الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 10:02

وما زالت المقاطعة مستمرة/ بقلم: د.محمود الخطيب

كل العرب
نُشر: 12/07/15 11:11,  حُتلن: 07:35

د. محمود الخطيب في مقاله: 

مصيبة كبيرة أن معدل العربي في القراءة صفحة واحدة في السنة بينما معدل اليهودي ثلاثين كتابا حسب احصائيات الأمم المتحدة للعام 2011!

عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها ولا يعني استعمالنا لأدوات تكنلوجية معقدة التركيب وانتفاعنا بها ما دمنا لم نصنعها أننا صرنا حكماء

عندما بدأت بكتابة الدكتوراة قال لي المرشد بعد أن قرأ بعضا مما كتبت: "هل تقرأ وتطالع الكتب؟" فقلت: "نعم" فقال: "واضح جدا أنك تطالع الكتب لأنّ الذي يقرأ الكتب فأنه لن يجد صعوبة في الكتابة، أكثر المتعلمين العرب الذين احتككت بهم لا يقرأون الكتب"، انتهى قوله. فالأكاديميون العرب في الألقاب الأولى والثانية والثالثة يجدون صعوبة كبيرة في كتابة الوظائف، والسبب الرئيسي لهذه الصعوبة انهم لا يطالعون الكتب. والصراحة أني بت أكفر بالألقاب الجامعية، فهي لا تدل على شيء، سوى أن صاحبها يعرف قليلا في موضوع ما اتخذه مهنة له... فكم نُحمل هذه الألقاب فوق طاقتها..

مصيبة كبيرة أن معدل العربي في القراءة صفحة واحدة في السنة، بينما معدل اليهودي ثلاثين كتابا حسب احصائيات الأمم المتحدة للعام 2011! مصيبة أكبر أنه لا تتعدى نسبة الذين يقرأون الكتب من المتعلمين أصحاب الشهادات الجامعية في مجتمعنا 10%، طبعا دون التطرق إلى معدل عدد الكتب التي تُقرأ سنويا عند الـ 10% الذين يقرأون.. فمن العيب أن تمر سنة وأنت لم تقرأ كتابا واحدا، إذا لم تقرأ على أقل تقدير كتابا واحدا في الشهر فأنت في وضع مزرٍ، وبحاجة إلى أن تدخل إلى غرفة الإنعاش.

أنا لا أعتقد ان في مجتمعنا أكثر من شخص واحد من كل 1000 ينهي كتابا في الشهر.. مع ان الإحصائيات تقول اكثر من ذلك.. الا ان هذه الإحصائيات مبنية على تصريح شخصي وليس على متابعة لسلوك الشخص. وعندما يسأل الناس اي سؤال فانهم يحاولون ان يجيبوا على السؤال بما هو مقبول اجتماعيا.. وفي حال السؤال عن المطالعة فقسم منهم، وخصوصا الأكاديميين، يحاولون الإجابة بنعم مع انهم في الواقع لا يقرأون..
أذكر هنا انه بمناسبة أسبوع الكتاب أجريت مسابقة في الدولة العبرية للمطالعة بين طلاب المرحلة الثانوية.. الذي فاز في المرتبة الأولى قرأ خلال السنة الماضية: 450 كتابا.. ملاحظة: حسب تعريف الأمم المتحدة يعتبر الإصدار كتابا عندما يفوق عدد صفحاته الـ 50 صفحة.. السؤال من قرأ من طلابنا 450 "صفحة" خلال السنة الماضية؟ يستحقون لقب "شعب الكتاب" "עם הספר".

أصبح مصطلح أميّ كما يُصطلح عليه اليوم لا يناسب عصرنا، فكما هو معلوم أنّ الأمي هو الذي لا يعرف الكتابة والقراءة. حسب هذا التعريف فإن أكثر من 90% من العرب ليسوا بأميين، إذا فلا توجد مشكلة! لذلك فأنا أقترح أن يتم تحديث المصطلح ليصبح "الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب"، فيكفي أن يمر عليك شهر دون أن تقرأ أو تطالع كتابا من أوله لآخره، ودون أن تكتب مقالا أو فكرة أو مجموعة أفكار لتكون أميا.

وأذكر هنا انه عندما كانت تنوي شبكة حوانيت ستيماتسكي التي تبيع الكتب نشر الجريدة الفرنسية التي فيها رسومات مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم لم يجرأ العرب في الداخل الفلسطيني على رفع شعار مقاطعة الشبكة.. بينما في كل ما يتعلق بالمقاطعات السابقة التي تتعلق بمنتجات الطعام كان يشهر سيف المقاطعة فورا.. يبدو اننا مدركون اننا مقاطعون للكتاب والثقافة واصبحت هذه الحقيقة جزء من واقعنا.. فعلا لو اعلنوا المقاطعة على سيتيماتسكي لكانت نكتة الموسم وكان يمكن ان يكون شعار هذه الحملة: "وما زالت المقاطعة مستمرة".

نحن نفتخر بأنّ ديننا يشجع على العلم وهو كذلك ونحن لسنا كذلك.. نفتخر بأننا أمة اقرأ وهي كذلك ونحن لسنا كذلك.. ونكتفي بالشعور اللذيذ الذي يمنحنا إياه الفخر.. ولا نطمع بالفائدة الكبيرة التي يمنحنا إياها التعلم والمطالعة.. ما أشدّ قناعتنا بالعلم مع أن الشيء الوحيد الذي أمر الله به نبيّه في القرآن ألا تكون لديه قناعة فيه هو العلم، قال تعالى: "وقل ربي زدني علما". يقول المتنبي:

أماتَكُمُ من قَبلِ مَوْتِكُمُ الجَهْلُ **** وجَرّكُمُ من خِفّةٍ بكُمُ النّمْلُ

وكم من الطاقات تذهب هدرا.. إنّ غريزة حبّ الاستطلاع تتفاوت بين البشر.. وهي مثل أي غريزة أخرى قد تستعمل في خير وقد تستعمل في شر.. ويستعملها كثير من الناس في مجتمعاتنا في البحث وراء شؤون الناس.. وماذا أكلوا في العشاء؟ وماذا يلتهمون في الصباح؟ ولو أنّ البعض استعملها في خير وفي مكانها الصحيح، وفي العلم والمعرفة لأصبح علامة عصره.. ولأفاد واستفاد.. ولكنه فضل أن يتقوقع.

في فرنسا يعشقون الكتاب، ويقرأون بنهم كما نأكل نحن بنهم.. في فرنسا يقدسون الكتاب، ويتابعون أخبار المؤلفين الشخصية واليومية كما نتابع نحن أخبار المغنيات.. في فرنسا يحترمون الكتاب، حتى أنه في العام الماضي خرج كتاب فيه فقط مراسلات البريد الإلكتروني بين كاتبين كبيرين وذلك لشدة الشوق عند الناس لمعرفة الحياة الخاصة عند الكتاب كما عندنا يحبون ان يطلعوا على الحياة الخاصة عند الفنانين، في فرنسا يقرأ الفرد بالمعدل 34 كتابا سنويا، وعندنا.. نحن مثقفون بالولادة فلا نحتاج لأن نقرأ بالمعدل أكثر من صفحة واحدة سنويا.

إن ملكة حبّ التعلم تعني أنك تتعلم حتى لو لم تكن ستحصل على مقابل مادي، المقابل المادي قد يكون شهادة أو وظيفة أو عريسا أو عروسا... أنت تحبّ تعلّم اشياء جديدة، إما في الفصل الدراسي وإما بقواك الذاتية، إذن أنت تتمتع بهذه الملكة. وحتى لو كنت لا تتمتع بهذه الملكة فإنك مجبر على المطالعة، واقصد مطالعة الكتب، لأن الحياة تتغير بتسارع متسارع، فما تملكه اليوم من معلومات ومعرفه ستكون بعد 5 سنوات تاريخا لا يسمن ولا يغني من جوع. لذلك حتى تستطيع أن تتقدم على الصعيد المهني أو أن تعيش حياة أفضل فأنت بحاجة الى المطالعة.

إن عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها.. ولا يعني استعمالنا لأدوات تكنلوجية معقدة التركيب وانتفاعنا بها ما دمنا لم نصنعها أننا صرنا حكماء.. فابن البادية الذي لم يرى حاسوبا في حياته والذي عاش في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم آيات القرآن التي نحتاج نحن الى العلماء لنفهم معانيها أعظم حكمة ممن حصل لقبا جامعيا متقدما ويجلس والحاسوب والآيفون والسيارة بجانبه.. نحن حصلنا معلومات اما الحكمة فلم نحصل منها الا الشيء القليل..

الحقيقة أن الكتاب والكاتب ودور النشر العربية هي أيضا مسؤولة عن نسبة القراءة المتدنية عند الشعوب العربية.. الكتاب العربي بشكل عام ممل.. تشعر أن الكاتب يكتب ليظهر للآخرين أنه يفهم لا لأن يفهمهم.. أو أنه يكتب لنخبة غير موجودة.. أو أنه يسكب معلومات يمنة ويسرة..

في النهاية اعرف ان كلماتي قد تكون قاسية بعض الشيء، لكنها اقل قسوة من الواقع المر، عليك ان تعرف اخي واختي ان هنالك ثلاثة أنواع من الناس: أولئك الذين ينشئون الثقافة، وأولئك الذين يستهلكون الثقافة، وأولئك الذين لا يأبهون بالثقافة. وجّهوا حياتكم لتكونوا كأشخاص من النوعين الأول والثاني. ونختم بقول المتنبي:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح **** وخير جليس في الزمان كتاب

د. محمود الخطيب – مدرب ومحاضر أكاديمي

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة