الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 17:02

ضباب القرار البريطاني يغمر سوق النفط/ بقلم: ليندا فايز التنوري

كل العرب
نُشر: 27/06/16 17:56,  حُتلن: 18:35

ليندا فايز التنوري في مقالها:

الحكومة البريطانية مطالبة بتوضيحات حول مستقبل السوق البريطانية وبالتالي العالمية وبأن أسعار النفط ستبقى بإنتظار الإجابات

لهجة التهويل تصاعدت وتكررت كلمات مثل زلزال وهزة وانهيار وغيرها في التصريحات السياسية اثر خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي

لم يعتد العالم الإنشغال بحدث الا إذا كان عنفيا بإمتياز. فالقلق والخوف يتقدم على كل ما عداه. في أوروبا جاء الحدث هذه المرة من قماشة أخرى. حدث 23 حزيران 2016 شغل الأوروبيين والعالم معا. خرجت بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. خروج هو بمثابة التسليم من البريطانيين بأن بلادهم لم تعد "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" وبأن الزمن هو زمن اليمين و"الترامبية" السياسية.

اليوم تتركز أنظار الحكومات والخبراء والبريطانيين والمعنيين على حدث مرتبط بالمستقبل لا بالماضي لأنه سيكون لهذا الخروج تداعيات كبيرة على مختلف القطاعات سيما الإقتصاديةوالمالية.

سوق النفط والنمو العالمي وتوقعاتهما قبل 23 حزيران 2016:
مؤخرا شهدت أسواق النفط تطورات مهمة وارتفعت أسعار النفط تدريجيا من 27$ الى اكثر من 45$ للبرميل. فبعد عامين من تخمة المعروض وبعد أن كان الرقم المتداول في النصف الأول من العام الحالي عن الزيادة اليومية في المخزون نحو 1. 5 مليار برميل يوميا، أصبح الرقم المعروف 800 ألف برميل يوميا. يعزى ذلك الى انخفاض الطاقة الانتاجية لكندا 1. 5 مليون برميل يوميا وانخفاض الطاقة الانتاجية في النييجر الى أقل معدل منذ 30 سنة. يضاف لذلك النمو الصناعي الكبير في الهند وزيادة الطلب على البنزين في الولايات المتحدة الأميركية اذ تشير الأرقام المتوافرة الى ان زيادة الطلب العالمي على النفط اعلى بكثير مما كان معروفا سابقا وتشكل الزيادة على الطلب 1. 6 مليون برميل يوميا اكثر من العام الماضي.

بناء عليه كانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت في تقريرها الأخير إستمرار استقرار الأسواق خلال الـ2017 لكن مع استبعاد ارتفاع كبير للأسعار قبل التخلص من المخزون العالمي.

بالمقابل استمر صندوق النقد الدولي بالتحذير من صعود الأحزاب القومية في أوروبا ومن الإنعزالية السياسية ومن تداعيات نتائج الإستفتاء على انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي والتصريحات المناوئة للتجارة الحرة في الرئاسة الأميركية حيث أكد أن كل ذلك يهدد توقعات الإقتصاد العالمي خافضا توقعاته للنمو الى 3. 2 لعام 2016.

سوق النفط والنمو العالمي والتوقعات بعد 23 حزيران 2016:
تصاعدت لهجة التهويل وتكررت كلمات مثل زلزال وهزة وانهيار وغيرها في التصريحات السياسية اثر خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. فكان رد فعل السوق التلقائي مفرطا ومبالغا فيه وهبطت أسعار الأسهم في شتى أنحاء العالم في أعقاب الإستفتاء ومثلها أسعار النفط. وقفز مؤشر الدولار مسجلا اعلى مكسب يومي له منذ تشرين الأول 2008 مقابل تراجع قيمة الجنيه الإسترليني.

من المتعارف عليه أن العلاقة بين اسعار النفط والدولار هي علاقة عكسية (بسبب تسعير برميل النفط بالدولار)، إذ يجعل إرتفاع الدولار النفط وغيره من المواد الأولية المقومة بالعملة الأميركية أعلى كلفة بالنسبة الى حائزي العملات الأخرى مما يبرر انخفاض سعر النفط. هذا ما يفسر هبوط سعر النفط الى نحو 5 % نهاية الأسبوع المنصرم. اذ انخفض خام القياس برنت في العقود الآجلة 4. 9% الى 48. 41 $ للبرميل بعد ان التسوية بعدما هبط الى 6% في وقت سابق (47. 45$ للبرميل)وخسر الخام الأميركي 5% ليهبط الى 47. 64$ للبرميل عند التسوية،وهي اكبر خسارة له منذ شباط.

ما سبق يلخص التداعيات المباشرة لنتائج الاستفتاء البريطاني. فبينما جاءت ردود فعل السوق مبالغة (نسب عالية) من المحتمل أن تظهر التبعات الحقيقية لهذا التصويت خلال 5 الى 10 سنوات. فبالرغم من أنه مازال مبكرا الحديث عن إعادة النظر في الإستقرار المالي العالمي لا بد من كلام يتناول التحديات الخطيرة لمكانة السوق المالي في لندن. واذا كان من المغالاة الحديث عن أزمة إقتصادية على النطاق العالمي فإن الحديث عن أن بريطانيا لا تبدو بمنأى عن تباطؤ اقتصادي قوي يصبح متاحا ومشروعا.

اذ أكدت وكالة "موديز" للتصنيف الإئتماني أن الجدارة الإئتمانية لبريطانيا ستتراجع من مستقرة الى سلبية (درجة التصنيف الإئتمانية الحالية هي AA1). مما يعني أن هذا الخروج لخامس أقوى اقتصاد من الاتحاد الأوروبي سيترك تداعيات على افاق النمو العالمي على المدى التوسط سيما مع إزدياد إمكانية دخول بريطانيا مرحلة كساد خلال عام . هذا اضافة للضرر الإقتصادي الكبير الذي قد يلحق بالإتحاد الأوروبي نتيجة خروج أقوى مناصر لإقتصاد السوق الحرة وعضو مجلس الأمن الدائم والذي كان حتى وقت قريب منهمكا بالبحث عن سبل تحرير الإتحاد من التبعية النفطية لروسيا (وزعت بريطانيا وثيقة على أعضاء الإتحاد تتضمن خطة لتقليص الإعتماد على الإمدادات النفطية الروسية).

وبالذهاب الى السقف الأعلى للتوقعات فإذا تحول الكساد البريطاني الأوروبي الى حالة من حالات الركود العالمي ستشهد عمليات الإستثمار عموما تحولات بشكل او بآخر مما سيخفض من معدلات النمو في قطاع الطاقة ومن معدلات الطلب الاستثنائي التي كانت حصلت ويخفض بالتالي من فرص النمو الجديد لأسعار البترول.

بإنتظار التقارير والأرقام الجديدة، يبدو أن التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية مؤخرا والذي اشار الى بعض التفاؤل لعام 2017 (عدم العودة للقاع 30$ للبرميل) قد أحيط بضبابية تداعيات القرار البريطاني. ويبدو أيضا أن الحكومة البريطانية مطالبة بتوضيحات حول مستقبل السوق البريطانية وبالتالي العالمية وبأن أسعار النفط ستبقى بإنتظار الإجابات في مهب رياح خوف المستثمرين بشأن نمو الإقتصاد العالمي والإستقرار السياسي في أوروبا.

مستشارة قانونية باحثة وكاتبة في الإقتصاد السياسي
طالبة دكتورا قانون نفط وغاز
بيروت
لبنان

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة