الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 09:02

بنت القسطل- صفورية/ بقلم: فيصل طه

كل العرب
نُشر: 15/07/16 17:22,  حُتلن: 17:23


صفورية باقية في مكانها وان أُبعد أهلها قسرًا عن قلعتها وقسطلها وبساتينها، فهي ثابتة في أرضها وحية في ذاكرة أبنائها، وفي فضاء ذاكرة شعبنا الفلسطيني باقية، كما المئات من بلدات هذا الوطن الجريح.
عندما يتشظّى الوطن ببنيانه وعمرانه بناسه وأشجاره بمائه، تتجلى حالة مأساوية غارقة في التاريخ عالقة على أحبال مشدودة للمستقبل تشده نحو العودة, قاهرة للنسيان لتتشكل صورة تتجاذبها الألوان المعتمة والزاهية، الظلمة والنور، الظلم والحرية، والأمل بالأمل.
صفورية رابضة على صخور تلالها تعانق أفقها، ترقب أهلها تحفظ أسماءها، وفي قلبها ينبض الحنين وينتفض الورد.
صفّورية هي شأننا جميعًا، شأن الإنسانية وشأن من عايشها ومن جاورها وأحبها حبًا مدويًا، الشاعر سيمون عيلوطي الحالم بالعودة، ولو من خلال المشاركة في فعالية مسيرة العودة.
صفّورية في البال تضل
أحلى من زهرات الفل
زيارتها واجب مفروض
يشارك فيها أهل الكل
سيمون عيلوطي يبدع في بناء حكاية شعرية سرديّة توقظ في القارئ حنينًا متّقدًا ثائرًا، وحلمًا واقعيًا بتحقيق العودة محرّضًا للعمل الثقافي.

ينقلنا الشاعر سيمون عبر صور ومشاهد حية متتالية تحمل في حواشيها مكنونات الذكرى الساخنة واصرار البقاء ولوعة الحنين ورقي الوعي السياسي والاجتماعي والقيم الانسانية والتضامن والتآخي آتيا بمشاهد ثرية بالطقوس والعادات والمناسبات والاغاني الشعبية وبمسميات الاماكن وتعدد ثروات المكان (صفورية) الزراعية، الصناعية البسيطة ووسائل النقل المتطورة في حينه


تتجلى صفورية في الحكاية الشعرية السردية " بنت القسطل" للكاتب سيمون العيلوطي الصفوري،
صفورية بساتين
مفروشة خضار
نبعات وِحْساسين
قسطل وأزهار
صفورية يا خضرا
تبقى بالروح زهرة
تفرفح حوليَّا
يُرصّع حكايته بلغة المكان المحكية، يغرف من افواه الناس: الجرةَّ، كيلة المية، الحصيرة والدوشك المفروش، كانون النار، تنكة الازهار، لعبة المنقلة، أكلة القطايف، اليوك، المكوك ، الجرن، الطابون، الكبة وغيرها.
يُشير وبإعتزاز الى ثراء المكان صفورية وعلو مركزها، في شتى مجالات الحياة، "في القرية طواحين للقمح، كان ابوي يشغلها على المي وكان عنا معاصر للزيتون ومدرستين، واحدة للصبيان والثانية للبنات، كان عنا مجلس بلدية، تنادر وباصات العفيفي بتستناكو بالساحة جديدة وكثير نظيفة ورخيصة". وغنى أغاني لأعراس وحمّام العريس :"قُلّي وين تحممت يا زين يا غالي، يا يما حمموني بدار خوالي".

وأبرَزَ ما ساد من تآخي ومحبة وتسامح بين ابناء البلد الواحد "بتذكر في عيد الميلاد الحفلة اللي صارت بالدير، وفي عيد الصعود كلمة الشيخ صبيح إل حكاها للوفود".
"الدير بصفورية موجود، مِنْصونُه لو شو بِيصير"،
"دير القديسة حنّه والدة ستي مريم مولودة في هالجنة صفورية انشالله تسلم".

ويتجول سيمون في حكايته الشعرية في ثنايا الطبيعة الجميلة، يتظلل بظلال الدوالي الحاملة وبأشجار الرمان، يُراقب اسراب الحمام ويترنم بتغريد البلابل والحساسين ويقترب دفئاً الى سته وهي تجدل صوف بالصنارة "منو تعمل شرشف يَ ستار تهديه لاهل الخير ....للزوار".
مرتاحا في قرية هادئة سالمة "عيشتنا فيها أحلى من ندى النوار، لا خصم عنا لا عدا, ولا ثار... ويذوب شوقًا للدار وللجرَّة "مشتاقة قلبي دايب" "يا قلبي ناطر وعدي عجمر النار".
يكشف الشاعر المأساة، وانقلاب الحال بين ليلة وضحاها "بليلة ما فيها قمر، غزونا والجو إنعكر". تنبلج عن هذه المشاعر الانسانية المتداخلة شوقا وحنينا حزنا وفرحا، الماً واملاً... تنبلج مواقف الصمود والتحدي والواقعية والامل للباقين في الوطن ليصبح تواجدنا في قرانا "خطر على امن الدولة" وليقف الناس ضد سياسة الترهيب وكسر العظام وليعبروا اهل البلد عن مواقفهم واصرارهم على البقاء
" ما نرحل لو شو بصير نبقى هون كبير زعير
ما نترك أرض اجدادنا ".

علمني جدي جملة
"صونوا الارض طول وعرض"
"ما نترك ارض الاجداد"
وبعلو صوت المقاومة
"ما يرهبنا حتى الموت
بالمقالع والنبوت
منقاوم لو شو بصير"
وعن صمود المرأة المتمثلة "بمريم" :
"لو مشَّيتوا الدبابات
فوق جسمي ما بزيح
مزروعة مثل النبات
ما تقعلني هبوب الريح"
وبرؤية تفاؤلية لزوال الظلم، "علمتنا التجربة الظلم رايح ل زوال"
" حول الشعوب تكسرت كل القيود "
وبوعي ثاقب مسؤول يشير الى طبيعة النضال السلمي للبقاء بمشاركة قوى تقدميّة يهودية "وكل اللي بيحبوا العدل والسلام في اسرائيل والعالم ,"مش بس مندعي للسلام مندعي للمحبة كمان والتساوي" والى تأكيد الرواية الفلسطينية بأننا اصحاب الارض الاصليين ولسنا كالرواية الصهيونية التي بدلت الاسماء "تحرير تسييوري من مغتصبيها العرب"
ويدعو الى التسامح والتآخي بين ابناء الدار

بنت القسطل تجري حكاية فنية في مياه القسطل لتحيي البستان، وصفورية "تظل على مر الليالي قمرها يهل" ولتبعثنا سائرين اليها، عائدين اليها، الى مرجها الاخضر الى بلاد العنبر.
هاتفين "صفورية دون الاهل صحرا ... حجر" نحن اهلها عائدون اليها.

شكر الى سيمون، تستحق الثناء على هذا الجهد الابداعي وعلى أَخذك بيد بنت القسطل والقلعة، بنت صفورية للتظلّل بظلال الدوالي والى قَطْفِ قُطْف العنب، والى الرقود على عش البلبل، الى الامل الآتي حتماً.... الى العودة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة