الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 17:02

هذيك الأيّام.. مارون عبّود أبو محمّد /بقلم:ب.سليمان جبران

كل العرب
نُشر: 18/05/16 07:26,  حُتلن: 08:05

مارون عبّود سمّى ابنه محمّدا، بل نظم قصيدة يفسّر فيها تسمية ابنه باسم النبيّ العربيّ محمّد

بين دعاة العروبة الأوائل، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان كثيرون من المسيحيّين الذين كفروا بالتقسيم الديني في الإمبراطوريّة العثمانيّة، إلى مسلمين وأهل ذمّة، لا يساوون المسلمين، نظريّا على الأقلّ، في الحقوق والمواطنة

مارون عبّود لم يُعرف شاعرا، وقصيدته هذه أشبه بمنافيست شرح فيه موقفه العروبي مفصّلا

اتّصل بي الصديق س. سائلا: هل صحيح أنّ مارون عبّود اختار لابنه اسم "محمّد" ؟ أمس كنّا في سهرة، فذكر أحد الأصدقاء ذلك. أنا أيضا سمعتُ الحكاية من قبل، ولا أعرف هل هي واقعة أكيدة فعلا، أم هي فولكلور وطني في مقاومة التعصّب الديني والمذهبي ؟ طبعا أنا مع الحكاية، لذا لم أعترض، لكنّي أسألك لأعرف الحقيقة، وإن كنتُ شخصيّا مع الحكاية، أميل إلى تبنّيها في وجه متشرذمي آخر زمان..
إلى الصديق السائل أقول أوّلا إنّ الحكاية صحيحة وتاريخيّة فعلا. مارون عبّود سمّى ابنه محمّدا، بل نظم قصيدة يفسّر فيها تسمية ابنه باسم النبيّ العربيّ محمّد. لكن دعني قبل إيراد القصيدة تلك كاملة، لك ولمن يهمّه الأمر في هذه الأيّام الغبراء، أقدّم لها بفذلكة تاريخيّة قصيرة. لا تنسَ أيضا أنّ مارون عبّود لم يُعرف شاعرا، وقصيدته هذه أشبه بمنافيست شرح فيه موقفه العروبي مفصّلا.
بين دعاة العروبة الأوائل، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان كثيرون من المسيحيّين الذين كفروا بالتقسيم الديني في الإمبراطوريّة العثمانيّة، إلى مسلمين وأهل ذمّة، لا يساوون المسلمين، نظريّا على الأقلّ، في الحقوق والمواطنة. من دعاة العروبة هؤلاء كان الشاعر الوطني الشهم وديع البستاني (1888-1954). أفردنا للبستاني فصلا كاملا في كتابنا " نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب"، فلا حاجة إلى تكرار ذلك هنا. مع ذلك لن أدع المناسبة هذه تمرّ دونما إيراد أبيات من "المولديّة الثالثة" في ديوانه الكبير الذي سمّاه "الفلسطينيّات" :
هم فرّقونا بالحدود وقسّموا / ولسوف يجمعنا ولو كرهوا الغدُ
حيّوا البلادَ تحيّةً عربيّةً / وتديّنوا ما شئتمُ وتعبّدوا
لكنّه وطنٌ إذا حيّاكمُ / كتفا إلى كتف فخرّوا واسجدوا

مارون عبّود (1886-1962) أيضا ينتمي إلى ذلك الرعيل الطيّب من دعاة العروبة الأوائل، وقصيدته التي نوردها هنا، رغم أنّه لم يكن شاعرا، تحمل الروح ذاتها، والقيم ذاتها، ولا يسعنا إذ نقرؤها اليوم غير الترديد : رزق الله على تلك الأيّام، حين كنّا نعرف أنفسنا أنّنا عرب فحسب، ناسين أدياننا وطوائفنا. قصيدة مارون عبّود كاملة:

مارون عبّود: اِبنُ مارونَ سميٌّ للنّبي
عشت يا ابني، عشت يا خير صبي / ولدته أمه في رجبِ
فهتفنا واسمُهُ محمدٌ / أيها التاريخ لا تستغربِ
خَفّفِ الدهشةَ واخشعْ إن رأيتَ ابنَ مارونٍ سميّاً للنبي
اُمّه ما ولَدتْهُ مسلماً / أو مسيحياً ولكن عربي
والنبيُّ القرشيُّ المصطفى / آية الشرق وفخر العربِ
يا ربوع الشرق أصغي واسمعي/ وافهمي درساً عزيز المطلبِ
زرع الجهلُ خلافاً بيننا / فافترقنا باسمنا واللقبِ
فالأفندي مسلمُ في عرفنا / والمسيحيُّ خواجه ، فاعجبِ
شغلوا المشرق في أديانةِ / فغدا عبداً لأهل المغربِ
يا بُنيّ اعتزَّ باسمٍ خالدٍ / وتذكّرْ ، إن تعشْ، أوفى أبِ
جاء ما لم يأِتهِ من قبلهِ / عيسويٌّ في خوالي الحِقبِ
فأنا خصمُ التقاليد التي / ألقتِ الشرقَ بشرّ الحَرَبِ
بخرافاتِهِمِ استهزئْ وقلْ: / هكذا قد كان من قبلي أبي
وغداً يا ولدي، حين ترى / أثري متّبَعاً تفخر بي
بكَ قد خالفتُ يا ابني ملّتي / راجياً مطلعَ عصر ذهبي
عصر حرية شعبٍ ناهضٍ / واتحادٍ لبقايا يعرُبِ
حبّذا اليوم الذي يجمعنا / من ضفاف النّيل حتى يثربِ
ونحيّي عَلمًا يخفقُ فوقَ مناراتِ الورى والقببِ
ليته يدرك ما صادفتُهُ / عندما سمّيتُهُ من نصبِ
لو درى في المهدِ أعمال الألى/ حركتْهمْ كهرباءُ الغضبِ
لأبى العيشَ وشاءَ الموت في / أمّةٍ عنْ جِدّها في لعبِ
كم وكم قد قيلَ ما أكفرَهُ / سوف يُصلى النارَ ذاتَ اللهبِ
إن يشنّعْ بابنهِ لا عَجَبٌ / فهو غِرٌّ كافرٌ لا مذهبي
لا تصدّقْ قولَهمْ يا ولدي / إنّ فيما قِيل كلَّ الكذبِ
إنّ حبّ الناس ديني وحياةُ بلادي باتّحادٍ أَربي
فكتابي العدلُ ما بين الورى / في بلادٍ هيَ أمُّ الكتبِ
فاتّبعْ يا ابني أباً ابغضَهُ / وجفاهُ كلُّ ذي دينٍ غبي
فهمُ آفةُ هذا الشرقِ مذْ / حكموهُ بضروبِ الرعبِ
جعلوا الأديانَ معراجَ العلى / ومشَوْا في زهوهمْ في موكبِ
شرّدوا أحمدَ عن مضجعهِ / فسرى ليلتَهُ في كربِ
ودهوا عيسى لِما علَّمهُ / وهو لولا كيدهمْ لم يُصلبِ
فإذا ما متُّ يا ابني في غدٍ / فاتّبعْ خطوي تفزْ بالأربِ
وعلى لحديَ لا تندبْ وقُلْ / آيةً تُزري بأغلى الخُطبِ
عاشَ حرًّا عربيًّا صادقًا / وطواهُ اللحدُ حرًّا عربي!!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة