الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 03:02

تركيا.. خلفية تاريخية مثمرة وظاهرة جغرافية مميزة/ بقلم: طارق بصول

كل العرب
نُشر: 21/07/16 13:40

بسم الله والحمد لله حمدًا يوازي نعمة ويدفع نقمته ويكافئ مزيده ونصلي ونسلم ونبارك على سيدنا محمد الصادق الوعد الامين.

سيطر خلال الساعات الاخيرة على وسائل الاتصال المختلفة فشل الانقلاب العسكري على الحكومة التركية، بعيدًا عن هذا الحدث السياسي رأينا من الحاجة الى التطرق لهذه الدولة العريقة من حيث خلفيتها التاريخية التي بلورت تركيا اليوم وتحليل ظاهر المدى الجغرافي.

تركيا اليوم هي وليد الدولة العثمانية التاريخية التي حكمت ما يقارب 700 سنة منذ تأسيسها عام 1288م على يد عثمان الاول حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى عام 1918م، وقد حكمت بلادنا ما يقارب 400 سنة ( 1517- 1918).

اصل العثمانيين يعود الى القبائل التركية التي قدمت عام 1250 م من اواسط اسيا الى نفوذ الدولة العباسية ( الفترة السلجوقية) الحاكمة بمنطقة الشرق الاوسط . من اجل ان تكسب ود السلطان السلجوقي قامت بمساندته بالمعارك ضد المغول، هذه الخطوة جعلت السلطان السلجوقي يكافأ قائد القبلية التركية ارطغرل وسلمه احدى مقاطعات الدولة، بعد وفاة ارطغرل عام 1288م ورثه ابنه عثمان الاول، الأخير اسس الدولة العثمانية من خلال انشاء جيش قوي ونظام سياسي متين. ثم بدأ بتوسيع نفوذ حكمه نحو الغرب والشمال، تسلسلت السلاطين العثمانيين خلف عثمان الاول بالوراثة، وكل سلطان من هؤلاء الورثة ساهم بتوسيع رقعة الدولة العثمانية.

الفترة الذهبية للدولة العثمانية والتي حولتها لإمبراطورية تمحورت بين عام 1451م حتى عام 1566م فخلال هذه الفترة توسعت رقعه الامبراطورية العثمانية على نفوذ ثلاثة قارات ( اسيا – اوروبا –افريقيا)، في عام 1452م استطاع السلطان محمد الفاتح فتح القسطتنطنية البيزنطية وتحويلها الى مدينة الاسلام " اسطنبول " وبهذا وضعت الدولة العثمانية رجلها على القارة الاوروبية والسيطرة على منطقه البلقان ونهر الدانوب، اما السلطان الثاني الذي برز خلال هذه الفترة كان سليم الاول الذي فتح بلاد الشام عام 1517م بعد ان انتصر على المماليك بمعركة مرج داب قرب حلب، هذا الانتصار فتح امامه الطريق للوصول الى شمال افريقيا واحتلال الجزائر، السلطان الثالث والأخير الذي انهى العصر الذهبي كان سليمان القانوني الذي اهتم كثير بتحسين النظام الاداري من خلال سن القوانين وتطوير البنية التحتية والأعمار ولعل اهم الاعمال التي قام بها بناء اسوار القدس التي ما زالت شاهدة على عظمة الدولة العثمانية حتى يومنا.

بعد ذلك اي خلال القرن ال-17 والقرن ال-18 مرت الدولة العثمانية مع سلاطينها في سبات عميق تمخض بنشوء قوات سياسية محلية حاولت الانشقاق عن الحكم العثماني وإقامة حكم ذاتي، مثل فخر الدين المعني وظاهر العمر الزيداني واحمد باشا الجزار.

مع بداية القرن ال-19 ازداد الوضع سوءًا فقد ظهرت المساله الشرقية، التي تعرض عدة احداث سياسية تبين من خلالها ضعف الامبراطورية العثمانية ووصفها بالرجل المريض الغير قادر الدفاع عن نفسه من اطماع الدول الاوروبية ( بريطانيا –فرنسا- روسيا) التي استطاعت بشكل او بآخر الاستيلاء على قسم من املاكها وإعادتها لدولة عادية.

مع بداية القرن ال-20 شهدت العائلة العثمانية انقلاب عسكري خطط له جمعية الاتحاد والترقي ادى الى اطاحة السلطان عبد الحميد الثاني عن الحكم ونفيه الى اليونان، تسلم مقاليد الحكم العثمانيين الجدد الذين ظلموا الاقلية العربية في الشرق الاوسط،وقد خاضت الدولة العثمانية الحرب العالمية الاولى ( 1914- 1918) بجانب دول المركز بقيادة المانيا، كانت الهزيمة حليفة دول المركز وبهذا فقدت الدولة العثمانية سيطرتها على اجزاء كبيرة من آسيا . في اعقاب هذا الفراغ السياسي ظهرت شخصية سياسية حديثة باسم مصطفى اتا ترك الذي قام عام 1924 م بخطوتين مصيريتين في تاريخ تركيا الحديث، الاولى تغير اسمها من عثمانية لتركيا، الثانية الغاء نهج الخلافة والشريعة الاسلامية وتبنى نهج العلمانية. منذ تلك الفترة تبلورت وتغيرت سياسيه تركيا من حين لأخر حتى استقرت على ما هو علية اليوم.

أما الظاهر للمدى الجغرافي للخارطة الطبيعية وخارطة التوزيع السكاني لتركيا فمن الممكن استنتاج ما يلي:
أ- الموقع تقع تركيا بين خطي عرض 36 - 43 شمالا الاستيواء وبين خطي طول 26 - 45 درجة شرق غرينش على الاطراف الغربية لقارة اسيا الصغرى التي تغطي معظم مساحتها 92% اما المتبقي منها " اسطنبول وأدرنه وتكير داع " في القارة الاوروبية، شكلها مستطيل عرضها يصل الى 1600 كم اما طولها 800 كم، يحدها من الشمال البحر الاسود وفي الشرق شمال جوريا وشرقًا ارمينيا وايران وفي الجنوب الشرقي العراق وسوريا ومن ثم البحر الابيض المتوسط اما في الغرب بحر ايجا واليونان وبلغاريا، فحسب الموقع والحدود من الممكن الاستنتاج ان تركيا شبه جزيرة يحدها من ثلاث جهات ماء.

ب- مبنى التضاريس: مبنى تضاريس تركيا هو تدريجي يعلو من الشرق وينحدر نحو الغرب حتى يصل سواحل مرمره وايجا. تتكون تركيا بالأساس من ثلاثه وحدات منظر، جبال – سهول - انهر، الجبال تغطي معظم مساحتها تمتد من الشرق حتى اواسط البلاد، هنالك سلسلتين من الجبال تمتد على عرض الدولة، جبال طوروس التي تمتد على طول الجهة الجنوبيه من الشرق الى الغرب حتى تصل قرب جزيرة رودوس .اما السلسلة الثانية فهي بنطوس التي تمتد على طول السهل الشمالي من الشرق نحو الغرب وفي الوسط سلسلة جبال الاناضول، هنالك بعض الانهر منتشرة على المدى الجغرافي نذكر قسم منها، في الشرق الاخوان فرات ودجله ينبعان من جبال طوروس يتفرقان الفرات يمر بسوريا اما دجله يمر بالعراق يلتقيان شمال البصرة ويصبان في الخليج العربي، نهر فيزيل ارماق ينبع من جبال طوروس ويصب بالبحر الاسود شمالا، نهر سقاريا الذي ينبع من قدم الاناضول غربًا ويصب بالبحر الاسود.

ج- الموقع الاستراتيجي : تتميز تركيا بموقع استراتيجي يصل بين القارة الاوروبية والافريقية والاسيوية، فهي تحتضن مضائق مرور من قارة لأخرى فمضيق البوسفور يصل بين البحر الاسود "سفير اوروبا في الشرق" وبحيرة مرمرة ومضيق الدردنيل يصل بين بحيرة مرمره والبحر الابيض المتوسط الذي منه بالإمكان الوصول الى اسيا او افريقيا.

د- التوزيع السكاني: التوزيع السكاني يتأثر بمبنى التضاريس فلو قارنا بين خارطة التوزيع السكاني مع الخارطة الطبيعية لوجدنا ان معظم البلدات والمدن تقع بالجهة الغربية ذات تضاريس سهلة فهنالك المدن الرئيسية لتركيا مثل اسطنبول- انقرا – انطاليا اكثر جنوب وغيرها، وكلما اتجهنا نحو الشرق تصبح التضاريس صعبة والجبال اكثر ارتفاع فهنالك قمم جبال تعلو عن 5000م عن سطح البحر مما يجعل الاستيطان قليل.
ه- ديمغرافيا: يصل عدد سكان تركيا حسب احصاء 2013 تقريبًا 74 مليون نسبة، عدد سكانها يزداد نسبيًا بسبب التكاثر الطبيعي ،ولكن لا بد من التطرق الى موجات الهجرة الايجابية التي شهدتها تركيا في السنوات الاخيرة جراء وصول عدد من المهاجرين السوريين اليها.

للختام : من الممكن تلخيص هذا المقال بجمله واحدة " خلفية تاريخية عريقة ومثمرة بالأحداث وظاهر جغرافي مميز وملفت للأنظار".

الحمد لله التي بنعمته تتم الصالحات.

مقالات متعلقة