الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 09:02

أميركا.. "الحليف" غير الموثوق/ بقلم: أسامة أبو ارشيد

كل العرب
نُشر: 22/05/15 08:24,  حُتلن: 08:26

أسامة أبو ارشيد في مقاله: 

لم تحقق القمة، التي عقدت الأسبوع الماضي، مطلبين رئيسين يقلقان الدول الخليجية

أقصى ما قدمته إدارة الرئيس بارك أوباما في الموضوع الإيراني هو الإقرار بأن إيران تقوم بأنشطة تزعزع الاستقرار في المنطقة، متعهّدة بالتصدي لها بالتوافق والتشاور مع الدول الخليجية

في موضوع العلاقات الأمنية المشتركة اكتفت إدارة أوباما بالتأكيد على استخدام "كل عناصر القوة لحماية مصالحنا في منطقة الخليج، ولردع ومجابهة أي عدوان خارجي على حلفائنا وشركائنا، كما فعلنا في حرب الخليج"

ما تقوم به إدارة أوباما فعلياً هو عملية استنزاف للعرب وإيران وتركيا في المنطقة

إن كان ثمة درس ينبغي للعرب تعلّمه اليوم، فهو أن أميركا "حليف" لا ينبغي أبداً الركون إليه أو الاستظلال باطمئنان تحت حائطه

سياسياً من حق الولايات المتحدة أن تفعل ما تراه في مصلحتها غير أنه من حق الدول الخليجية والعربية أن تفعل ما تراه في مصلحتها كذلك

 لم تخيّب قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية التوقعات، فجاءت بنتائج متواضعة، ودون مستوى الطموحات الخليجية، الأمر الذي عزّز القلق الخليجي، أو على الأقل ينبغي أن يكون الحال كذلك، من موثوقية "الحليف" الأميركي، وإمكانية الاعتماد عليه فعلياً.

لم تحقق القمة، التي عقدت الأسبوع الماضي، مطلبين رئيسين يقلقان الدول الخليجية. الأول، تعهّد أميركي صارم بالتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وضمان أن لا يؤدي رفع العقوبات الاقتصادية عنها، بموجب أي اتفاق نووي محتمل أواخر الشهر المقبل، إلى تعزيز وضعها إقليمياً، سواء عبر تسليح نفسها بأسلحة أكثر تقدماً، أم عبر تقديمها مزيداً من الدعم لوكلائها إقليمياً، وتحديداً في العراق وسورية ولبنان واليمن. أما المطلب الثاني الذي لم تنله الدول الخليجية، فتمثّل بمعاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، تلتزم بموجبه الأخيرة، قانونياً ورسمياً، بالدفاع عن أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، في حال وجود أي تهديد أو عدوان خارجي.

أقصى ما قدمته إدارة الرئيس بارك أوباما في الموضوع الإيراني هو الإقرار بأن إيران تقوم بأنشطة تزعزع الاستقرار في المنطقة، متعهّدة بالتصدي لها، بالتوافق والتشاور مع الدول الخليجية، مع تأكيد أوباما على أن "الغرض من أي تعاون استراتيجي (مع دول مجلس التعاون الخليجي) ليس إدامة مواجهة طويلة مع إيران، أو حتى لتهميش إيران". وكانت النقطة السابقة قد ضاعفت من قلق الخليجيين من حقيقة التعهدات الأميركية، خصوصاً حين يقول أوباما إن "الصراع" في سورية "قد لا ينتهي" خلال رئاسته، أو حين تمارس إدارته ضغوطاً على المملكة العربية السعودية والتحالف العربي لوقف ضرباتهم الجوية على مليشيات الحوثيين في اليمن، والأدهى مطالبتهم بتطوير علاقات أفضل مع إيران، وكأن الأخيرة ليست هي من يشعل فتيل التوتر في مناطق كثيرة في الإقليم.

وفي موضوع العلاقات الأمنية المشتركة، اكتفت إدارة أوباما بالتأكيد على استخدام "كل عناصر القوة لحماية مصالحنا في منطقة الخليج، ولردع ومجابهة أي عدوان خارجي على حلفائنا وشركائنا، كما فعلنا في حرب الخليج". مشيرة، في هذا الصدد، إلى أنه "في حالة وجود مثل هذا العدوان، أو التهديد به، ستكون الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع حلفائنا الخليجيين، لتحديد عاجل للرد المناسب، واستخدام كل الإمكانات المتوفرة لنا، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائنا"، غير أن هذه التعهدات الأمنية الأميركية لم تكن كافية، من وجهة النظر الخليجية، وخصوصاً أن الولايات المتحدة تؤسسها على تعزيز القدرات العسكرية الخليجية الذاتية، عبر عقد صفقات تسليح جديدة معها، وإجراء مزيد من التدريبات العسكرية، وربط دول مجلس التعاون الخليجي بمنظومة دفاعية صاروخية بالستية. أما مسألة معاهدة الدفاع المشترك وتضمين دول الخليج بالمظلة الحمائية الأميركية النووية، فقد رفضتها إدارة أوباما كلياً.
"من حق الدول الخليجية والعربية أن تفعل ما تراه في مصلحتها، وأن تبحث عن مقاربة جديدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، والتصدي لأنشطة إيران غير البنّاءة، بعيداً عن الابتزاز والاستنزاف الأميركيين"

ما تقوم به إدارة أوباما، فعلياً، هو عملية استنزاف للعرب وإيران وتركيا في المنطقة. فلا هي تنتصر لـ"حلفائها"، عبر المساهمة الفعالة في التصدي لأنشطة إيران المثيرة للقلاقل والصراعات في المنطقة، ولا هي تترك إيران طليقة اليد، متحررة من الضغوط والعقوبات، إلى حين انصياعها إلى الاشتراطات الأميركية. وبهذا، تبقى الولايات المتحدة هي الحكم الذي يطمع الجميع برضاه، من دون أن تتورط في معاناة اللعب وضغوطه، دع عنك رفد اقتصادها بصفقات تسليح بمئات من المليارات من الدولارات.
إدراك الدول الخليجية هذه المقاربة الأميركية هو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى قيادة تحالف خليجي، بالدرجة الأولى، للتدخل في اليمن، والتصدي لأنشطة إيران التخريبية فيه، عبر وكيلها الحوثي، ومن دون انتظار إذنٍ أو مساندة أميركية. كما أن إدراك القيادة السعودية ذلك هو ما عجّل بالتصالح مع قطر وتركيا، وتبني مقاربة أكثر استقلالاً (تنتهجها قطر وتركيا من قبل أصلاً) في معالجة شؤون المنطقة، والتصدي للتمدّد الإيراني فيها، وتحديداً في سورية واليمن. أيضاً، انعكس الاستياء السعودي من سياسات إدارة أوباما الغامضة، وغير الموثوقة في المنطقة، في تَغَيُّبِ الملك سلمان بن عبد العزيز عن القمة في "كامب ديفيد"، وإنابته ولي عهده ووليه بدلاً عنه.

إن كان ثمة درس ينبغي للعرب تعلّمه، اليوم، فهو أن أميركا "حليف" لا ينبغي أبداً الركون إليه، أو الاستظلال باطمئنان تحت حائطه. المصالح الأميركية لا تقوم على مبادئ أبداً، وساستها لا يخفون ذلك نهائياً، ويكفي تحالفها مع ديكتاتوريين قمعيين، بذريعة "الاستقرار"، والحفاظ على مصالحها الحيوية. وعملياً، المستجير بأميركا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

محور تركيز إدارة أوباما في المنطقة قائم على ضلعين اليوم. الأول، تحقيق اتفاق نووي مع إيران، وهي مستعدة في سبيل ذلك إلى دفع ثمن كبير، ولو كان على حساب حلفائها التقليديين في المنطقة، المطلوب منهم مباركة ذلك الاتفاق. والثاني، محاربة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، وهي في سبيل ذلك بحاجة إلى العون الإيراني. وممّا يزيد في تَعَزُّزِ إدارة أوباما على حلفائها الخليجيين، اليوم، إنتاجها مزيداً من النفط محلياً، ما يقلل من اعتمادها على نفطهم.
سياسياً، من حق الولايات المتحدة أن تفعل ما تراه في مصلحتها، غير أنه من حق الدول الخليجية والعربية أن تفعل ما تراه في مصلحتها كذلك، وأن تبحث عن مقاربة جديدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، والتصدي لأنشطة إيران غير البنّاءة، بعيداً عن الابتزاز والاستنزاف الأميركيين.

* أسامة أبو ارشيد- كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
* نقلًا عن العربي الجديد - لندن

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة