الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 17:02

فاقد الشيء يعطيه - بقلم العنقاء


نُشر: 06/07/08 12:39

حين تقرأون العنوان لأول وهلة مؤكد أنكم ستقولون لي أنني مخطئة فالمثل يقول "فاقد الشيء لا يعطيه" ولكنني أؤكد لكم صحة مقولتي, ولتوافقوني الرأي سأسرد على مسامعكم القصة التالية:
 أحمد صبي في العاشرة من عمره, صالح مأساة الطفولة, كان يا ما كان... كان أحمد طالب ذكي يحبه الجميع, لكن بالرغم من ذلك فإنه مشاغب جدًا, الجميع يريد منه أن يكون الأول والجميع يهتم به بسبب ظروفه الإجتماعية وطلاق والديه, كلهم يهتمون بتحصيله التعليمي, ولكن لا أحد يتحدث معه بشكل شخصي ويعطيه الحنان الذي يحتاج.
حتى جئت أنا ومن أول مرة أحببته ودخل قلبي بلمح البصر, دخلت أول مرة غرفة الصف وجاء أحمد ومحمد وطلاب آخرون, فرأيت محبته للآخرين وحنانه الذي يمنحه للجميع رغم فقدانه له, ولكني لم ألاحظ ذكاؤه من المرات الأولى ولم أعرف بظروفه الإجتماعية. وبعد عدة لقاءات مع أحمد والمجموعة بدأت ألاحظ ذكائه ولكن إهماله بالمقابل وعدم رغبته في النجاح وعدم إهتمامه بالتحصيل التعليمي, وقد حدثتني إحدى المعلمات عن وضع أحمد العام التعليمي والإجتماعي, مع طفل آخر لديه ظروف إجتماعية ولكنهما مترابطان ومتلاصقان.
في إحدى اللقاءات وبعد إستشارة المدير والمعلم المرافق قررت أن أخصص الحصة لأحمد ومحمد وحدهما لأنهما بأمس الحاجة للمساعدة, دخلت معهما لغرفة الصف وبدأنا بقراءة الدرس, ولكنهما لم يركزا كثيرًا وأرادا التحدث بشيء آخر, فكان لهما ذلك فبدأنا بالحديث عن أهمية العلم ولكنهما قالا إنهما لا يريدان التعلم, وقد أجابا بنفس الإجابات أنهما لا يريدان التعلم بل يريدان شراء الأسلحة وقتل الناس, فكانت محادثة طويلة حول ذلك, بدأت الحديث معهما من بداية المشوار إلى أين سينتهي بهما هذا المشوار, وكان ذلك بنقاش منطقي هم يسألون, يتسائلون , ويجيبون... واستمر ذلك إلى أن رن جرس الحصة, فإتفقت معهما على إكمال النقاش بالحصة المقبلة, وفعلاً منذ هذه الحصة قسمت حصتي معهما إلى قسمين قسم للدراسة وقسم للحديث, نبدأ بأحدهما وننتهي بآخر.
مرت الأيام وقد بدأ التغيير يظهر في سلوكهما, تصرفاتهما, أفكارهما, وفي تحصيلهم الدراسي.
مرت الأيام سريعًا إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم, يوم الثلاثاء كعادتي دخلت من بوابة المدرسة فأحسست بشيء ما مختلف خاصة أن قلبي مقبوض منذ يومان, سمعت إحدى المعلمات تسأل المدير عن أحمد, عن صحته وعن حادثٍ ما, ولكنني قلت في نفسي إنه أحمد آخر, دخلت غرفتي المعتادة, سألت إحدى المعلمات فأخبرتني الخبر اليقين حول حادثٍ وقع لأحمد قبل يومين وأنه الآن يرقد بالمشفى, وضعه الصحي خطير جدًا وينتظر رحمة الله, لم أصدق نفسي ووقع الخبر علي وقوع الصاعقة, وظللت غير مصدقة لهذا الكلام ورافضة له رفضًا قاطعًا, فأحمد قوي وحنون سيتحمل وسيعود إلينا ولن يرضى الرحيل عنّا, هذا شيء أكيد, فطالما تحدثت أنا وأحمد عن المستقبل, مستقبل أحمد, كيف سيكبر وسيتعلم وسينير الأرض بعلمه وأدبه, لا لن يسمح لكل ذلك بأن يزول. وهكذا بقي يومي معكرًا وقلبي ولساني يصليان ويدعوان لأحمد بمعجزة من الله لتنقذ معجزة الأطفال, ذلك الطفل البريء.
عدت للبيت بعد إنتهاء الدوام تائهة, كالمجنونة أمشي بالطرقات على غير هدى, لا أدري كيف وصلت البيت فدخلته, وما إن دخلت حتى رن هاتف البيت, قُبض قلبي مع هذه الرنة, أجبت على الهاتف فإذا بها إحدى المعلمات تنقل لي ذلك الخبر, الخبر الذي استحال في فكري أن أسمعه يومًا, فصُدمت أيما صدمة, ووقعت على الأرض باكيةً وغير مصدقة لما يجري ورافضةً تصديق الواقع رفضت كون أحمد قد فارق الحياة.
بعد عدة أيام هدأت نفسي ومشاعري ولكن ذلك الجرح في قلبي لا زال ينزف دمًا, كيف أذهب للمدرسة وكيف سأواسي الطلاب زملائه, كيف سأواسي المعلمين, كيف سأواسي صديقه العزيز, كيف سأواسي الناس جميعًا, وأنا بحاجة لمن يواسينني, كيف سأضمد جراح الآخرين وأنا ملئى بالجراح, فلاح في ذهني وجه أحمد فتذكرت كيف أنه كان يمنح الجميع حنانًا ومحبةً وهو يفقدهما, فإبتسمت ومضيت في طريقي قُدمًا نحو الأمام.

مقالات متعلقة