الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 17:02

قصة قصيرة بعنوان مكتب تعارف/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 26/10/15 21:33,  حُتلن: 07:01

تجمع بعض الأطفال حول أحدهم والذي كان يملك جهازا ذكيا وتعالت صيحاتهم:
-الله لا يوفقك!!
استوقفتني كلماتهم فوقفت على مقربة منهم لأسمع مصدر استنكارهم ودعائهم هذا فلما لم يصدر عنهم ما يبرر كلامهم وحدته سألت أحدهم
-عمين بتدعوا؟
-عالقلب في اللعبة
-ليش ؟
-لأنه بظل ينكسر
ضحكت من كلامهم فبينما كان معناه حرفيا خطر ببالي أنا المعنى المجازي له والذي لم يكن يعنيني فقد سلم قلبي من آفات القلوب وغنمت لعدم مروري بتجربة حب فاشلة لم يصلني عطبها ولم يتسمم فؤادي على أثرها ولكم تهكمت على المحبين ووصفتهم بأنهم ضريري المجتمع فهم لم يروا سوى محاسن الحبيب بينما كانت المساوئ تنتظر أول لحظة ارتباط لتقتحم السلام المخيم عليهم.
كنت في طريقي وبناءا على رغبة أمي إلى مكتب تعارف وجدت لي فيه زوجة مناسبة بمواصفات تلائم توقعاتها هي ..عندما أطلعتني على الفكرة واقترحت علي الذهاب غرقت بضحكة من القلب على سذاجتها فكيف تتوقع مني أنا المثقف المتعلم أن أتوجه لمثل هذا المكان وأتزوج إحداهن بينما لا أعرف عنها شيئا .كان الأمر غير عقلاني بالنسبة لي ولكني كنت أرفض إغضاب أمي فوعدتها أن أذهب وأفحص إن كانت مرشحتها تلائمني .ولكني لم أعدها بأن تنتهي القصة كما تتمنى هي .
توكلت على الله ،وذهبت وأنا أنتظر أن أقع بموقف أضحك منه طيلة حياتي ..في المكتب استقبلتني موظفة جميلة ذات جديلة طويلة تلفها حول رأسها
بشكل لفت انتباهي ..سألتني عن كلمة السر والتي ستدلها عن أي مرشحة أبحث فأخبرتها بأنها الحب فقادتني لغرفة مظلمة وقالت لي بأن نصفي الآخر تنتظرني منذ حوالي نصف ساعة ..نظرت إلى معصمي ووجدت أني تأخرت فلم أكترث لهذا فالقضية كانت محض لعبة بالنسبة لي ثم تساءلت عن سبب كون الغرفة مظلمة ورجحت بأن نصفي الآخر ستكون غلطة جسيمة اقترفتها أمي في حقي فيبدو أنها من القبح مما أرادت أن تخفيه عني ..ودخلت أتلمس طريقي وأبحث عن كرسي أرتمي في أحضانه لحين تنتهي هذه المقابلة .
-هل تؤمن بالحب من أول كلمة ؟
جاء صوتها رقيقا ولولا سؤالها السخيف لأقسمت بأن خفق قلبي تغير
-أنا لا أؤمن بالحب فهو مجرد تغييرات كيميائية تنتهي صلاحيتها بعد ثلاث سنين
-هل تؤمن بالقدر ؟
قلت لا لأَنِّي أؤمن بأن الحياة هي سلسلة من القرارات تقودنا إلى نتيجة هذه الخيارات .
-هل تؤمن بأن لكل منا نصف آخر من غيره يحيا الحياة بشقاء ؟
أجبتها بأن هذه مصطلحات فلسفية فارغة من أي منطق وأن الحياة معادلة حسابية يمكن إضافة عوامل عديدة لها من غير أن يكون مصيرها معلقا بشخص واحد .
سمعت كرسيا يتحرك وشخصا ينهض.
-لماذا تذهبين؟
-لأنك لا تؤمن بما أؤمن به ولا أمل بأن تلتقي بنصف الطريق..
رفضها أزعجني فقد كنت أتوقع أن يأتي الرفض من طرفي وليس أن أكون أنا المرفوض
-لحظة ..ربما يمكننا التحدث قليلا
-ليس هناك ما نتحدث عنه .نحن مختلفان كالليل والنهار وأنا في الحقيقة ليس لدي وقت أضيعه مع شخص مادي مثلك..
مرت من أمامي ووصلتني رائحة عطرها وكان يحمل خليطا من أزهار الربيع ..وخفق قلبي مجددا بنحو لم آلفه ولكن كبريائي منعني من أن أستوقفها أو أطلب منها أن نحاول الحديث مرة أخرى ورَحَلَت وبقيت وحدي في الغرفة ولم أعد وحدي كما كنت فقد سكنتني تلك الغريبة الغامضة وتذكرت كلام الأطفال وعلمت أن قلبي قد كُسر وأن الدواء كان يجلس أمامي قبل قليل والآن وقد مضى فإنه سيكون من الصعب جبر فؤادي.
وخرجت من المكتب كشخص آخر تتعلق سعادته بشخص لا أعرف عنه شيئا وتذكرت أسئلتها وما عدت أذكر شيئا سوى أني أؤمن بكل ما قالت وبقوة .... 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة