الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 06:01

محمد بركة الثاني/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 24/10/15 20:36,  حُتلن: 23:03

وديع عواودة في مقاله: 

الحركة الإسلامية الشمالية اختارت بعد سحب مرشحها عبد الحكيم مفيد التصويت ورقة بيضاء حتى تبقى "حمامة بيضاء" على مسافة واحدة من الجميع ولا تتحمل مسؤولية من ينتخب

أبناء البلد رجحوا كفة بركة (حليفهم في موضوع سوريا وعزمي بشارة ) رغم الاختلاف الأيديولوجي الكبير بعدما قرروا التخلي عن موقف "الورقة البيضاء" لعدم التصويت لمؤيد "حلف الناتو"

التجربة ليست مجانية فالخيول الأصيلة تتعب لفرط الركض والسبق والنضال والمتابعة تحتاج لطاقات كبيرة جدا لإنعاشها واستعادة عافيتها

بركة يحتاج لطاقم إداري مهني يعينه على أداء مهامه وهذا مرتبط بمدى نجاحه بإنقاذها من فقرها وتأمين ميزانيات بدونها تبقى المتابعة مظلة جامعة أو أداة تنسيق أو قيادة بلا جنود

قبل عدة سنوات حذر محمد بركة خلال اجتماع للجنة المتابعة من إستمرار إهمال القيادات الجبهة الداخلية الغارقة بمشاكل حارقة من استشراء الجريمة حتى حوادث السير. وقتها قال: "إن بقينا على هذه الحال سنلتفت يوما للوراء ولن نجد شعبا من خلفنا". اليوم بات بركة رئيسا للمتابعة ومن وقتها تردت أكثر حالة، صورة وهيبة الجبهة الداخلية والمتابعة معا فهل يسارع لمداواة نزيف الهيئة التمثيلية الأعلى قبل أن تتحقق تحذيراته ؟ نجاح مهمة بركة منوط بعدة عوامل تبدأ ولا تنتهي به. مسيرة انتخابات الرئيس كانت أشبه بمخاض عسير كاد يودي بحياة الأم، المتابعة. وقد عكست خلافات عميقة بين مركباتها تتعدى المنافسة الحزبية المشروعة والحيوية. بالجولة الأولى حاز محمد على 21 صوتا مقابل 16 صوتا لكامل و 9 عوض وصوت واحد لأبو ريا.

الحمامة البيضاء
الحركة الإسلامية الشمالية اختارت بعد سحب مرشحها عبد الحكيم مفيد التصويت ورقة بيضاء حتى تبقى "حمامة بيضاء" على مسافة واحدة من الجميع ولا تتحمل مسؤولية من ينتخب. بصرف النظر عن السبب المعلن يبقى تراجعها ولجوئها للورقة البيضاء هروبا من إتخاذ موقف فعلي يتوقع من حركة سياسية. اللافت أنها وبعد تصريحات كثيرة حول مسيرة استعادة اللحمة بينها وبين شقيقتها الجنوبية لم تر بمرشح الأخيرة الإسلامي مناسبة لدعمه. أخطأت الحركة بحساباتها الضيقة وعاد سلوكها كيدا مرتدا عليها أيضا فلو دعمت ريّان لكانت قد ترجمت وعودها برأب الصدع على الأقل وتحاشت عزل وتحييد نفسها وظهورها بأقل من حجمها وركنت مركبتها بحالة "نيوترال". وهذا ينطبق على التجمع الوطني الديموقراطي الذي أصر على خوض الانتخابات بعبثية. كان الأجدر بالتجمع الذهاب للانتخابات مع واصل طه الذي يتمتع بعلاقات اجتماعية مع مركبات عديدة بالمتابعة أبرزها رؤساء سلطات محلية. أما خياره الثاني فكان مساندة مرشح آخر هو الأقرب لطروحاته أو لمن يمكن إنجاز صفقة معه وهما أفضل من الخروج من الحلبة بتسعة أصوات أو التصويت الاحتجاجي بالجولة الثانية.

" حلف الناتو"
التجمع(ستة أصوات وبعض رؤساء محسوبين عليه) اختار في الجولة الثانية بحسب احتساب الأصوات التصويت لريان بسبب " الجرح المفتوح " مع الجبهة ما رفع ريان من 16 إلى 23 ولكن يبدو أن أحد الرؤساء المقربين منه صوتّ لبركة. في توقع الثلاثة تجمعيين أو الرؤساء المقربين من التجمع الذين انضموا لبركة بالجولة الثانية يرجح أن رئيس شفاعمرو أمين عنبتاوي صوت لريان بالجولة الثانية بعد التصويت لعوض بالجولة الأولى بينما صوت رئيس عرعرة مضر يونس لبركة بسبب حسابات إئتلافية محلية بالجولة الثانية بعدما صوت لعبد الفتاح وهكذا أيضا جريس مطر رئيس عيلبون. " وهناك من يظن أن واصل طه انحاز لبركة بفعل علاقات شخصية وهذا غير مؤكد نظرا لقرار حزبي داخلي.

الصوت الحاسم
أبناء البلد " رجحوا كفة بركة (حليفهم في موضوع سوريا وعزمي بشارة ) رغم الاختلاف الأيديولوجي الكبير ،بعدما قرروا التخلي عن موقف " الورقة البيضاء " لعدم التصويت لمؤيد " حلف الناتو "،ريان كما قال لي محمد كناعنة . يبدو أن مازن غنايم الذي يرجح أن الصوت الوحيد لأبو ريا بالجولة الأولى هو صوته قد صوّت لريان بالجولة الثانية، لأكثر من سبب(هناك من يرجح أن هذا صوت علي سلام لكن خيار غنايم أقرب). ما يعني أن الذي رجح كفة بركة بصوت واحد حاسم يعود لأحد رؤساء السلطات المحلية. وبصرف النظر عن عدالة اتهام كناعنة للإسلامية الجنوبية بـ" الناتو" لكن أبناء البلد منحازة دوما بطبيعة الحال لقوى علمانية. ويحسب للإسلامية الجنوبية دورها الفعال بتعديل الدستور وإقناع أبناء البلد بالتالي بالمشاركة بالانتخابات لضمان ولادة رئيس جديد رغم علمها أن أبناء البلد لن يصوتوا لمرشحها.

سفينة الجبهة
بين هذه الترجيحات وتلك محمد بركة أبعدته الجبهة عن الكنيست بعد 15 عاما من العمل البرلماني فعاد رئيسا للمتابعة عقب ثمانية شهور. من لم يرغب به رئيسا لكتلة الجبهة والمشتركة عليه قبوله الآن رئيسا لبرلمان العرب. رغم انهيار القلاع الحمراء في الانتخابات المحلية عام 2013 في فترة رئاسته للجبهة تحتسب لبركة نقاط كثيرة منذ كان طالبا ناشطا في جامعة تل أبيب. بقيادته سفينة الجبهة عرف كيف ينجو بها من تراجع قوتها والمحافظة عليها برلمانيا بعد صعود نجم التجمع والإسلامية منتصف التسعينات بتبنيه خطابا قوميا يحاكي خطاب التجمع. رغم ملامح " الفتوة " وربما بسببها يتمتع بركة بكريزما القائد ولذا سيقول كثيرون من أنصاره أنه الرجل المناسب في المكان المناسب فالمرحلة الصعبة تحتاج لشخصية قوية ومجربة وهذا صحيح لكنه لا يكفي.

الخيول الأصيلة
بالمقابل التجربة ليست مجانية فالخيول الأصيلة تتعب لفرط الركض والسبق والنضال، والمتابعة تحتاج لطاقات كبيرة جدا لإنعاشها واستعادة عافيتها. هذا يعني أن بركة يحتاج لطاقم إداري مهني يعينه على أداء مهامه وهذا مرتبط بمدى نجاحه بإنقاذها من فقرها وتأمين ميزانيات بدونها تبقى المتابعة مظلة جامعة أو أداة تنسيق أو قيادة بلا جنود، وهذا ممكن من خلال صندوق وطني موارده من الشعب فقط. تأتي استقالة بركة من مناصبه الحزبية خطوة ذكية ومفيدة لبلورة شخصيته السياسية الجديدة- الأبوية الجامعة.

الطريق لرام الله
لكنه يحتاج لمواجهة تحديات أخرى منها إعادة ترتيب علاقاته بالسلطة الفلسطينية وإثبات سياسة مستقلة فالطريق لرام الله محفوفة بالمخاطر وربما الألغام. يستطيع بركة استغلال ما زرعه من بذور للتواصل مع زملاء منافسين في الأحزاب الأخرى لبناء ثقة معهم خاصة قادة التجمع بعد زمن من العلاقات الموتورة.
بعد سنوات كثيرة من التماهي العلني مع الرئاسة الفلسطينية يحتاج بركة للعب دور آخر يأخذ بالحسبان وجود قطاعات واسعة لا تنظر بعين الرضا للسلطة وتستفزها سياسات رئيسها وهذا تغيير ليس سهلا.

حسابات الماضي
يخطأ بركة إن خلط الأوراق وبقي عالقا في تجاذبات داخلية في الجبهة بعدما أشهرت الضوء الأحمر بوجهه ومنحت الضوء الأخضر لأيمن عودة. بعد 24.10.2015 ينبغي أن تبدأ فترة محمد بركة الثاني الذي يترفع عن حسابات الماضي وتحاشي المزاودة على المشتركة ورئيسها بقرارات سياسية أكثر تشددا كهدف للمناكفة. لا يبدو الآن أن محمد بركة يملك مشروعا واعدا للنهوض بالمتابعة وجمهور هدفها بالسنوات الخمس القادمة لكن المؤكد أن المتابعة برئاسته أفضل مما كانت عليه بزمن المخاتير الجدد والأهم أن بوسعه قيادة مشروع للتجدد السياسي الشامل على الجبهتين الداخلية والخارجية. الفرصة متاحة لإحداث تغييرات هامة بقيادته تعزز صورة وهيبة وأداء المتابعة التي تشكلت بعد حرب لبنان الأولى عام 1982 وكان الراحل ابن مدينته رئيس بلدية شفاعمرو ابراهيم نمر حسين رئيسها الأول. وهذا يشمل ترتيب بيت المتابعة وتعديل دستورها وترشيد صناعة قراراتها(بالأغلبية بدلا من الإجماع مثلا)
وهذا منوط بتعاون بقية مركبات المتابعة وانحيازها أولا للوطن لا للحزب أو للشخوص. مبروك لبركة وبالتوفيق له ولنا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة