الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 01:02

غريب/ بقلم: أزهار أبو الخير شعبان

كل العرب
نُشر: 10/06/16 13:55,  حُتلن: 07:49

في الطابق الأوّل في ذلك البّيت الذي كانَ مَهجورًا لسَنوات فُتحت النّوافذ وفُتح الباب أيضًا وَبدأت التنظيفات العَظيمَة!
تلكَ التنظيفات وَالأصوات وَالدَّردشات وَالمِياه المُنهمرة عَلى الدّرج كانت مُقدمة لسَكن الجيران الجُدد.
مَن هؤلاء؟ مِن أين أتوا؟ ما هُوَ ماضيهم؟ ماهِيَ دِيانتهم؟ ماهِي لغتهم؟ وَأسئلة كثيرَة تعبرُ الرّأس عندَ دُخول
أحدهم إلى قوقعَتنا الضّيقة!
هكذا يكونُ حال البَعض مِن عَديمي البَصيرَة وَقليلي النّظرَة الثّاقبة!!
مِن بَين الأخبار التي أتابعها تَشدّني مِثل هذهِ الأخبار صَراحَة حَيثُ تحثُّ عَقلي عَلى التّحليل وَالتّفكير العَميق لإيجاد حُلول لنِطاق الكره هذا الذي لا بُد أن يكونَ هُناك مُستفيد مِنه!
شُعور سَيّء يَنتاب الإنسان أحيانًا عِندما يأتي شَخص غَريب ليَقطن بجوارهِ وَيُشاركهُ بنايتهُ أو حارَتهُ أو بَلدهُ حَتى وهذا الشّعور في أغلب الأحيان يَتغلب عَلى الإنسان ليُصبحَ ذلك الإنسان دونَ شُعور وَقصد مُعاد للآخر دونَما أسباب تُذكر وَدونَ أيّ ذنب للطرَف الآخر! عِوضًا عَن هذهِ المَشاعر السّلبية لِما لا يَعملُ كلّ شَخص عَلى تقبّل جارهِ الجَديد؟! لربّما قبوله وَاحتوائه يَكشفُ لهُ الجَميل فيما بعد!
هذا الشّعور الذي نتوارثهُ جيلاً بَعد جيل في مُجتمعنا العَربي جَعَلَ مِنّا أعداء بكلّ شَيء حَتّى في أبسَط الحُقوق الأساسيّة (السَّكن).
لما الخَوف مِن أشخاص يُجاوروننا مادامَ لم يَتضح لنا بَعد ظاهرهُم مِن باطنهم؟
لكلّ إنسان هُناك أسباب تدفعهُ لاتخاذ قَرارات مَصيريّة في حياتهِ ومِن ضِمنها انتقاء مَسكن مُعيَّن في بلد مُعيَّن في حارَة مُعيَّنة وَفي بنايَة مُعيَّنة حَتى!!
أنا شَخصيًا لا أنكرُ أننا كعَرب مَوهوبين في السَّهرات الليليّة وَالضَّجة بَل وَبارعين في نشر الموسيقى وَالنشرة الإخباريّة اليَوميّة الصَّباحيّة والمَسائيّة التي يَسمَعها جَميع الجيرَة والمَلأ رُغم أنّها صادرَة مِن بَيت واحِد فقط! وَغيرَها وَغيرها مِن المَواهب الأخرى وَالبَصمات التي لا تُعد وَلا تُحصى فينا.
كما أنّني أدركُ تمامًا أنّ هذهِ العادات السّيئة في بَعض الأحيان يَجب عَلينا كمُجتمع مُعالجَتها فيما بَيننا وَلكني أدركُ أيضًا وَأؤمن أنهّا نوع مِن أنواع اللذة في الحَياة.
هذهِ الأسباب أو العادات التي قد نَراها غَير مُحبَّذة أحيانًا لا تَمنحنا حَق اضّطهاد الآخر وَعَدَم احتوائهِ وَتقبّلهِ, إذا لم نُرد احتوائه عَلى الأقل فلندعهُ وَشأنهُ دونَ أي مُضايقات أو أيّ استعلاء كان!
لا يَجبُ أن ندَع الأفكار المُسبقة تتحكّم بعُقولنا وَبقلوبنا وَبضَميرنا حَتّى كما لا يَجب أن نتشرَّب الضَّغينة عن ظهر قلب وَنورثها لأطفالنا الذي لا بُدَّ وأن يَمرّ بهم ظرف كهذا وَحَتمًا سَيُواجهون مثل هذهِ المَواقف يومًا ما وَسَيقومون بدورهِم سَيئا كان أو جَيّد اتجاه مِثل هذا المَواقف! فما تربوا عليهِ أولئك الأطفال سَيَخرج حتمًا في يَوم مِن الأيّام.
مَعنى الغَريب بالمُعجَم هُو الشَّخص الذي لا يَنتمى إلى نفس القوم وَيكون غَير مَعروف لهُم وَغير مألوف مُسبقا, لكنهُ سَيُداوم تلك الغربَة الدّاخليّة لتتشحَ مَشاعرهُ بالغربَة أكثر فأكثر إذا قوبلَ بالرَّفض فيا ليتنا لا نَزيد الطّين بلة!!
الغَريب ليسَ ذلكَ الشّخص الذي أتى ليُجاورَنا! بَل الغَريب هُوَ تصرّفنا الخاطِئ وَالغَريب بعَدَم تقبلهِ بَينَنا!!
فلنمنَح أنفسنا أولا فُرصة تقبّل الآخر واحترامه تاركين الطائفيّة تتحسَّر لأنّها لم تَنل مِنا مُنهالين عَلى المَحبَّة وَالتكاثف وَالألفة كما كانَ أباءنا يَومًا وَكما عَلّمنا الله دائمًا في كتبهِ السَّماويّة وَلنَمضي في سَبيل السَّلام الدّاخلي ليَغدو سَلامًا خارجيًا أيضًا.
لنمنَح ثانيًا غَيرَنا العَيش بهُدوء بدون مَخاوف أو قلق لأنَّ هذا الغَريب الذي بمَفهومِنا الخاص هُوَ غَريب! قد يَكون الأقرَب مِن بَين الجَميع في لحظة ما!!
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة