الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 21:02

معاتبة المتابعة/ بقلم: البروفيسور أحمد ناطور

كلّ العرب- النّاصرة
نُشر: 10/09/15 13:07,  حُتلن: 11:02

البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:

معيار الدعم والمساندة يكون بقدر تجاوب الجماهير مع قرارات هذه المؤسسة وامتثالها لها

هذا النهج العجب يجعل المؤسسة احتكارًا مطلقا بيد الأحزاب فهي التي ترشح مندوبيها وهي التي تقرر لمن تهب تزكيتها ومن تبقي مبعدًا

معلومٌ ان المؤسسات الشعبية التي تنبثق من رحم الجماهير سعيا الى درء المفاسد وجلب المنافع، إزاء تعسّف السلطة، تستقي شرعيتها وزخمها من الجماهير ذاتها دعما وتأييدًا. فان تضاءلت ثقة الجماهير بها وغابت، فقدت شرعيتها ومصداقيتها وبالتالي فان زوالها خير ٌ من استمرار احيائها بعد ان ماتت موتا سريريا غير معلن. اذ ذاك يكون دورها قد مضى وانقضى.

إن معيار الدعم والمساندة يكون بقدر تجاوب الجماهير مع قرارات هذه المؤسسة وامتثالها لها. منذ زمن بعيد، يشهد القاصي والداني مسارًا رتيبًا لمنحنى التدهور والافول في شعبية لجنة المتابعة لقضايا الجماهير العربية في الداخل. وحيث اننا في هذه العجالة، بصدد جزئية انتخاب الرئيس فحسب، ومع ان الخوض في أسباب وخلفيات التدهور والافول ضروري لتقضي ما جرى ولاستطلاع ما سيجري، الا اننا نرجئه الى حين، طمعًا في الاستزادة والتمحيص. ان عملية انتخاب الرئيس وما شابها من تخبط ولغط يحتم الاستيقاف والتأمل .. لقد كانت المتابعة قد وضعت لنفسها " دستورًا " يبدو انه لم يُعلن، كما يبدو انه ليس مهنيًا ولم يجرِ اعداده في الظاهر- من قبل لجنة قانونية مختصة بالصياغة القانونية، الامر الذي شكّل ولا زال، أرضية خصبة للضبابية والخلط. من ناحية أخرى، فان هذا الدستور لم يُعنَ بجزئية انتخاب الرئيس ولم يفصّل احكام ضبط عملية الانتخاب او معايير الترشيح وهذه كما ترى أمور من صلب الحقوق الأساس للمرشح والناخب على حدٍ سواء. ونحن لا نقوى في هذا المقام على استعراض عِيِّ هذا الدستور وسَقَمه، خلا ما تعلّق بتقصيره بشأن انعدام نظامٍ لضبط عملية انتخاب الرئيس وهي التي ارتأى ابقاءها غائبة أي ما يعرف ب - Lacuna.

في هذا الحال الضبابي المنقوص جاءت لجنة اختارتها المتابعة ذاتها، لتتدبر الامر، فارتأت ان تقول انه لا يجوز لمن كان غير منتمٍ لاحد مركبات المتابعة الترشّح للرئاسة الا اذا جاء بتوقيع اثنين منها مع التبيان ان الذي " وهب " توقيعه لاحد ليس له ان يفعل ذلك ثانيةً لاخر. ان النتيجة الحتمية لهذا الحال هي ليست فقط ان باب الترشيح مفتوح على مصراعيه امام مرشحي الأحزاب، بل ان لها أيضا أن تقرر من يدخل النادي المغلق هذا ومن ليس له ذلك، مع العلم ان الأحزاب لا تمثل المواطنين جميعا ولا حتى نصفهم.

ومع ان حق الترشح والانتخاب انما هو حقٌ اساسٌ، فان السؤال الذي يطرح نفسه هو ما اذا كان مستساغًا ان يُناط قرار منح او سلب حق الترشح للجنة داخلية من الأحزاب نفسها، مع ان هذا حق دستوري ينبغي ان يكون مضمونا ً في الدستور نفسه. وغني عن القول ان هذا النهج العجب يجعل المؤسسة احتكارًا مطلقا بيد الأحزاب فهي التي ترشح مندوبيها وهي التي تقرر لمن تهب تزكيتها ومن تبقي مبعدًا. كما لأي احدٍ ان يتساءل، ما دام لكل جهةٍ متابِعة الاّ تزّكي الا مرشحٍا مستقلا واحدا، ترى هل معناه ان عدد هؤلاء المرشحين لن يتعدى الثمانية ؟! اليس هذا احتكارا واستخفافا بالجماهير جميعا ً؟ ان ما آلت اليه الأمور بعد ان جرى التوجه الى المحاكم بشأن حق الترشح، هو امر خطير، وطالما قلنا ان الخصومات العربية ينبغي لها ان تُفضّ في أطُر عربية وان لا تصل الى محاكم الدولة. وكنا نتمنى إيجاد سبل واطر عربية لفض الخصومات كالتحكيم والتوفيق والوساطة من اجل الاستعاضة عن المحاكم الإسرائيلية. هذا في النزاعات بشكل عام، اما في الخلافات الوطنية فالامر مطلوب من بابٍ اوْلى.

قبل سنوات عِدة، جاء الى مكتبي في جامعة تل ابيب طالبان من لجنة الطلاب العرب – احدهما من التجمع والثاني من الجبهة، قالا ان هناك خلافا في اللجنة حول ما اذا كان لطلبة كلية الهندسيين العرب - الملحقة بجامعة تل ابيب حق المشاركة في انتخابات لجنة الطلاب العرب ام لا، خاصة وان الدستور لا يتطرق الى ذلك، وانطلاقا من وعينا الوطني فقد قررنا ان لا نتوجه الى المحكمة الإسرائيلية وانما قررنا اختيارك محكّما مقبولا للحكم بيننا في هذه المسالة. لقد غمرني الاعتزاز بوعي هذين الطالبين حقا، وقلت في نفسي لقد فاق وعي هؤلاء الشباب وعي القيادة التي ينبغي ان تعي وتستطلع وتخطط وتقرر.

هذا، وان كان الحديث في هذا الباب ذا شجون، فاننا نعود الى انتخاب الرئيس فنقول، ان التمادي في الزلل شرٌ من الزلل نفسه، وفي تصورنا انه من الخير ان تقوم الأحزاب بسحب مرشحيها الى ان تتمكن المتابعة من وضع دستور يليق بها وبالجماهير التي تمثّل. دستور حقيقي ينظم القضايا المتعلقة بالمؤسسة ويكون قادرا على أداء إجابة وافية لكل تساؤل ويحفظ حقوق المرشحين والمنتخبين على حد سواء. واهم من هذا كله، يتيح توسيع مساحة الترشيح ليضمن اختيار المرشح الأنسب ويكون قادرا على الحفاظ على المتابعة كمؤسسة وطنية عليا للجماهير، تقود نضالها وتحظى بثقتها في هذه المرحلة المفصلية الحاسمة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة