الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 19:01

أورشليم – القدس– نهاية خرافة/أكذوبة العاصمة الموحدة والأبدية/ ب. جوني منصور

كلّ العرب- النّاصرة
نُشر: 15/10/15 13:22,  حُتلن: 17:39

ب. جوني منصور في مقاله:

هناك اسباب غير مباشرة تتجاوز كون الانتفاضة الحالية ذات صلة مباشرة بالأقصى المبارك ومن بين أبرز هذه الأسباب سياسة الاستيطان التي تتبناها حكومة نتنياهو الحالية وسابقاتها

انفلات المستوطنين في القدس وتماديهم على المقدسيين وسلب اراضيهم وبيوتهم في الشيخ جراح وسلوان له دور كبير في تأجيج الغضب المقدسي

آن الآوان لأن يعترف حكام اسرائيل بأخطائهم وخطاياهم ويعودوا الى الطريق السوي وآن الآوان لأن يعترفوا بحق الشعب الفلسطيني في الحياة في أرضه ووطنه

كشفت عمليات العنف الأخيرة التي اجتاحت القدس عن عمق الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. وكشفت أيضًا عن الارتباك الذي تعاني منه حكومة نتنياهو، وخاصة عدم قدرتها على ايجاد حل طويل المدى. إنها حكومة التعاطي الآني مع الحلول وإدارتها يوميا، والتي لا تدوم طويلا لكونها مؤسسة على تسرّع في اتخاذ القرار، وتسرّع في تنفيذه... دون اي تفكير مستقبلي بردود الفعل. فحكومة نتنياهو اعتادت ان تفكر باللجوء إلى استعمال العنف الشديد والضربات الموجعة نحو الفلسطينيين، ولم تتعلم أنه كلما قامت بذلك اشتد عصب الفلسطينيين وقويت شوكتهم، وتعزّز رد فعلهم وإن كان باللجوء إلى طرق بدائية، وفي مقدمتها المقاومة بالحجر والسكين والإطارات المشتعلة بالنار.

الاعتقاد السائد لدى ربابنة اسرائيل، وخاصة ان الحكومة الحالية تمثل اليمين المتطرف جدا في اسرائيل، أن رد فعل الفلسطينيين هو دفاعًا عن الأقصى فقط، وهذا مشروع لكونه – الأقصى – خط أحمر ، بالرغم من تصريحات نتنياهو الكاذبة انه يريد الحفاظ على الستاتوس كفو بالنسبة للحرم.

لكن غاب عن هؤلاء ان هناك اسبابا غير مباشرة تتجاوز كون الانتفاضة الحالية ذات صلة مباشرة بالأقصى المبارك. ومن بين أبرز هذه الأسباب سياسة الاستيطان التي تتبناها حكومة نتنياهو الحالية وسابقاتها، ولجوئها إلى استخدام الاستيطان كمركب من مركبات معاقبة الفلسطينيين. لقد اتى النشاط الاستيطاني الاسرائيلي على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في القدس وجوارها، وأحاطت المستوطنات معظم قرى وأحياء القدس، بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري الذي بدوره أكل مساحات شاسعة من الأراضي وعرقل سير تحرك وتنقل الفلسطينيين بين قراهم واحيائهم في القدس وحواليها، وشوش مجرى حياة الفلسطينيين.

من جهة اخرى فإن انفلات المستوطنين في القدس، وتماديهم على المقدسيين، وسلب اراضيهم وبيوتهم في الشيخ جراح وسلوان له دور كبير في تأجيج الغضب المقدسي خاصة والفلسطيني عامة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن سياسة بلدية اورشليم – القدس التي يرئسها اليميني المتطرف نير بركات ساهمت هي الأخرى في تراكم الغضب وخيبة الأمل والاحباط. فرئيس بلدية كهذا يتجول وعلى جنبه مسدسه.. عن اي رئيس موحد يتحدثون؟

رئيس بلدية يفرض ضرائب باهظة (ارنونا) على المواطنين العرب الفلسطينيين دون ان يقدم أدنى الخدمات الضرورية للأحياء والقرى العربية التي أخضعتها اسرائيل لبلدية اورشليم – القدس الموحدة بعد العام 1967. من يتجول في الأحياء العربية للقدس العربية يلحظ بوضوح التمييز الصارخ والفاضح في مستوى الخدمات مقارنة بالأحياء اليهودية في اورشليم. أضف إلى ذلك الفارق الكبير في الخدمات الطبية والرعاية الصحية المفقودة تقريبا في القدس، مقارنة بالاحياء اليهودية... بايجاز كبير يمكننا القول بكل تأكيد إنّ هذه البلدية تتعامل بأسلوبين: الأول كامل الحقوق والخدمات بأعلى مستوى للأحياء اليهودية وما فيها من مؤسسات وهيئات خدمية بلدية وغيرها، والثاني ناقص معظم الحقوق والخدمات التي يتوجب على بلدية تدّعي حكومتها انها العاصمة الأبدية والموحدة لاسرائيل.

ما جرى في الايام الأخيرة يعكس مدى زيف وكذب هذه الخرافة، خرافة العاصمة الموحدة لاسرائيل. حيث ان إعلان نتنياهو وبركات (رئيس بلدية اورشليم – القدس) عن عزل الأحياء والقرى العربية المكونة للقدس، وعن نصب حواجز طيارة(متنقلة) في الأحياء المذكورة، وعن نشر الكلاب المتخصصة بفحص وتعقب المجرمين والارهابيين على حد تعبيرهم، وعن تفتيش كل من يثير الشبهات والشكوك من المواطنين العرب، بالإضافة إلى تسهيل اصدار تراخيص لحمل السلاح من قبل وزارة الداخلية... إلى آخره من عقوبات ومخالفات وتشديد المراقبة والتضييق على تحرك المقدسيين.

لم اسمع ولم أر ولن أرى مثل هكذا تصرفات وسلوكيات في اي عاصمة في العالم تدعي حكومتها انها تعمل من اجل جميع مواطنيها... إن الحكومة الاسرائيلية وبلدية اورشليم – القدس الموحدة اعلنت بطريقة غير مباشرة عن انها ليس العاصمة الموحدة والأبدية لاسرائيل بلجوئها إلى مثل هذه الخطوات الجنونية. إن هذه الخطوات تبطل نهائيا كونها عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل. إنها تؤكد أن هذه المدينة مركبة من مدينتين: القدس وهي عربية، واورشليم وهي مدينة أخرى هي عاصمة اسرائيل إن شاءت.

إن السياسة التي تتمسك بها اسرائيل بكونها قد حررت القدس وانها – اي القدس – قد اصبحت عاصمة لاسرائيل ابتداء من حزيران 1967 وصلت إلى خط النهاية بالأمس مع الإعلا ن عن تبني هذه الخطوات. وإن كانت حكومة نتنياهو ترفض قبول هذا الطرح او لنقل بصورة أدق هذا الواقع، إلا أن استمرار عمليات المقاومة ضد الاحتلال الغاشم ستعمق الشرخ بين شطري العاصمة الاسرائيلية(!)، وستؤكد لاحقًا أنها سياسة فاشلة، ولا مفر من الاعتراف بأن القدس واورشليم ليستا نفس المدينة وليستا نفس العاصمة الموحدة. لا طريق آخر أمام حكومة اسرائيل إلا الاعتراف بهذا الواقع الذي قرأه كثيرون من المحللين والسياسيين والمفكرين منذ سنوات طويلة، ومن بينهم اسرائيليون. لا يمكن فرض خرافة على شعب حي كالشعب الفلسطيني، وإلزامه بقبولها والتغني بها... وخاصة لدى المقدسيين المعروفين بتمسكهم بمدينتهم وحاراتهم ومؤسساتهم ومقدساتهم وفي مقدمتها الأقصى والقيامة. آن الآوان لأن يعترف حكام اسرائيل بأخطائهم وخطاياهم ويعودوا الى الطريق السوي. آن الآوان لأن يعترفوا بحق الشعب الفلسطيني في الحياة في أرضه ووطنه... وبدون هذا الاعتراف سيستمر نزيف الدماء في القدس وغيرها من المناطق.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة