الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 06:02

الحلف الخليجي الأمريكي: تبعية أم ضرورة؟/ بقلم: مطاع صفدي

كل العرب
نُشر: 18/05/15 08:16,  حُتلن: 08:25

مطاع صفدي في مقاله:

 ما حدث في السياسة أخيراً هو الذي أعاد طرح مسألة الوجود أو عدمه من الأساس ـ وكل شيء آخر غير هذه السياسة الراهنة لن يحدث فارقاً حقيقياً في شيء

والمؤتمر مع أوباما كانت نتيجته الوحيدة أنه أثبت كل ما كان يحاول أن ينفيه فلقد تابع الجميع فصوله من جلسة إلى أخرى، ومن لقاء إلى آخر ومن خطاب لهذا المسؤول وذاك

الزعماء الحاضرون هناك كانوا يعلمون منذ البداية أنهم لن يُبدّلوا شيئاً من قناعات الرئيس الأمريكي وأن المطلوب من هذا المؤتمر هو تغيير انطباعاتهم هم

إن كان ثمة خلاصة يخرج بها الجانب العربي من قمة كمب ديفيد فهو أنه حان الوقت الذي يحرر فيه بعض قادة الخليج أنفسهم من أسر (الصداقة) الأمريكية في الوقت الذي يصر أوباما، ويجازف بسمعة عهده كلها جارياً وراء (تحرير) إيران

لا يمكن الاستغناء عن أمريكا. هكذا يقول لسان حال حكام الخليج وقد يكون اليوم بعضهم قد ازداد تشبثاً بتلك «العقيدة» وفي هذا المنعطف الحدي في نوعية العلاقة مع الأخ الأكبر ما وراء المحيطات

الغرب اتخذ قراره وراء زعيمه الأمريكي الأسمر باستئناف سياسة الإمبراطوريات الفرعية لامبرياليته المطلقة وبقي على العرب أن يعيدوا وحوش ماضيهم إلى أقفاصهم المظلمة وأن ينقذوا ربيعهم من قَتَلة ازهاره وذابحي أطفاله

يشعر الخليجيون أنهم أُخذوا على حين غرة. فالواقع هو الذي تغير. انقلبت موازين القوى رأساً على عقب. ليست هي الأقوال أو الآراء التي يمكنها أن تطلق هنا وهناك قادرةً حقاً على تغطية وقائع الأمور على الأرض. فقد اكتشف الناس فجأة أنهم أمسوا يتعاملون مع الفراغ. ما حدث في السياسة أخيراً هو الذي أعاد طرح مسألة الوجود أو عدمه من الأساس ـ وكل شيء آخر غير هذه السياسة الراهنة لن يحدث فارقاً حقيقياً في شيء.

والمؤتمر مع أوباما كانت نتيجته الوحيدة أنه أثبت كل ما كان يحاول أن ينفيه. فلقد تابع الجميع فصوله من جلسة إلى أخرى، ومن لقاء إلى آخر، ومن خطاب لهذا المسؤول وذاك. وخرج الجميع، هنا وهناك محبطين، كما جاؤوا منذ البداية. ولم يكن تخلّف بعض قادته الرئيسيين عن المشاركة سوى دليل مسبق على عقم نتائجه، أوباما نفسه لم يكن يملك سوى الوعود. كان نشاطه البلاغي والكلامي يشتغل على هوامش المشكلة وليس في متنها.

الزعماء الحاضرون هناك كانوا يعلمون منذ البداية أنهم لن يُبدّلوا شيئاً من قناعات الرئيس الأمريكي. وأن المطلوب من هذا المؤتمر هو تغيير انطباعاتهم هم. كأنما لا بد أن يتحقق هذا التغيير عاجلا أو آجلاً. ذلك أنه أمام الأمر الواقع تنتفي عادة كل الخيارات الأخرى في المحصلة، تلك المتعلقة بموضوعه تحديداً. ولكن يبقى التحول كلياً نحو موضوعات مختلفة تخص الطرف الثاني المضحّى به وحده.
ذلك أن كل الإجراءات الدفاعية حتى آخر تطوراتها لِرَدّ أقوى الصواريخ، لن تعوض عن فداحة الخلل الكبير فيما ستكون عليه معادلة القوة مع الخصم (المخيف) عندما سيطلق سراحه من سجن العقوبات الدولية، وتعاد إليه أمواله الفلكية المحجورة ويمارس علاقاته وتدخلاته الإقليمية بدون حسيب ولا رقيب. ومع ذلك لن تكون المشكلة في استرداد (الخصم) لحريات نشطاته السياسية، ولكنها في العقلية الموجهة، وهدفيتها الامبراطورية القروسطية المزمنة. هذه الهدفية التي لا يرى زعماء إيران من ساحة لها إلا العالم العربي والإسلامي، وبدءاً من الوطن المجاور الخليجي.

إن كان ثمة خلاصة يخرج بها الجانب العربي من قمة كمب ديفيد فهو أنه حان الوقت الذي يحرر فيه بعض قادة الخليج أنفسهم من أسر (الصداقة) الأمريكية في الوقت الذي يصر أوباما، ويجازف بسمعة عهده كلها جارياً وراء (تحرير) إيران.
أليست هي مركزية الاستراتيجية الدهرية للغرب تحت عنوان استهلاك الخصم بأفعاله وحدها. فلقد نجحت خطط توطين أعلى أشكال العنف الجماعي في المشرق العربي طيلة سنوات هذا «الربيع» الذي اعتقد ادعياؤه أنه هو الآتي بالحرية والكرامة إلى الشعوب المحرومة من طعم الحياة، فلم يأتهم فعلاً وواقعاً إلا بفظائع ما قبل التاريخ وكوارثه الجنونية الرهيبة…
هل هو هَوَسُ الإمبراطوريات لا يزال يركب عقولَ قادةٍ وأتباعٍ ودُعاة ومبشرين في هذه المنطقة من عالم القرن الواحد والعشرين.
إنها الإمبراطوريات الفارسية والعثمانية والعربية. وهي جميعها كانت لها تجاربها التاريخية. ولقد احتواها جميعها الإسلامُ فيما أنشأ من تفاعلها حضارة عظمى لصالح الإنسانية التي هي أمة الأمم كلها. لكنها كانت لها أدوارها ثم نُفيتْ إلى متاحف الثقافات العالمية. وجودها المتحفي ذاك هو دليل خلودها المعنوي، مع استحالة استعادتها أو تكرارها في سياق عصرٍ مختلف عنها في كل شيء.
ولأن انبعاثها راهنياً لن تكون له ثمة براهين إلا ما أتت به سنوات الفظائع الأربع الماضية؛ ليس هناك سوى فئويات المقتلات والأهوال إذ تكلّلها أساطير الجهل والغيبيات البدائية مع إباحة كل أصناف الجرائم الجماعية والفردية، فإن عودة المشاريع الإمبراطورية إلى أرض الإسلام، وانطلاقها خاصة من بعض جيران العرب لا تعني هذه العودة إلا تشريع وحشيات القرون الأولى مجدداً، وتحت أسماء الدين ومذاهبه المندرسة منها والمختلقة الجديدة.

حقاً فإنه لا يمكن الاستغناء عن أمريكا. هكذا يقول لسان حال حكام الخليج. وقد يكون اليوم بعضهم قد ازداد تشبثاً بتلك «العقيدة»، وفي هذا المنعطف الحدي في نوعية العلاقة مع الأخ الأكبر ما وراء المحيطات. غير أنه إذا كانت أمريكا هي حليف الضرورة الكبرى، إلا أن الخليج، بثرواته الطبيعية والمواقعية لا يزال وسيبقى يمثل حاجة حيوية أولى أمريكياً وعالمياً، فقد حان لدوله أن تنهض من مستوى الأتباع الصغار إلى سوية الأنداد لطالبي صداقاتهم؛ لكن متى يمكن لعلاقات التبعية أن تنقلب إلى علاقات تحالفات بين متساوين في الأقل من حيث القيم الإنسانية. أما الاعتبارات الحضارية فهي أمور نسبية، وتحصيل مراتبها لم يعد مستعصياً، وخاصة عندما يتوفر نوع الوعي بطبيعة الأخطار ذات التوجه الجماعي، أي حين يمكن للجيل الصاعد، ولمثقفيه الملتزمين أن ينقلوا السياسة الإقليمية من كونها ممارسة قبلية فخرية إلى صعيد استراتيجية وجودية شاملة.

إن كان ثمة درس يعود به زوار الخليج من ضيافة أوباما «الأخ الأكبر»، فهو أنه فات الآوان على محاولة تعديل ما جرى في سياق القرار الإيراني لأوباما. لكن، ربما ينفتح أمامهم عالم عربي وإسلامي، بدءاً من كل قطر خليجي وإلى عمق كل بيت في الوطن الأكبر. هناك حيثما أوطانٌ لكنوز الإنسانية وثرواتها اللانهائية فيما تحتاجه أعظم المدنيات الآتية.
ما يعنيه الأمن الخليجي اليوم، هو نداؤه على الأمن القومي. ليس للتعاون المتبادل، بل للتكامل العضوي والمدني. إنه برنامج عظيم وغير مسبوق. لعله نهضة ثالثة طال انتظارها يمكن لها أن تجمع لأول مرة بين قوى (الأمة) الثلاث: الثروة، والحرية والعقلانية.
إنه برنامج «الربيع» الحقيقي ناعياً لاغياً لكل النسخ الأخرى الزائفة عنه. ومحبطاً لاستراتيجية الاستهلاك المستدام تحت الأسماء الكبيرة المقدسة وأمثالها. ومن مدخل تجاوز أصناف حروب الأهليات والمذهبيات، بعد الإنتهاء من أساطير الإمبراطوريات اللاتاريخية من أجل إرساء واحد من مجتمعات الأسياد الأحرار من دون أية عبوديات.

الغرب اتخذ قراره وراء زعيمه الأمريكي الأسمر باستئناف سياسة الإمبراطوريات الفرعية لامبرياليته المطلقة. بقي على العرب أن يعيدوا وحوش ماضيهم إلى أقفاصهم المظلمة. أن ينقذوا ربيعهم من قَتَلة ازهاره وذابحي أطفاله. إنها مهمات لم تعد مستحيلة..

٭ مطاع صفدي- مفكر عربي مقيم في باريس 
* نقلًا عن القدس العربي

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة