الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 19:01

قانون طرد النواب: بين الإقصاء ونزع الشرعية/ بقلم: النائب د. يوسف جبارين

كل العرب
نُشر: 09/03/16 11:49,  حُتلن: 14:03

النائب د. يوسف جبارين في مقاله:

مشروع القانون الخطير ينذر بدخول مرحلة سياسية جديدة تسعى من خلالها حكومة الاحتلال والعنصرية عمليًا إلى سحب الشرعية من الخطاب السياسي لممثلي وقيادات الجماهير العربية الفلسطينية


لا تأتي عملية الإقصاء على خلفية ارتكاب منتخب الجمهور لمخالفة جنائية بل بسبب آرائه ومواقفه السياسية وعلى يد زملائه النواب وليس هذا إلا تعبيرًا عن استبداد الأكثرية دون مراعاة حقوق وخاصيّة الأقلية القومية

اذا لم تتصرفوا على أهواء الحكومة ووفقًا لرؤيتها سيتم طردكم وإبعادكم من الكنيست وبهذا تتم الاستعاضة عن الشرعية الجماهيرية التي حصل عليها النواب في الانتخابات بشرعية ايديولوجية مستمدّة من عقيدة الحكومة ومركباتها

ينضمّ مشروع القانون العنصري الذي يُقونِن عملية طرد أعضاء كنيست بأغلبية 90 نائبًا، إلى المساعي الحثيثة الرامية إلى إخراج الجماهير العربية من دائرة العمل السياسي، عبر نزع شرعيتها وشرعية منتخبيها في البرلمان. إنه قانون يفرغ الديمقراطية والمواطنة من أي مضمون جوهري، ويعبّر عن التوجه الرّعوي لليمين، أي: أنّ المواطنين العرب هم مجرّد "رعايا"، وليسوا مواطنين متساوي الحقوق، وبالتالي فالمطلوب هو تحديد مضامين وممارسات النواب العرب، ومنعهم من مناصرة قضية الشعب العربي الفلسطيني العادلة ونضاله المشروع ضد الاحتلال وسياساته القمعية، والانتقام منهم كلـّما مارسوا هذا الحق، الذي يقع في صلب برنامجهم السياسي، وكلما أدّوا هذا الواجب، الذي يقع في صلب واجبهم البرلماني.

مشروع القانون الخطير وغير المسبوق هذا، ينذر بدخول مرحلة سياسية جديدة تسعى من خلالها حكومة الاحتلال والعنصرية، عمليًا، إلى سحب الشرعية من الخطاب السياسي لممثلي وقيادات الجماهير العربية الفلسطينية، وبهذا المفهوم فان مشروع القانون يكمّل إخراج الحركة الإسلامية عن القانون ويندرج ضمن سياسات ملاحقة القيادات السياسية للأقلية الفلسطينية.

لقد سبقت هذا القانون تشريعات قانونية هدفت إلى تقييد تمثيل المواطنين العرب في البرلمان. ففي العام 1985 تم تشريع البند الذي يسمح للجنة الانتخابات المركزية بشطب قوائم تعارض تعريف دولة إسرائيل بأنها "دولة الشعب اليهودي"، وبعدها أضيف بند يسمح بشطب القوائم التي تدعم الكفاح المسلح "المعادي لإسرائيل". كما أضيفت إمكانية شطب مرشحين في القوائم. ثم أضيف تعديل قانوني ينصّ على أن كل زيارة الى "دولة عدو" تُعتبر دعمًا للكفاح المسلح حتى إثبات العكس.

وبالرغم من هذه التشريعات، رفضت المحكمة العليا المصادقة على قرارات لجنة الانتخابات المركزية التي شطبت مرارًا وتكرارًا قوائم تمثل الجماهير العربية. وقد أشارت المحكمة في قراراتها إلى أنّ شطب قوائم ومرشحين يمسّ بالحق بالإنتخاب والترشّح، ويجب اللجوء إليه فقط بعد استنفاد كافة الخيارات الأخرى، وبهذا ألغت المحكمة كافة قرارات لجنة الانتخابات المركزية التي هدفت إلى إقصاء النواب العرب والتحريض عليهم.

إستمرارًا لهذه التشريعات العنصرية تناقش الكنيست هذه الإيام مشروع قانون يخوّلها بطرد نواب منتخبين بشكل ديمقراطي من قبل جمهورهم. ولا تأتي عملية الإقصاء على خلفية ارتكاب منتخب الجمهور لمخالفة جنائية، بل بسبب آرائه ومواقفه السياسية وعلى يد زملائه النواب. وليس هذا إلا تعبيرًا عن استبداد الأكثرية دون مراعاة حقوق وخاصيّة الأقلية القومية.

لقد بات الهدف من وراء مشروع القانون الراهن واضحًا، وهو كمّ أفواه القوى السياسية التي تدعم نضالات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والقمع الإسرائيلي. إنّ الرأي العام الإسرائيلي، بغالبيته الساحقة، يستصعب تقبل بعض الأنشطة التي يقوم بها النواب العرب. وتقوم الحكومة باستغلال هذه الأرضية اليمينية الخصبة في المجتمع الإسرائيلي من أجل لمشاريع قوانين تخدم أجندات سياسية هدفها التخلص من التمثيل العربي في الكنيست.

هذه التعديلات القانونية تدلّل على الوضعية المتدنية للقيم الديمقراطية في إسرائيل. وقد يكون مشروع القانون الحالي هو المسمار الأخير في نعش الهامش الديمقراطي المتآكل في الدولة. ويتوقع مُعدّو القانون أن تستصعب المحكمة العليا التدخل في قضية إقصاء نائب بعد تصويت ودعم 90 نائبًا، خصوصًا في ظل الهجوم الذي يشنه اليمين على المحكمة العليا وتقييد صلاحياتها، وذلك بعكس التدخل الذي قامت به لإلغاء قرارات لجنة الانتخابات المركزية. ويبقى الفرق الأساسي أنّ الحالة الراهنة أكثر خطورة وتستدعي المزيد من التأهب الجماهيري لمواجهة التدهور الفاشي والعنصري في المجتمع الإسرائيلي وانعكاساته على موازين القوى السياسية.

يأتي هذا القانون ضمن المحاولات المستمرة للأغلبية اليهودية لتعريف الواقع من خلال تحديد "عدو خارجي" يهدّدها، وعليه يجب بناء جبهة موحّدة ضد هذا العدو الذي "يهدّد المجموعة بأكملها". هذه الوضعية تعبّر عن حالة الذعر وعدم الأمان وأزمة الهوية التي تعيشها مجموعة الأغلبية لترى بالأقلية القومية "كبش الفداء" من خلال إقصائها وتعميق التمييز ضدها.

ومن نافل القول إنّ الجمهور العربي يختار ممثليه للكنيست بكل ثقة. وبالإمكان رؤية ذلك من خلال نسب وأنماط تصويت المواطنين العرب في الانتخابات الأخيرة بعد أن حصلت القائمة المشتركة على السواد الأعظم من أصوات المجتمع العربي. ويأتي هذا القانون ليقيّد حريّة المواطنين العرب باختيار ممثليهم. وهو ما ينطوي على مسّ خطير بمبدأ الديمقراطية التمثيلية الذي من المفروض أن يضمنه كل نظام ديمقراطي. كما وتحاول الحكومة من خلال هذا القانون فرز تباينات بين النواب العرب وفقًا للمعجم الاستخباراتي بين نواب "متطرفين ومتشددين" وآخرين "معتدلين"، وهو ما نرفضه جملةً وتفصيلاً ولا نقبل أن تصنّف مواقفنا وفقًا للحدود التي يضعها لنا وزراء حكومة الاحتلال والعنصرية.

إن مشروع القانون الحالي، والذي بادر إليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصيًا، يسعى لتحويل مكانة النواب العرب الذين تم انتخابهم بصورة ديمقراطية وحصلوا على شرعية جمهورهم إلى نواب "مع وقف التنفيذ" وتحويل عضويتهم في البرلمان إلى عضوية مشروطة من خلال المعادلة التالية: اذا لم تتصرفوا على أهواء الحكومة ووفقًا لرؤيتها سيتم طردكم وإبعادكم من الكنيست، وبهذا تتم الاستعاضة عن الشرعية الجماهيرية التي حصل عليها النواب في الانتخابات بشرعية ايديولوجية مستمدّة من عقيدة الحكومة ومركباتها، مما يشكل مسًّا خطيرًا بإحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة