الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 10:02

البعير الأجرب/ بقلم: بـ. أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 04/06/15 12:47,  حُتلن: 12:46

البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:

منذ أمد بعيد يعملون على جر السياسة الإسرائيلية إلى خانة اليهودية فيخلطون عن علم ودراية بين سياسة الغصب والقهر والاحتلال وبين يهوديتهم

أخطر ما يكون على أيّ شعب على كرة الأرض هو أن يجري الخلط بين سلوك قادته وبين انتمائه العرقي والديني

إن لم يَنْثَنِ قادة إسرائيل عن غِيّهم في استغفال العالم فإنّهم سيُلفظون من الأسرة الدوليّة كالبعير الأجرب

كاليتيم الذي عاش حياته على الصدقات، وحين اشتد ساعده أخذ يجول ويصول في الأسواق، يضرب هذا ويقلب بضاعة هذا. يتحرش بهذه ويشتم تلك، يسيء إلى الخلق ويقطع الطريق على الناس. أمّا إن لامه على أفعاله أحد، فسرعان ما يجهش في البكاء وهو يصيح: أنتم تستقوون عليّ لأنّي يتيم. .!!.

عجيب أمر هؤلاء، باسم اللاسامية، يحرّمون على الناس النقد، ويستهجنون لوم العالم لسياسة الاستيطان والبطش التي أصبحت في وعيهم فلسفة حياة. ليس لأيّ أحد في عرفهم أن يلومهم على ما يفعلون، لانهم بقرة مقدسة. ومن يفعل فقد ارتكب كبيرة بحق السماء، لأنّه يكون بهذا لاساميًا وعنصريًا مارقًا، ثم سرعان ما يفقد ما كان له من مكانة أو رصيد حتى بين شعبه وأهله، بل ويستثنى أحيانا من دائرة الشرعية.

منذ أمد بعيد، يعملون على جر السياسة الإسرائيلية إلى خانة اليهودية، فيخلطون عن علم ودراية، بين سياسة الغصب والقهر والاحتلال وبين يهوديتهم. في عرفهم اذاً، من ينتقد سياسة الاستيطان الكولونيالية ويعيب على أصحابها ظلمهم لشعب فلسطين وامتهانهم لحقوق الانسان، يجعل نفسه في مصاف اللاساميين الذين يكرهون اليهود أباً عن جد. معناه أن من ينتقد سياستهم هو عنصري كاره لليهود. مؤداه، أنّ سياسة إسرائيل مهما بلغت فظاعتها وبشاعتها، تبقى فوق النقد، لان النقد وفقا لمعادلتهم هذه، يكون انغماسا في اللاسامية، وهذا بطبيعة الحال لا يرضاه لنفسه أحد.

تقول العامة بالفاظها السوقية : "العالم كله ضدنا "، "العالم كله يكره اليهود، انهم لاساميون مَحَقَهم الله. .!" هكذا. .! ولكن ليت الأمر قد انحصر بالعامّة، فالرأس هو الذي تعفن ثم تبعه سائر الجسد! انهم اولئكم القادة القابعون هناك في النوافذ العلية.

وللحق نقول، إنّ استراتيجية الخلط بين السياسة الإسرائيلية العدوانية من جهة وبين الرمي باللاسامية من جهة أخرى، قد أصاب نجاحًا ملحوظًا في المحافل الدوليّة على مر العقود، خاصة اذا ما جرى تجنيد الكارثة النازيّة لإسناد المعادلة – كما يفعلون في العادة، وكما فعل نتنياهو في خطابه الشهير امام العالم من اجل ضرب مشروع ايران النووي. لكن الدول التي تعاطفت مع إسرائيل اعتمادا إلى تلك المعادلة، لا تستطيع اليوم أن تقنع شعوبها أنّ ما تمارسه إسرائيل لا يتناقض مع مبادئها وجاهةً- من حيث حماية الحريات والحقوق والعدل، وأنّ دور شعوب العالم الحر لا يمكن الا أن يكون مناهضًا للاحتلال والغصب والقهر. فالذي ينفض يده من تاريخ النازية البشعة – كما المانيا اليوم، لا يمكن أن يجعل نفسه في خانة من يساند الاعتداء على حقوق الانسان، أو أن يدعم الحصار والاحتلال. ومثله احفاد الثورة الفرنسية وأبناء الدستور الأمريكي. أمّا إن هم ظلوا يخافون من رجمهم باللاسامية رَدَحا من الزمان، فليس معناه ان الشعوب مصابة هي الأخرى بمرض الخوف زَمانَةً.

من ناحية أخرى، فإنّ هذا الخلط، إن جرى رصده من منظور موضوعي محايد، فانه يكون وبالا على اليهودية أولا، وعلى إسرائيل ثانيا. ذلك لأنّ أخطر ما يكون على أيّ شعب على كرة الأرض، هو أن يجري الخلط بين سلوك قادته وبين انتمائه العرقي والديني. فإن كانت سياستهم رديئة ظالمة وقع الوزر على عرقهم ودينهم، فنقول مثلا، إنّ الاحتلال هو وزر يهودي، وانّ التمييز بين المواطنين هو عنصريّة اليهود. إنّ هذا الخلط في محصلته النهائية، ينقل اوزار السياسة الإسرائيلية الغاشمة ليضعها على كاهل اليهودية. إذ ذاك يصبح اتهام اليهودية بقبح ما يفعلون، اتهاما مبررا – وبذا فانه يعاد جر الناس بسابق نية واصرار إلى اللاسامية حقا، وهو تماما ما لا يريدون له ان يكون، هذا لو كان فيهم رجل رشيد ! إن من يقود هذا التيار المسمى " اللاسامية الحديثة " وينظّر له دون ملل او كلل هو اليهودي الفرنسي المدعو برنانر اونري ليفي.

لقد قرر الاتحاد الوطني لطلبة بريطانيا الآن، مقاطعة إسرائيل بسبب الاحتلال والمستوطنات، وقبلها قرر عدد من اتحادات الطلبة في المملكة المتحدة كطلبة جامعة كرديف وميدل سكس، مقاطعة منظمات الطلبة اليهود، ومثلهم فعل صندوق التقاعد الهولندي وستفعل شركة اورانج، وغيرهم كثير. قال معلقوهم إزاء ذلك: إن هذا توجه لاسامي!

قبل أيام طولب اتحاد كرة القدم العالمي – FIFA، بالتصويت ضد إسرائيل إزاء تنكيلها بالرياضيين الفلسطينيين ومنعهم من التنقل بين الضفة والقطاع، واشراكها فرقا من المستوطنات في اتحاد كرة القدم. ومع انني أرى ما جرى في النهاية ما كان الا مسرحية هزيلة للدبلوماسية الفلسطينية العرجاء، بعد ان مُسِخ مشروع القرار مرتين، ولم يتمخض الا عن إقامة لجنة، فقد قال نتنياهو :" ان هذه حملة دولية لتشويه وجه إسرائيل " – وكأن وجه إسرائيل الاستيطان والقهر يشع جمالا وبهاءا. كما ادعى أن الدافع وراء هذه الحملة هو ليس سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين وإنما هو سلب حقها في الحياة! ترى ماذا كان سيقول هذا الرجل لو قال مدرب فرنسي عن اليهود ما قاله مدرب بيتار القدس – المدعو غاي ليفي – عن العرب: "ليس الوقت مناسبا لضم لاعب عربي للفريق".

إنّ عملية الاستغفال هذه للعالم - شعوبًا وحكومات، لن تدوم طويلا، فهي لم تعد تنطلي على أحد، تمامًا كمحاولة اسقاط مسؤولية الأفعال المشينة على أسباب لا شأن لها بها، فهذا انما يبقي الامر –في احسن احواله في دائرة نظرية الاسقاط المعروفة في علم النفس الاجتماعي باسم “Attribution Theory” مع أنّ السبب والمسبب في حالنا هذا واضحان كالشمس في رابعة النهار.

إنّ عمليّة المقاطعة والرفض لنهج السطوة والعدوان قد بدأت وستتعاظم، وإن لم يَنْثَنِ قادة إسرائيل عن غِيّهم في استغفال العالم، واختاروا أن يظلوا كالمبصر الذي لا يرى، والمنصت الذي لا يسمع، فانهم سيُلفظون من الأسرة الدوليّة كالبعير الأجرب.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة