مروان اسكندر:

لدى المجلس البلدي الجديد طاقات وتطلعات، كما لديه موارد مالية لا تتوافر لاي مؤسسة عامة أخرى، والحاجات في بيروت ملحة وكل يوم يمر تتردى الخدمات العامة

اعتاد سكان بيروت التمتع بالخدمات العامة التي شملت المياه، والصرف الصحي، والساحات، والمسارح، والطرق المرصوفة، والتي كان قسم منها مغطى بالقناطر اتقاء لحرارة الشمس

يبين كتاب عنوانه Roman Berytus-Beirut in Late Antiquity وضعته Linda Jones Hall استاذة التاريخ القديم في جامعة سانت ماري بولاية ميريلاند الاميركية ويشمل انجازات الاغريق والرومان والبيزنطيين انتظام الحياة ومواصفات البناء والادارة العامة والتنظيم الاجتماعي في بيروت خلال الحقبة الرومانية التي امتدت من سنة 42 قبل الميلاد، تاريخ انتصار مرقس انطونيوس في الشرق وحتى 551 بعد الميلاد عندما اجتاح طوفان مدمر جميع المدن الواقعة على المتوسط.
تعتبر المؤلفة ان هذه الفترة التاريخية مهمة لانها تسبق انبعاث المسيحية وتنتهي قبل أقل من مئة سنة من انتشار الاسلام وتعاليم النبي. وتشير الى ان مرقس انطونيوس خصّ كليوباترا ببيروت ومحيطها من غير ان يقتطع لها صور وصيدا. فالمدينتان كانتا تتمتعان باستقلال ذاتي منذ عقود، وعلى رغم توسل كليوبترا للحصول على صور وصيدا اللتين كانتا مرفأين أكبر أهمية من بيروت لم تتوصل الى غايتها.
كانت Berytus مستعمرة رومانية ضمن مقاطعة سوريا ومنذ السنوات الاولى بعد ولادة المسيح كانت بيروت معروفة لانها كانت تضم إحدى أهم مدارس الحقوق في العالم في تاريخه. ومعلوم ان الرومان هم أول من وضع الاسس القانونية لانتظام المجتمعات ما بعد شرائع حمورابي. وكان التلامذة يفدون الى بيروت من القسطنطينية وقبرص وسوريا واليونان لكي يتعمقوا في مفاهيم القانون وتسلسل السلطة من الاب الراعي الى الابناء ومن بعدهم ورثتهم.
على ان شهرة بيروت لم تنحصر بكلية الحقوق. فقد كانت مدينة تعج بالتجارة والاعمال، ومن أهم المرافئ على المتوسط. ومنذ القرن الاول للميلاد كان لبيروت مركزها لسك العملة التي كانت ذهبية. ومنذ سنة 193 ميلادية صارت بيروت المدينة الاكثر اهمية في البلاد الفينيقية. ولم تعد مجرد مستعمرة رومانية. وكان الإمبراطور سبتيمس ساويرس الذي تصفه المؤلفة بالحكمة وسعة الصدر، أقر تحويل طبيعة بيروت وتصنيفها الاداري. وتقول المؤلفة:
كما في المستعمرات الرومانية الاخرى، كانت ادارة بيروت تشبه نسق الحكم في روما. وكان للمدينة مجلس يشابه مجلس الشيوخ في روما (مع صلاحيات أقل) والادارة في المدينة كانت تشابه مجريات الادارة العامة في روما.
مع بداية القرن الثاني للميلاد، كانت بيروت تتمتع بالخصائص المعمارية الآتية: ساحات واسعة، شوارع مسقوفة، مراكز عبادة، أسواق، مسارح، حمامات عامة، وساحة واسعة مصونة لمباريات المقاتلين الذين كانوا يتقاتلون حتى الموت، او يصارعون الحيوانات المفترسة. والتماثيل والمنحوتات كانت تزين الطرق والابنية والساحات.
لقد حظيت بيروت في السنوات الاولى للميلاد بعطاءات ومشاريع أقرها الاباطرة، ومن هؤلاء كان نيرون الذي أمر بإصلاحات في بيروت سنة 56 قبل ان يحرق روما في ما بعد.
وشملت الاصلاحات تمديدات المياه لسكان بيروت عبر قناطر لا يزال بعضها قائماً في الجانب الشمالي من نهر الكلب ومن ثم سحبت المياه في قنوات حجرية الى المساكن في بيروت وكانت متوافرة للمواطنين، كما في الساحات العامة والحمامات. كذلك انجزت شبكة لتصريف المياه الآسنة والمجاري. فكانت لبيروت شبكة مياه متكاملة كما شبكة للمجاري. والمياه كما المجاري غير متوافرة على المستوى المطلوب بعد الفي سنة تقريباً.
اعتاد سكان بيروت التمتع بالخدمات العامة التي شملت المياه، والصرف الصحي، والساحات، والمسارح، والطرق المرصوفة، والتي كان قسم منها مغطى بالقناطر اتقاء لحرارة الشمس، وملاعب رياضة ومنافسات، كما كان المرفأ ناشطاً للتجارة مع بلدان المتوسط.
كانت بيروت تتمتع بكل هذه المواصفات المتطورة منذ الفي سنة، وكانت ادارتها منوطة بمجلس من الحكماء، وسلامة أهاليها مضمونة بوجود قوى من السلطة المركزية للتحقق من انتظام الامور داخليًا، ومواجهة أي عدوان خارجي. وكانت السلطة المحلية تفرض ضريبة على التجار والمهنيين، كما على المزارعين في ما يخص فائض محاصيلهم التي يسوقونها في الاسواق المنتظمة، وكان معدل الضريبة 12.5 في المئة على الارباح، وبالنسبة الى المومسات كانت الضريبة هذه على ما يتقاضين.
الوحيدون الذين كانوا غير خاضعين للضريبة، وهذا أفضل مثل على تعزيز العلم والحكمة، كانوا اساتذة التعليم العالي ولاسيما منهم اساتذة مدرسة الحقوق التي اشتهرت في انحاء الإمبراطورية الرومانية.
السؤال الذي يغمرنا كمواطنين من سكان بيروت وليس بالضرورة من الحائزين حق التصويت في بيروت، هل يوفر لنا المجلس البلدي الجديد ما كان متوافراً قبل الفي عام؟ هل نحظى بطرق جيدة، ومسارح، وملاعب، ومياه، وصرف صحي، واسمحوا لنا بان نضيف الكهرباء التي لم تكن متوافرة آنذاك وهذا لن يؤخر بالتأكيد المشاريع المفيدة اجتماعياً واقتصادياً.
نأمل في ذلك، فلدى المجلس البلدي الجديد طاقات وتطلعات، كما لديه موارد مالية لا تتوافر لاي مؤسسة عامة أخرى، والحاجات في بيروت ملحة وكل يوم يمر تتردى الخدمات العامة. فاسرعوا يا حضرة اعضاء مجلس بلدية بيروت، ولديكم محافظ يتمتع بكل ما هو مطلوب من النزاهة والالتزام.
كلمة الى الذين انتفضوا لمساندة فريق "بيروت مدينتي". لا شك في ان اهداف هذه الحركة وتطلعاتها كانت نبيلة، ومن المؤسف ان تصريحات بعض مناصريها المعروفين، أو أعضائها، كانت إمّا مهينة لمن عبر عنها، كالموسيقار الشاب زوج احدى المرشحات الذي وصف من صوتوا للائحة الفائزة بأنهم "بهائم". هكذا نصب هذا الشاب نفسه فيلسوف عصره، فرأيه، على ما اعتبر، يوازي اصوات 40 الف ناخب. نصيحة لبعض طاقم "بيروت مدينتي"... رجاء ان تكتسبوا بعض المعرفة في الشأن السياسي وان تتجاوزوا اطلاق النعوت على الآخرين، فثمة الكثير مما ينقصكم على صعيد المعرفة والتواضع.

نقلا عن جريدة النهار

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net