التي تبنتها الحكومة البريطانية في تلك الفترة ضد التنظيمات العسكرية الصهيونية، وخصوصًا الارغون. لكن الأمر مخالف لهذا التوجه في أنّ العصابات العسكرية كانت تؤمن بأنّ الحل للصراع بينها وبين الانجليز والعرب على حد سواء يكون بالعنف والدم والنار.
الذريعة التي بثها سياسيو وعسكريو التنظيمات العسكرية الصهيونية أنّ العملية هي انتقامية ضد سياسات الانجليز تجاه اليهود ، خصوصًا ما قامت به الحكومة الانجليزية ضد اليهود فيما يُطلِق عليه مؤرخو التاريخ الصهيوني بأحداث "السبت الأسود" في 26 حزيران 1946.
تدارست قيادات العصابات الصهيونية كيفية تنفيذ العملية الانتقامية، واقترح موشي سنيه القائد العام لعصابة الهاغاناه أن تقوم عصابة ايتسيل بزعامة بيجين بعملية ارهابية ضخمة بتفجير فندق الملك داود. ودار نقاش حاد بين المستوى السياسي في الحركة الصهيونية مُمثلا بحاييم وايزمن رئيس الاتحاد الصهيوني الذي طالب ونادى بوقف العمليات الارهابية ضد الانجليز ، وبين المستوى العسكري ممثلا بالعصابات العسكرية الصهيونية وعلى رأسها "الهاغاناه" التي قادها موشي سنيه. ولمّا لم يُوَفّق سنيه في إقناع مندوبي العصابات العسكرية الأخرى، قدّم استقالته وأرسل رسالة إلى بيجين بهذا الخصوص، ناصحًا اياه بوقف هذه العملية حصريًا.
لكن بيجين لم يستجب إلى طلب سنيه، وجهز عناصر من ايتسيل ارتدوا زيًّا سودانيًا، وكأنهم يعملون في الفندق، حيث أدخلوا سبعة جرار تحتوي على الحليب، وخبأوا فيها 50 كغم من المتفجرات. ووضعوا كل جرة قرب عامود من أعمدة الفندق كي يكون التفجير مدويًا ومرعبًا.

وفي اليوم المحدد وهو 22 تموز 1946ـ وصل خبر سري إلى سكرتير الحكومة جون شو الذي كان مُجتمعًا في ذلك اليوم مع كبار رجالات حكومة الانتداب والمخابرات في الفندق، إلا أنه صرح امام كافة المسؤولين والموةظفين أن من يترك ويغادر المبنى يطرد من وظيفته. وفور ذلك سُمِع دوي انفجار ضخم في الجناح الجنوبي من الفندق، أدّى إلى تدمير عدد من أدواره، وانهيار أسقفه، ومقتل 91 شخصًا، منهم 41 عربيًا، و 28 انجليزيًا، و17 يهوديًا وخمسة آخرين، بالإضافة إلى عشرات الجرحى وخسائر مادية فادحة جدًّا.
وتدّعي بعض الأدبيات والنصوص التحليلية الصهيونية لمجرى الحدث، وخصوصا ما سبقه، في أن العميل البريطاني هينريخ راينهولد المزروع في صفوف ايتسيل قد تأخر في نقل المعلومة حول العملية... وتبقى هذه المسألة في خانة الفرضية.
المهم في الأمر، أنّ الرواية الصهيونية تعتبر هذا العمل بطوليا، بالرغم من تصريح عدد من قيادات الحركة الصهيونية على المستويين السياسي والعسكري استنكارها الشديد للعملية. لكن في المحصلة الأخيرة فإن العملية قد خرجت إلى حيز التنفيذ على يد مناحيم بيجين الذي أصبح من كبار رجالات المعارضة في اسرائيل بين 1948 و 1977، ثم تولى رئاسة حكومة اسرائيل والتقى مع عدد كبير من رجالات السياسة في العالم دون تذكيره بهذه العملية الارهابية التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، بل لم تجرؤ أي دولة في العالم على إبراز دورها الارهابي والاجرامي والدموي.
على ضوء ما خلفته هذه العملية الارهابية فإنّ حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين قررت التعجيل بالاجتماع مع ممثلي العرب واليهود لوضع حل نهائي للصراع في فلسطين، من زاوية أن بريطانية لم تعد قادرة على إدارة الانتداب. وطبعا، هذا هراء وخرافة... كانت بريطانية تسعى إلى تسليم فلسطين إلى الحركة الصهيونية وتخرج منها بهذه الذريعة... مهما كان أمر التحليلات فإن تفجير الفندق هو عملية ارهابية وليست بطولية، كما تروج الرواية الصهيونية، أو كما تحاول المؤسسة الاسرائيلية من صنع ابطال وبرمجة بطولات لهم، وهم مجرمون على أكفهم دماء...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة