الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 12:02

تحولات الانتخابات البرلمانية في سوريا/ بقلم: فايز سارة

كل العرب
نُشر: 16/04/16 06:38,  حُتلن: 06:41

فايز سارة:

تبدو انتخابات النظام البرلمانية، مجرد مشهد مسرحي، لا يخفف من معناها إعلان النظام، أن إجراءها هو استحقاق ينبغي الحافظ عليه، ولا تبدل نتائجها

جاءت انتخابات عام 2016، لتكون مسارًا إلى الأعمق في نهج النظام ورئيسه، متجاوزة وقائع تضرب في الأعماق فكرة إجراء أي انتخابات برلمانية

تمثل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أجراها نظام الأسد، مشهدًا آخر في مسرح اللامعقول الذي كرسه نظام الأسد في السنوات الخمس الماضية في سوريا، وكان بين مشاهده الأخرى الأكثر إثارة قتل واعتقال ودمار وتهجير وإفقار وتجويع للسوريين، فاقت كل ما يماثلها من مشاهد، ظهرت على مسرح اللامعقول العالمي طوال عقود طويلة من الزمان في بلدان العالم المختلفة.

والانتخابات الأخيرة في بعض جوانبها، لا سيما في مسارها وفي نتائجها، بدت استمرارًا لنهج كان قد كرسه الأسد الأب في عهده الطويل، وقد بدأه بمجلس معين في عام 1971، قبل أن يرسم تجربة الانتخابات المحسوبة النتائج بصورة مسبقة ودقيقة للغاية، ولم يتم خرق تلك النتائج إلا مرات قليلة، وفي مناطق محدودة. وعمليات الخرق القليلة كانت نتيجة أخطاء من النظام وأجهزته، وخروجهما عن النهج المعمول به، أكثر مما كانت ثمرة لنشاط جماعات أو شخصيات عملت على خرق مسار الانتخابات ونتائجها، أو واحدة منها.
وبدا من الطبيعي أن يرث الابن فيما ورث من تركة أبيه الميت، تجربة الانتخابات البرلمانية، فكانت تجارب عهده الانتخابية مثل تجارب أبيه مع تعديلات طفيفة وغير جوهرية، غير أنه، ومع انطلاق ثورة السوريين على النظام في عام 2011، فتح الأسد الابن الباب أمام تبدلات عميقة في الانتخابات البرلمانية، فكانت تجربة عام 2012، التي تمت بداية العام الثاني من الثورة، ثم جاءت التجربة الأخيرة بعد دخول ثورة السوريين عامها السادس.

ففي عام 2012، وبدل أن يذهب نظام الأسد إلى حلول للقضية السورية تستجيب للمطالب الشعبية، وتتعامل معها بطريقة تتجاوز الحل الأمني العسكري الذي اتبعه، وتفتح الأبواب لحل سياسي، أصر على إجراء الانتخابات وجاء ببرلمان من مؤيديه ومن الشبيحة، ليدعموا سياساته وممارساته ضد الشعب، غاضًا البصر عما يحيط بالبلاد وبالسوريين من ظروف استثنائية، مؤكدًا رغبته في الاحتفاظ بالسلطة مهما كانت النتائج، قبل أن يضيف إلى ذلك فعلاً آخر مماثلاً في الانتخابات الرئاسية، التي جددت لبشار الأسد في عام 2014 وجوده على رأس نظام فقد شرعيته السياسية والوطنية والأخلاقية.


ثم جاءت انتخابات عام 2016، لتكون مسارًا إلى الأعمق في نهج النظام ورئيسه، متجاوزة وقائع تضرب في الأعماق فكرة إجراء أي انتخابات برلمانية، حيث تتوزع السيطرة في البلاد على سلطات الأمر الواقع المتصارعة، القسم الأكبر مساحة منها تسيطر عليه قوى الإرهاب والتطرف من «داعش» و«القاعدة» وأخواتهما، وقسم آخر تسيطر عليه قوى المعارضة المسلحة، وقسم تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سياسته الملتبسة، وقسم أخير يسيطر عليه النظام وحلفاؤه، وفي هذا الشق من السيطرة تنتصب قوى خارجية، تتبع دولاً، بينها إيران وروسيا وميليشيات من الأفغان والعراقيين واللبنانيين وغيرهم.
والنقطة الثانية في الوقائع المحيطة بانتخابات عام 2016، تكمن في حال السوريين الذين وزعتهم السياسات الدموية والإرهابية للنظام وحلفائه وجماعات التطرف إلى نحو ستين في المائة موجودين داخل الأراضي السورية، وأربعين في المائة مهجرين ولاجئين في بلدان الجوار وفي الأبعد منها. بل إن المقيمين في الداخل السوري لا تجمعهم ولا تساعد الظروف على مشاركتهم في عملية انتخابية، إذ لا يسيطر النظام بصورة كاملة إلا على محافظة واحدة هي طرطوس، وعلى أغلبية محافظة اللاذقية، وله سيطرة ملتبسة على محافظة السويداء، ووجود نسبي في بقية المحافظات، ما عدا الرقة وإدلب الخارجتين كليًا عن سيطرته.
النقطة الثالثة في الوقائع أن الانتخابات جرت في أجواء مساعٍ دولية لحل سياسي وفق مضمون القرار 2254 الذي انعقد مؤتمر «جنيف3» على أساسه، وعلى أعتاب جولته الثالثة، التي قيل إنها للبحث في موضوع الانتقال السياسي في سوريا، الأمر الذي يعني عدم جدية النظام في التعاطي مع المساعي الدولية أو استهانته بها على الأقل، من خلال سعيه إلى تكريس وقائع تعيق جهود التسوية.
النقطة الرابعة المحيطة بالانتخابات، تزامنها مع استئناف العمليات العسكرية للنظام وحلفائه في ثلاث جبهات على الأقل، تشمل دمشق وحلب والمنطقة الوسطى، في خرق واضح للهدنة، وهو ما ترافق مع إعلان مجيء قوات إيرانية إلى سوريا للقتال مع قوات النظام، وزيادة المشاركين في حرب النظام من الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية بهدف انتزاع أراضٍ جديدة من سيطرة قوة المعارضة، وخلق وقائع ميدانية تحسن وضع النظام على الأرض، وتفرض تلك الوقائع على مجريات المفاوضات سواء لتحسين ظروف الفريق التفاوضي للنظام أو لتعزيز قدرته على تعطيل الحل السياسي.
وسط تلك الوقائع، تبدو انتخابات النظام البرلمانية، مجرد مشهد مسرحي، لا يخفف من معناها إعلان النظام، أن إجراءها هو استحقاق ينبغي الحافظ عليه، ولا تبدل نتائجها، التي جلبت مطبلين ومزمرين وشبيحة من المؤيدين والمرتكبين، ليصيروا أعضاء في مجلس شعب دمية، يقارب التجربة العملية في الانتخابات البرلمانية السورية الشائعة، بل ويزيد عليها الكثير!

*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة