الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

موت نخبة/ بقلم: حازم صاغية

كل العرب
نُشر: 29/06/16 10:02,  حُتلن: 10:03

 حازم صاغية في مقاله:

الشعبويّون أطلقوا النار على القدم بتقديمهم حلولًا بائسة ومبسّطة لمشكلة قائمة أمّا النخبة فهي التي تسبّبت بالصداع الأصليّ

الصفّ الذي وقفت فيه النخبة التقليديّة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة هو ذاك الذي أتاح للصفّ الأوّل أن يحرز انتصاره الكبير الذي تلوح أخطاره على العالم بأسره

وصف فنّان بريطانيّ نتائج الاستفتاء الأخير في بلده بالتالي: رجل كان يعاني الصداع فأطلق النار على قدمه. بقي الصداع وأضيف إليه عطب القدم وألمه.

الشعبويّون أطلقوا النار على القدم بتقديمهم حلولًا بائسة ومبسّطة لمشكلة قائمة. أمّا النخبة فهي التي تسبّبت بالصداع الأصليّ.

صحيح أنّ الصفّ الذي يقف فيه نايجل فاراج وبوريس جونسون، ووراءهما دونالد ترامب ومارين لوبن وغيرت فيلدرز وفلاديمير بوتين هو الصفّ الذي ينبغي الابتعاد عنه. فالحقّ والحقيقة لا بدّ أن يقيما حيث لا يقيمون. لكنّ الصفّ الذي وقفت فيه النخبة التقليديّة، السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، هو ذاك الذي أتاح للصفّ الأوّل أن يحرز انتصاره الكبير الذي تلوح أخطاره على العالم بأسره.

واليوم كيف يبدو مشهد هذه النخبة؟

رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كامرون يعلن أنّه سيستقيل في تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل، ويُرجّح أن يخلفه بوريس جونسون، الصحافيّ السابق الذي طردته صحيفة «تايمز أوف لندن» من صفوفها لأنّه... كذّاب. قائد حزب العمّال جيريمي كوربن يواجه انتفاضة داخل حزبه لاتّهامه بالفتور في حملته للبقاء في الاتّحاد الأوروبيّ، فضلًا عن عدم امتلاكه المواصفات القياديّة التي تؤهّله لمواجهة التحدّيات التي تطرحها المرحلة المقبلة. أهمّ من هذا وذاك أنّ جميع القادة الحزبيّين، ما عدا نايجل فاراج، زعيم «استقلال المملكة المتّحدة»، كانوا في صفّ البقاء في أوروبا. مع هذا صوّتت الأكثريّة الشعبيّة، وفي عدادها محازبو هؤلاء القادة، ضدّهم. وما يصحّ في قادة الأحزاب لجهة ضعف التأثير يصحّ في أصحاب الشركات والمصارف والصناعة ومديريها، ممّن أيّدوا البقاء في أوروبا وناشدوا المواطنين أن يحذوا حذوهم، لكنّ الأخيرين لم يفعلوا. أمّا المثقّفون فبدوا عاجزين عن التأثير والتحكّم بالنقاش العامّ، أو إثرائه بأفكار جديدة، فيما سبق للفنّانين أن كُرّسوا فئة معزولة وضعيفة الصلة بالأسئلة المُلحّة للحياة الثقافيّة البريطانيّة.

موت هذه النخبة وموت ما يُفترض أن تمثّله من «مركز» ومن «وسط» تدور الحياة السياسيّة حولهما صيغ في عناوين عدّة أهمّها ثلاثة لا تقتصر على بريطانيا بل تطاول، ولو بتفاوت، عموم البلدان الديموقراطيّة:

- الفقر المتعاظم الذي أصاب من خلّفتهم العولمة والتقدّم التقنيّ وراءهما. هؤلاء تُرك للنيوليبراليّة و «ثقافة المال المحض» أن تطحنهم بدل السعي إلى توفير صمّامات أمان اجتماعيّ تحميهم، تموّلها الدول من خلال نظام ضريبيّ أكثر عدلًا وأشدّ استهدافًا للتهرّب الضريبيّ.

- تراجع جاذبيّة السياسة وتنامي الشعور بأنّها باتت لا تغيّر شيئًا، الأمر الذي يوجزه الاستنكاف عن الانتساب إلى الأحزاب مصحوبًا بانكماش الإقبال على العمليّات الانتخابيّة.

- بيروقراطيّة الاتّحاد الأوروبيّ وقراره في مقابل ضعف الصلاحيّات التي يتمتّع بها البرلمان الأوروبيّ المنتخب والذي تشكّل مناسباته الانتخابيّة أدنى نسب المشاركة وأقلّها إثارةً للحماسة.

ولأنّ النخبة الأوروبيّة لم تعالج هذه المسائل، بات اللاجئون هم الخصم السهل والعدوّ المنظور. والبحث عن خصوم سهلين سهل، وهو أيضًا منتشر يتعدّى بريطانيا، نراه في أميركا دونالد ترامب كما في فرنسا مارين لوبن أو ألمانيا «البديل». فهؤلاء هم المرشّحون لجعل «الداء البريطانيّ» يتفشّى، والذي سيتفشّى حكمًا ما لم تنسحب هذه النخبة من التداول، وتنسحب معها القناعات – الأقانيم التي ارتكزت إليها وعملت بهديها.

فالمشروع الأوروبيّ، بوصفه المحاولة الأولى في التاريخ لتجاوز الدول القوميّة ديموقراطيًا، ولتفادي الحروب نهائيًّا، ولرسم أفق للتقدّم الإنسانيّ، أثمن كثيرًا من أن يُترك لنخبة لم يعد حيًّا فيها إلاّ شبق المال.

نقلا عن الحياة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة