الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 07:01

المانيا تصالحت مع نفسها والعالم فليتعظ حكام اسرائيل والعالم العربي /د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 07/09/15 09:27,  حُتلن: 11:04

د.جوني منصور في مقاله:

 حكومة اسرائيل ممثلة برئيسها نتنياهو ترفض ان تفتح حدودها لاستقبال لاجئين سوريين

 هذه الخطوة التي خطتها ألمانيا قلبت المعايير والمقاييس كلها، فالدولة والشعب اللذين كانا موسومين بالجريمة والخطيئة

سالت دموعي فرحا وتأثرا برؤيتي عبر شبكات الاعلام التلفزيونية والالكترونية مظاهر الاستقبال التي جرت في محطات القطارات في النمسا وفي المانيا، وتحديدا في ميونيخ وغيرها

أنهار الدماء تتدفق بكميات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، ومقابلها تتدفق موجات من اللاجئين إلى أوروبا طلبا للجوء سياسي أو إنساني ولنسمه ما نشاء. في حين أن بعض الدول الاوروبية تعارض معارضة شديدة دخول لاجئين إلى أراضيها وتفكر بإحاطة أراضيها بجدران عازلة كما فعلت اسرائيل، رأت المانيا وأيضا النمسا(النمساويون هم ألمان في قوميتهم وثقافتهم)في أن تفتح أبوابها لدخول آلاف من اللاجئين السوريين دون تحديد عددهم. إن هذه الخطوة التي خطتها الحكومة الالمانية تحمل في طياتها الكثير من الدلالات التاريخية والانسانية والمستقبلية. فألمانيا الموسومة في الماضي بالعرقية وتنظيم مجازر رهيبة نفذتها الآلة النازية المجرمة بحق شعوب كثيرة وفي مقدمتها اليهود الذين عاشوا بين ظهراني الاوروبيين، وكان ذلك عشية وخلال الحرب العالمية الثانية، تخرج نفس هذه الدولة لتعلن أنها مع الشعوب المظلومة من قبل حكامها، وأنها تفتح يديها لتحتضن الآلاف من السوريين والفلسطينيين وغيرهم.

سالت دموعي فرحا وتأثرا برؤيتي عبر شبكات الاعلام التلفزيونية والالكترونية مظاهر الاستقبال التي جرت في محطات القطارات في النمسا وفي المانيا، وتحديدا في ميونيخ وغيرها. رُفعت يافطات الترحيب بالالمانية والعربية وغيرها من اللغات التي يمكن فهمها بوضوح.
إن هذه الخطوة التي خطتها ألمانيا قلبت المعايير والمقاييس كلها، فالدولة والشعب اللذين كانا موسومين بالجريمة والخطيئة، نزعا عنهما تلك الوصمة، واعلنا المصالحة مع نفسهما ومع العالم. إنها المصالحة التي تفتح أبوابا مغلقة ومقفلة من صنع الانسان. هذه المصالحة تؤكد أن الشعب الالماني قد بلغ درجة من الرقي الحضاري، ودرجة من الفكر السليم والثقة بالنفس ليقول للعالم، نحن مع الانسان ولسنا دعاة بناء جدران عازلة.
وللفائدة التاريخية فإن المانيا قد عاشت بعد الحرب العالمية الثانية عقودا من الستار الحديدي الذي فصل بين شعبها في شقي المانيا: الغربية والشرقية. عرفت المانيا بحكوماتها منذ اكثر من ربع قرن وبشعبها أن الجدران غير ابدية، وان كرامة الانسانية هي في المكان الأول.

هذه الخطوات التي عاشها الالمان منذ تحطيم جدار برلين وحتى اليوم، هي في حد ذاتها رافعة قوية لتطبيق فكر التصالح مع الذات، والتصالح مع الآخرين في كل أنحاء العالم.
ففي المكان الذي يهان فيه الانسان في الشرق الاوسط ولا يجد من يأويه من ابناء جلدته من خليجيين ومشرقيين يجد هذا الانسان ان كرامته التي جرحت يوجد من يشفيها، هناك في اوروبا القارة العجوز.
وفي أعقاب هذه الخطوة الانسانية الجريئة التي اطلقتها المانيا، اعلن البابا فرنسيس الأول عن خطوة مميزة داعيا الاوروببيين من ابناء كنيسته إلى أن تحتضن كل عائلة اوروبية عائلة لاجئين. وبهذا الاعلان يفتح الفاتيكان يديه ليضم الانسان المكلوم ايا كان دينه ومذهبه وقوميته، فالإنسان هو الإنسان.
مقابل ذلك فإن حكومة اسرائيل ممثلة برئيسها نتنياهو ترفض ان تفتح حدودها لاستقبال لاجئين سوريين. كان الأجدر بإسرائيل لأن تتصالح مع جيرانها وتخطو الخطوة الاولى نحو مصالحة تاريخية مع الشعب الفلسطيني المكلوم إلى يومنا هذا من آلتها الحربية، لتثبت للعالم أن الشعب اليهودي الذي اضطهد ولوحق وذبح وفق الرواية الصهيونية، هو على استعداد كبير لأن يشعر بآلام الشعوب الأخرى، وخاصة الذين يعيشون في هذه المنطقة. لكن حسابات نتنياهو مختلفة كليا، إنه غارق في عقدة الديموغرافية والجغرافية لدرجة انه لا يرى ما يجري من حوله. بل بالأحرى هذا هو الوقت الصحيح لأن ترفع اسرائيل حصارها عن قطاع غزة وتمنع وقوع كارثة انسانية ستعود بتداعياتها السلبية الخطيرة على الفلسطينيين في غزة وعلى اسرائيل وشعبها. فهل هناك من يتعظ في اسرائيل بما يجري الآن في المنطقة وفي اوروبا؟
المانيا التي اعترفت حكوماتها السابقة من الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم بما سببه المجرم النازي، وسارت على طريق المصالحة الذاتية من خلال اعترافها بما اقترفته يدها في الماضي، هي المانيا ذاتها التي تعرف كيف تتصالح مع ذاتها ومع الغير، لتفتح صفحة جديدة في العلاقات الانسانية في اوروبا وفي العالم.
شكرا لألمانيا ولشعبها لفتحهم باب وطنهم لاستقبال اللاجئين من سوريا. وشكرا لكل بلد يسعى إلى تضميد جراح متألمين ومحزونين. وشكرا لدعوة البابا المليئة بالانسانية والمحبة. فهل يتعظ حكام العرب وخاصة الخليجيين في فتح باب أوطانهم لحل أزمة اللاجئين إلى ان تنفرج الازمة في سوريا، أم ان بعضهم سيستمر في ضخ الأموال والسلاح لقتل البشر وتدمير الحجر وقطع الشجر؟

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة