الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 12:01

الجامعة العربية، من يتذكرها!/ بقلم: د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 01/03/16 21:16,  حُتلن: 10:16

د. جوني منصور في مقاله: 

وجود الجامعة العربية بالنسبة لمصر هو مكسب كبير في تبوء زعامة العالم العربي

هناك من يدعي ان ابقاء هذا المنصب بيد مصري فيه الكثير من الايجابيات حيث ان الدبلوماسية المصرية عريقة ومقبولة في اروقة السياسيين والمحافل الدولية أكثر من اي شخصية سياسية من خارج مصر

المبدأ القائل بالتداول يجب ان يتم تنفيذه في هذه الهيئة كجزء من دمقرطة العالم العربي، والتعاطي مع الشأن السياسي أسوة بأي مؤسسة سياسية دولية مشابهة أو مماثلة

هناك من يدعي انه لا فائدة من وجود هذه الهيئة العربية ويطالب بإلغائها أكاد أن اوافق على هذا الرأي لكن بالنظر إلى تجارب دولية أخرى أزعم أنه جدير بالحفاظ على الجامعة من خلال خلق محركات جديدة تجعلها مشابهة للاتحاد الاوروبي

لدى العرب قدرات مهدورة من قوى بشرية ومالية وتراكمات حضارية لكل الشعوب والحضارات التي عاشت وتعيش في المنطقة وما يحتاجونه هو قيام ثورات وتمردات منطقية واقليمية مؤسسة على فكر وحدوي يسعى إلى إعادة بناء المجتمع العربي الواحد العصامي

أعلن نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية عن قراره بعدم ترشيح نفسه لدورة أخرى في أمانة الجامعة لأسباب عدة لم يفصح عنها. ويتبادر إلى ذهننا سؤال مركزي: ما هي فوائد وجود مثل هذه الهيئة العربية التي تحمل اسما أكبر من حجم دورها على الأرض؟

فيما لو عدنا إلى العام 1944م حين شاركت الدول العربية شبه المستقلة في إجتماع تشاوري في الاسكندرية ورشح عنه ما عرف لاحقا باسم "بروتوكول الاسكندرية"، ثم الإعلان رسميا عن تأسيس الجامعة في 22 آذار 1945 بالإعلان عن ميثاق الجامعة، لتبين لنا أن من مصلحة بريطانية السعي الحثيث إلى إحتضان الدول العربية هذه وتلك التي من المحتمل أن تنال إستقلالها خلال عقود قليلة من الزمن. والمعنى من الإحتضان، أي تطويق الدول العربية وخنقها من خلال سياسات القمع السياسي والإقتصادي والسيطرة على موارد وثروات البلاد العربية والتحكم بها عن بعد، ومن خلال هذه الهيئة، اي الجامعة العربية، يمكن للدول الاستعمارية الاحتفاظ بنفوذها في المنطقة والمتمثل ببسط اسليطرة على الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط العربي..

قد يظن البعض ان تصريحات مؤسسي الجامعة العربية وهي الدول التالية: مصر، سوريا، لبنان، الاردن، اليمن، السعودية، العراق المليئة بالشعارات القومية والعربية والوحدوية، هي نابعة من رغبة ملحة في قيام مثل هذه الوحدة. لكن في واقع الأمر أن هؤلاء يمثلون الرجعية العربية الموالية لبريطانيا، والخاضعين لتوجيهات سياسييها وقياداتها العسكرية.

لكن لنذهب بعيدا عن هذا التوجه، فإن مجرد الفكرة فيها دلالات مؤشرة إلى أهمية الوحدة العربية في منظومة واحدة تسعى وتعمل على تعزيز العروبة قومية وحضارة وفكرا ولغة. وان تكون هيئة تجمع العرب كشعوب تحت ظل واحد وهو العروبة. لكن في واقع الأمر ان هذه تمنيات عبر عنها هؤلاء القادة لتلك الدول التي لم تتمتع باستقلال كامل، إذ في حينه كان لا يزال الاستعمار رابضا على كل الأراضي العربية بقوة الجيوش، وإن بدأت الدول الاستعمارية بمغادرة المنطقة كجزء مما رشحت عنه نتائج الحرب العالمية الثانية، إلا أن بقائها كان مؤكدا من خلال شركات وصناعات ومؤسسات ثقافية تعمل ولا يزال بعضها على تعزيز الفكر الاوروبي الغربي الاستعماري.

وإزاء ذلك لم توفق الجامعة في كثير من القضايا السياسية والنزاعية والخلافية في توفير الحلول القاطعة... مثال صارخ على ذلك: القضية الفلسطينية التي لا تزال تعتبر في معجم الجامعة كهيئة ودولها أول قضايا الامة العربية... لكن ما الذي فعلته الجامعة لتخفيف معاناة الفلسطينيين؟ ما الذي فعلته الجامعة من اجل حل القضية؟ ما الذي وفرته الجامعة لدعم صمود الفلسطينيين في أراضيهم، وخصوصا في القدس؟ اليست لجنة الدفاع عن القدس المنبثقة عن الجامعة والتي يرأسها ملك المغرب هي المكلفة بهذه المهمة... اين خططها للدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس؟ ما هي المشاريع المطروحة لدعم الوجود العربي في القدس؟ القدس تمر في عملية تهويد خطيرة للغاية، لدرجة انه لن يبقى من القدس العربية إلا مجموعة أحياء متناثرة... ولن يبقى من المقدسيين إلا أقلية نسبية لن تتجاوز العشرين بالمائة من مجمل السكان في القدس الكبرى... وهكذا يفقد الفلسطينيون والعرب ميزة المدينة العربية أو الفلسطينية، حيث ستتحول إلى مجرد حارات ضمن متروبولين ضخم.

وبدلا من ان توفر الهيئة حلا للأزمة السورية سعت إلى تعليق عضوية سوريا... وهذا فيه دلالات كثيرة على رضوخ الجامعة لاملاءات السعودية وقطر وسواها من دول مستفيدة ماليا من البترودولار.

من جهة اخرى يطرح السؤال الأهم، في ظل الاعلان عن نهاية عهد العربي في رئاسة الامانة العامة، وهو هل سيتم تداول الامانة؟ وسؤال يتبعه؟ هل من مصلحة مصر أن توافق وتقبل بتداول الرئاسة/الأمانة؟
ما نلحظه ان وجود الجامعة العربية بالنسبة لمصر هو مكسب كبير في تبوء زعامة العالم العربي... الدليل على ذلك السعي المصري مطولا إلى إعادة مقر الجامعة من تونس إلى القاهرة بعد ما سمي بمبادرة السادات في ابرام صلح انفرادي مع اسرائيل، وانتخاب امين عام تونسي هو القليبي. لهذا نرى ان الرئاسة المصرية قد طرحت اسم احمد ابو الغيط وزير الخارجية السابق في نظام مبارك مرشحا لهذا المنصب، وذلك قبل ان تبادر اي دولة عربية اخرى بطرح اسماء أخرى. هناك من يدعي ان ابقاء هذا المنصب بيد مصري فيه الكثير من الايجابيات حيث ان الدبلوماسية المصرية عريقة ومقبولة في اروقة السياسيين والمحافل الدولية أكثر من اي شخصية سياسية من خارج مصر. لكنني لا اوافق على هذا الرأي، بالرغم من كل ما احرزته الديبلوماسية المصرية من تقدم عبر عهود سابقة كثيرة، إذ ان المبدأ القائل بالتداول يجب ان يتم تنفيذه في هذه الهيئة كجزء من دمقرطة العالم العربي، والتعاطي مع الشأن السياسي أسوة بأي مؤسسة سياسية دولية مشابهة أو مماثلة.

من جهة اخرى، هناك من يدعي انه لا فائدة من وجود هذه الهيئة العربية، ويطالب بإلغائها. أكاد أن اوافق على هذا الرأي، لكن بالنظر إلى تجارب دولية أخرى أزعم أنه جدير بالحفاظ على الجامعة من خلال خلق محركات جديدة تجعلها مشابهة للاتحاد الاوروبي... قد يبدو كلامي في باب الفانتازيا، لكن لنقبل هذه الفانتازيا... لدى العرب قدرات مهدورة من قوى بشرية ومالية وتراكمات حضارية لكل الشعوب والحضارات التي عاشت وتعيش في المنطقة... وما يحتاجونه هو قيام ثورات وتمردات منطقية واقليمية مؤسسة على فكر وحدوي يسعى إلى إعادة بناء المجتمع العربي الواحد العصامي الذي كان يبادر ويرفض أن يكون في مدارات ردود الفعل... حاليا المجتمع العربي من محيطه إلى خليجه هو في خانة رد الفعل وليس في صنع الفعل... متى سيتحول العرب إلى فعلة ومبادرين إلى الفعل ذاته وتعميمه اقليميا وعالميا، مسألة تحتاج إلى وقت، وإلى قلب مفاهيم سياسية واجتماعية وثقافية رأسا على عقب... ونزع غطاء التخلف الديني والاجتماعي وقبول مبدأ احترام الآخر وقبول الرأي الآخر، وفهم ما يجري في العالم... وفهم ما يجري داخل الشعوب العربية... إذا فهم العرب ما يجري في داخلهم، لأدركوا ما يتوجب عليهم القيام به حالا.

ارشح الإبقاء على الجامعة لدورة رئاسية أخرى من باب "أعطه تشانس أخير"!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة