الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 17:02

بيل غيتس يراهن على إكس بوكس 360


نُشر: 20/11/06 08:23

خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وقّع بيل غيتس مدير شركة «مايكروسوفت» العملاقة للكومبيوتر ومؤسسها، مجموعة كبيرة من الاتفاقات التي وُصفت بأنها أساسية، لأنها تتناول أموراً في عمق علاقة شركته بالمملكة. والجدير بالذكر ان مايكروسوفت تسعى بقوة للسيطرة على سوق الترفيه البصري الالكتروني، الذي تُجسّده الألعاب الالكترونية، ولإحداث تغيير جذري في مشهدية الترفيه البصري للقرن 21. وتنظر الى جهازها الجديد في الالعاب الرقمية «إكس بوكس 360» باعتباره فرس الرهان في هذا التغيير. وفي ما يأتي مقتطفات من مقابلات صحافية لغيتس عرض فيها وجهة نظره عن هذا الجهاز.
يتحدث بيل غيتس عن جهاز الالعاب الجديد «أكس بوكس 360» Xbox 360 الذي صنعته شركته، مايكروسوفت، بشغف واضح. ويُخصص أوقاتاً طويلة للمشاركة في حملات الترويج للجهاز، التي نظمّتها مايكروسوفت في الأسواق العالمية.




وتُعطي الحملات صورة عن الأهمية العالية التي تحوزها راهناً ألعاب الفيديو، التي استخف بها الجميع سابقاً. وقد تحوّلت الى قوّة أساسيّة في الثقاقة الحاليّة. أمضى غيتس، مع فريق تقني كبير، أكثر من ثلاثة أعوام في العمل بسريّة تامة لصنع أداة متطورة لألعاب الكومبيوتر، تتفوق على منافسيها لسنوات، وتُحوّل غرف المعيشة في البيوت الى شبكة من أعصاب رقميّة ولاسلكيّة، بحيث تُبدّل طرق التعامل مع الموسيقى والأفلام والصور والتلفزيون، وتُغيّر جذرياً صورة الحياة الاجتماعيّة.
وباعت مايكروسوفت من تلك الأداة ملايين القطع، منذ إطلاقها في تشرين الثاني 2001.
واللعبة تحتل المركز الثاني، وبفارق كبير، بعد لعبة شركة «بلاي ستايشن 2» التي تصنعها شركة «سوني» اليابانية. ويتنافس معهما جهاز الألعاب الشهير «نينتاندو».
ثمة ملمح غريب في تجارة الالعاب الرقمية؛ إذ تأتي الأرباح الأساسية من بيع الألعاب التي تشتغل على الأدوات الالكترونية، وليس من مبيعات الأجهزة نفسها. وبذا، يلخّص غيتس الهدف من صنع أول «أكس بوكس» في نشره، بانتظار جني الأرباح في المرحلة الثانية. ويرى ان المهم هو ان يتعلق المستهلك بالجهاز ويواظب على استعماله.
هندسة الاغراء:
المُدهش أن جهاز «أكس بوكس» صنع في مكتب عادي ضمن مباني شركة مايكروسوفت في «ريدموند»- سياتل، في واشنطن. ويُطلق على الركن الذي صنع فيه الجهاز اسم «الألفية»، وتُخصصه الشركة للمشاريع التي لا تجني ربحاً مُباشراً.
ويدير المشروع خمسة رجال، يحمل كل منهم لقب «نائب مدير مايكروسوفت». وعلى رغم خبرتها الواسعة بنُظُم التشغيل والبرمجيات والتطبيقات، فإن قدرة مايكروسوفت على صنع قطع الكومبيوتر محدودة. ولهذا أنشأت شركة صغيرة منفصلة ضمن مايكروسوفت للاهتمام بالـ «أكس بوكس». وأشرف بيتر مور، المُقرب من بيل غيتس، عليها. ويدير ج ألارد العمل الأساسي فيها. وقد تألق منذ العام 1993، حين كتب مذكّرة من 11 صفحة أقنعت غيتس بضرورة وصل الحاسوب الشخصي مع الانترنت. ويُعتبر من الأشخاص القلائل الذين يستطيعون تغيير اتجاه قوّة مايكروسوفت الساحقة. ويُنظر اليه باعتباره من «خلفاء بيل».
وتمثّلت أوّل المشاكل التي توجّب على ألارد مواجهتها، في الشكل الذي ستتخذه لعبة «أكس بوكس» الجديدة. إذ أن جهاز «أكس بوكس» القديم كبير وغير عمليّ، ويغلب عليه اللون الأسود الخالص وبحجم مسجّل الفيديو التلفزيوني التقليدي.
وتَلخّص الهدف في صنع تصميم جذّاب، من دون ان يبدو هشّاً؛ ويستقطب الآباء والأمهات والبنات، من دون خسارة جسارة الأبناء المُراهقين.
ولتحقيق هدفه، استقدم ألارد نحّاتاً من مدرسة الفنون في نيويورك. وعاونه نحاتان شابان أحدهما من سان فرانسيسكو والآخر من اليابان. وتوصل الجميع الى صنع تصميم مرح يشكّل «الاغراء» بالشراء المفتاح الاساسي فيه. كما اختيرت الألوان بناء لنصح مؤسسة فنية متخصصة.
وتوصلوا لصنع قاعدة بسيطة طولها 30 سنتيتمراً وعرضها 7 سنتيمترات، مزوّدة واجهة محدّبة وجوانب مقوّسة. وجاءت فكرة الصغر من هندسة البيوت اليابانية الصغيرة. وأعطته الأقواس لمسة انثوية، وكذلك لخلوه من الأسلاك. وصُنعت اشاراته من معدن الكروم باللون الأبيض الباهت، الذي يُسمى «البارد المعتدل». وبالنسبة لكثيرين، بدا الجهاز وكأنه من صنع «سوني» أو «آبل»، ما أثار ارتياحاً لدى مايكروسوفت.
يرتكز عمل جهاز «أكس بوكس 360» على ألعاب الفيديو. ويُعتبر الجهاز الأول الذي يضمّ ألعاباً عالية المستوى في الوضوح في الصورة والصوت، تدعمها شاشة كبيرة وأنظمة صوتيّة متطوّرة من نوع «دولبي 5.1».
وفي مثال مُعبر، يمكن مقارنة لعبة الغولف «تايغر وودز» في جهازي «أكس بوكس» القديم والجديد. ففي القديم، يبدو العشب كبساط أخضر جامد، بينما يتحرك كلّ جزء من العشب في الجهاز الجديد، ويتمايل حسب الايقاع الخاص به. وفي القديم، تظهر الأشجار بظلال غير متقنة ودائريّة؛ بينما حظيت كلّ ورقة من الأشجار بالظلّ المناسب لها على الأرض، في الجديد.
وفي مثال آخر، تتميز شخصيات لعبة «الأب الروحي»، المستوحاة من ثلاثية الأفلام الهوليودية الشهيرة، بالعامل الدرامي الذي يطبع وجوهها بالتجاعيد والخطوط والنمش. ويؤشر ذلك الى ان التقنيات الالكترونية، برقاقاتها ومُعالجاتها وأقراصها الصلبة، ليست سوى جزء من لعبة صنع أجهزة الألعاب الالكترونية.
وتُعطي لعبة القتال العسكري «نداء الواجب 2» Call of Duty 2 في «أكس بوكس 360»، نموذجاً جيداً عن عمل الجهاز، وهي تمتلئ بالمعارك العشوائية، كما يمكن تنفيذ المهمة أو الموت أثناء المحاولة. وتتصاعد فيها غيوم من الغبار والدخان، فتحجب الشمس وتمتزج بألوان الحرب. وتبدو الفوضى عارمة والمعركة ضارية. ولم تحجب العناية بأفلام الحركة، الاهتمام بحضور الأفلام الكوميديّة والدراميّة، بهدف جذب أفراد العائلة كافة.


السيطرة على غرفة الجلوس:
لدى مايكروسوفت مستند داخليّ بالغ السريّة مؤلف من 147 صفحة، ويحمل اسم «زينون» Xenon . وتشكّل هذه الكلمة الرمز السرّي لاسم «أكس بوكس 360 «. ويجسّد الكتاب استراتيجيّة الشركة الكاملة لهذا الجهاز. تحتوي أجزاء واسعة من الكتاب على ما يسمّى أسلوب عيش الترفيه الرقمي.
ويرتكز الأسلوب الى فكرة أنّ الأفلام والموسيقى والألعاب وآلات التصوير والهواتف وشاشات التلفزيون تصبح رقميّة، ما يغيّر علاقتنا بهذه الأدوات من جهة والطريقة التي ترتبط فيها الأدوات الالكترونية ببعضها البعض، خصوصاً لجهة ميلها للاندماج في نظام محمول، ما يُعرف باسم «التلاقي الرقمي» Digital Convergence.
ولذا، يقدّم جهاز «أكس بوكس 360» خيار تشغيل الأقراص الموسيقيّة. كما يمكن استخدامه للأغاني، إضافة الى وصله مع جهاز «أي بود» iPod الذي تصنعه شركة «آبل». وكذلك يمكن وصله الى الكاميرات الرقميّة، إضافة الى ملاءمته تقنية الاتصال اللاسلكي مع الانترنت عبر شبكات «واي فاي» السريعة.
ويمتدّ طموح «أكس بوكس 360» الى لعب دور جهاز الاتصالات، وخصوصاً باستخدام الانترنت. وصممت مايكروسوفت برنامجاً لهذه الاتصالات اسمه «أكس بوكس لايف» Xbox Life . ويمكن استخدامه في اللعب ضمن مجموعات، وكذلك لتوزيع أفلام الالعاب ولبيع الألعاب أيضاً.
ومن المستطاع استعمال «أكس بوكس لايف» للاتصالات الهاتفية البعيدة عبر الانترنت. وتزمع الشركة إضافة خدمات البريد الالكتروني والدردشة الفورية اليه، إضافة الى القدرة على بث الصور وأفلام الفيديو القصيرة وغيرها.
وبذا، يتجاوز «أكس بوكس» مجال الالعاب الالكترونية تماماً.
وبالاختصار، لقد وضعت مايكروسوفت صندوقاً في غرفة الجلوس. دخل بحجّة بريئة متذرّعاً بأنه جهاز لألعاب الأولاد ولكنه التهم مشغّل القرص المدمج ومشغّل قرص الفيديو الرقمي، ويصبو لالتهام الهاتف والخليوي أيضاً. ويتكلّم مع جهاز الموسيقى «أي بود»، والكاميرا الرقمية، إضافة الى الكاميرا الرقميّة والتلفزيون والستيريو والكومبيوتر وبطاقة الاعتماد والانترنت.
بين المراهنة والمبالغة:
يعبّر غيتس عن قلقه من المبالغة في اتساع هذه الطموحات. ويقول: «يجب التفكير به لا كمسيطر على النظام الكوني الرقمي ولكن كلاعب أساسي فيه». ويبقى السؤال الأهمّ: هل ستسيطر مايكروسوفت على صناعة الترفيه اليومي بواسطة «أكس بوكس 360» كما سيطرت على صناعة الكومبيوتر عبر نظام «ويندوز» Windows ؟ وهل تُرسي التكنولوجيا القويّة الأساس للامساك بالسوق، فيتولّد تدريجاً نوع من الاحتكار المُربح حولها؟ وفيما تصبح الموسيقى والأفلام رقميّة، تتحوّل تجارة الترفيه الى تجارة أجهزة وبرامجيّات كومبيوتر، ما يفرض صناعة البرنامج الرئيسي الذي تعمل عليه تلك الأجهزة كلها.



ولا تزال «بلاي ستايشن 2» تحتفظ بمركزها في سوق ألعاب الفيديو ﺒـ 25 بليون دولار: وتبلغ نسبة مبيعاتها 68 في المئة من إجمالي السوق. وتُسجل مايكروسوفت 17 في المئة، و «نينتاندو» 15في المئة، وفقاً لاحصاءات «مؤسسة أبحاث السوق» الاميركية.
ومنذ العام 2000، انطلق تحوّل نوعي غير مسبوق تمثّل في ظهور الموسيقى الرقميّة، وتسارع التطوّر في الكاميرات الرقمية، والاستعداد للانتقال الى التلفزيون العالي الوضوح وغيره من الشاشات الرقمية المتطورة. كما تسارع انتشار خطوط الانترنت السريعة، التي تُنقل أيضاً عبر موجات اللاسلكي. ولم يعد عصر الانترنت المنزلي بعيداً. وبطريقة ما، يحاول جهاز «أكس بوكس 360» جمع هذه الابتكارات معاً.
وقد يكون العمل البارع لمايكروسوفت في اتخاذ خطّ حسّاس بين مبدأين متناحرين هما الانفتاح والانغلاق. وكائناً من كان القائد الذي يتربّع في غرفة الجلوس، فهو يتحكّم بتدفّق سلسلة النقاط الالكترونية التي تغيّر تركيبة عيشنا وثقافته بالكامل.
انها مسؤوليّة كبيرة، وامتحان صعب لأي شركة لأنها تطمح دائماً الى استخدام هذا النوع من القوّة ليقتحم عالم المنافسة. وإن كان جهاز «أكس بوكس 360» يطمح للاستيلاء على الاجهزة المنزلية كلها، فهل يظل ممكناً مشاهدة أفلام على اسطوانات الفيديو الرقميّة المصنوعة في شركة «سوني» مثلاً؟ تميل مايكروسوفت للاجابة بنعم. وهل يبثّ أغاني من شبكة موسيقى تملكها سوني على الانترنت؟ أو انه يتلقّى رسائل فوريّة عبر البريد الالكتروني؟ وهل يمكن وصله بكومبيوتر يعمل ببرامجيّات «ماك اوس اكس» Mac OSX وليس «ويندوز»؟ تُرجح مايكروسوفت ان يكون الأمر كذلك اذا صنع جهاز بخيارات كثيرة يأتي بالأرباح إذا مارس سياسة الانفتاح، وليس إذا انغلق على نفسه.

 

مقالات متعلقة