الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 15:02

ما تحمل نتائج الانتخابات الإسرائيلية؟ /بقلم:د.إمطانس شحادة

كل العرب
نُشر: 20/03/15 10:26,  حُتلن: 16:11

 د.إمطانس شحادة في مقاله:

نتائج الانتخابات توضح الكثير من المعاني عن المنظومة السياسية والحزبية وعن المجتمع الإسرائيلي تحتم التوقف عندها بإمعان

 الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تحمل جديد في المشهد السياسي والحزبي ولا في القناعات السياسية لدى المجتمع الإسرائيلي

من أبرز النتائج التي تعزز التوجهات القائمة في المجتمع الاسرائيلي في العقدين الأخيرين، أن انتقال المصوتين يكون داخل المعسكرات السياسية وليس بين المعسكرات

هذه الحكومة سوف توقف مسرحية المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بشكل رسمي وتعمق السياسيات الاقتصادية النيو-ليبرالية وترفع منسوب الكراهية والعنصرية تجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل

لم تغير نتائج الانتخابات الاسرائيلية على عكس بعض التكهنات، من المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، ولم ينهزم حزب الليكود الحاكم. بل عززت من مكانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، وأكّدت تفوّق معسكر اليمين ويمين الوسط في المشهد السياسي في إسرائيل. إذ حصل حزب الليكود على 30 مقعدًا (مقابل 31 مقعدًا حصل عليه حزب الليكود-بيتنو في انتخابات 2013 منها 24 مقعدًا لليكود)، وحاز معسكر اليمين على 44 مقعدًا (الليكود؛ البيت اليهودي ويسرائيل بيتنو)، وحزب يمين الوسط "كلنا" على 10 مقاعد، والأحزاب المتدينية-الحريدية على 13 مقعدًا وهي أقرب إلى معسكر اليمين (شاس 7 ويهدوت هتوراه 6). أي أن مجموع ما حصلت عليمه الأحزاب التي تشكل الشريك الطبيعي لحزب الليكود في الحكومة هو 67 مقعدًا. بينما حصل حزب اليسار ميرتس على 5 مقاعد ويسار الوسط على 35 مقعدًا ("المعسكر الصهيوني" على 24 مقعدًا وحزب يوجد مستقبل على 11 مقعدًا). أي أن مجموع ما حصلت عليه الأحزاب التي يمكنها أن تشكل شراكة لائتلاف يسار الوسط هو 40 مقعدًا. بينما حصلت القائمة المشتركة على 13 مقعدًا.
نتائج الانتخابات توضح الكثير من المعاني عن المنظومة السياسية والحزبية وعن المجتمع الإسرائيلي، تحتم التوقف عندها بإمعان. جزء من هذه النتائج لا يحمل الجديد بل يعزز التحولات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي منذ سنوات عديدة.

من أبرز النتائج التي تعزز التوجهات القائمة في المجتمع الاسرائيلي في العقدين الأخيرين، أن انتقال المصوتين يكون داخل المعسكرات السياسية وليس بين المعسكرات. فقد حصل معسكر اليمين ويمين الوسط في الانتخابات عام 2013 على 56 مقعدًا (الليكود-بيتنو والبيت اليهودي وحزب كديما وحزب شاس)، بينما حصلت هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة قبل أيام على 61 مقعدًا (الليكود 30؛ كلنا 10؛ البيت اليهودي 8؛ يسرائيل بيتينو 6 و شاس 7). هذا الارتفاع جاء بالأساس نتيجة لعودة مصوتين ينتمون أصلا إلى معسكر اليمين كانوا قد صوتوا في العام 2013 لحزب "يوجد مستقبل" وحزب كديما، كنوع من أنواع التصويت الاحتجاجي. إلا أن التحول الأبرز في معسكر اليمين ويمين الوسط هو انتقال المصوتين داخل المعسكر نفسه، خاصة من حزب البيت اليهودي ويسرائيل بيتنو إلى حزب الليكود وحزب "كلنا". الأمر الذي يشي بعدم حصول تحولات في المواقف السياسية والأيديولوجيا لدى ناخبي معسكر اليمين إنما تحول في تقييمهم للقيادات وأدائها. كذلك الأمر في معسكر يسار الوسط الصهيوني. إذ ارتفع عدد مقاعد "المعسكر الصهوني" من 21 مقعدًا في انتخابات 2013 (حزب العمل 15 وحزب الحركة 6) إلى 24 مقعدًا، أي بزيادة 3 مقاعد جاءت بالأساس على حساب حزب يوجد مستقبل وميرتس.
من الواضح أيضا حصول ارتفاع في نسبة التصويت لدى المجتمع الإسرائيلي، جاءت بالأساس نتيجة التحريض الأرعن الذي قام به نتنياهو وأحزاب اليمين تجاه المواطنين العرب، حفزت الفئات الخاملة المؤيدة لحزب الليكود على التصويت. إلا أن ارتفاع نسبة التصويت لم تغير الكثير فيما يتعلق بتقسيم المقاعد بين الأحزاب الصهيونية، بل أن الانتقالات داخل المعسكرات هي التي حددت صورة الكنيست الجديدة. هذا يُفَسَر، كما أعتقد، بسبب هيمنة خطاب سياسي يميني في المجتمع الاسرائيلي. هيمنة هذا الخطاب، هي النتيجة الأبرز الثانية في الانتخابات الإسرائيلية، يُفَسِر، من جهة، فشل محاولة استعمال المحور الإجتماعي الإقتصادي في الحملات الانتخابية من التأثير على نتائج الانتخابات، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية والجوانب الأمنية في الحملات الانتخابية، من جهة أخرى، حاولت بعض أحزاب المعارضة التركيز على المواضيع الاقتصادية الاجتماعية في حملتها في منافسة حزب الليكود، لسببين رئيسيين: الأول، اعتقادها أن هذا المحور يشكل الخاصرة الرخوة ونقطة ضعف لدى نتنياهو، تُمكِّن من تجنيد مصوتين مستائين من سياسات نتنياهو الاقتصادية، وثانيا لأن هذه الأحزاب لا تعرض بديلا سياسيًا واضحًا ومختلفًا في محور القضية الفلسطينية والاحتلال عن الموقف الرسمي والمعلن للحكومة الإسرائيلية الأخيرة، وإنها على قناعة أن أي طرح يخرق حدود الإجماع الإسرائيلي سوف يؤدي بالضرورة لخسارتها أصواتًا. الحزب الوحيد الذي نجح في استعمال الخطاب الاقتصادي-الاجتماعي هو حزب "كلنا"، كون رئيس الحزب موشي كحلون ينتمي تقليديًا لمعسكر اليمين ولا يعرض برنامج سياسي مغاير.

يمكن القول إن المحور الاقتصادي الاجتماعي لم ولن يتحول إلى محور أساسي في الانتخابات الإسرائيلية وأنه لا يحسم نتائج الانتخابات، وما زالت القضايا السياسية الأساسية مثل العلاقات الخارجية والأمن والقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال هي الأساس، لكن بما أن المعسكرات المتنافسة لا تطرح برامج متناقضة (سوى حزب ميرتس) في هذه المحاور، لم تتحول تلك المحاور الى قضايا أساسية في الحملات الانتخابية.
عبرة ثالثة من الانتخابات الأخيرة تكمن في شخصنة الحملات الانتخابية. إذ شاهدنا كيف ركزت الأحزاب المتنافسة على شخصية نتنياهو وتصرفاته وإدارته للحكومة ولبيته أيضا، من جه، وعلى شخصيات المرشحين المتنافسين واختلافها عن نتنياهو من جهة أخرى. بل أن غالبية الحملات الانتخابية عرضت رؤساء القوائم وتجاهلت بقية المرشحين. هكذا كان في المعسكر الصهيوني واختياره لشعار "قيادة مسؤولة"، وهكذا كان لدى حملة حزب كلنا وكذلك لدى حزب يوجد مستقبل والبيت اليهودي.

استنتاج إضافي، رابع من نتائج الانتخابات هو فشل التحالفات والتكتلات الحزبية في تغيير موازين القوى. فقد فشل تحالف هرتسوغ-ليفني (المعسكر الصهيوني) من تحقيق انجاز انتخابي حقيقي. إذ حصلت هذه الأحزاب معا في الانتخابات السابقة على 21 مقعدًا، وفي الانتخابات الحالية على 24 مقعدًا. بهذا المعنى لم ينجع التحالف في إقناع الشارع الإسرائيلي أنه بديل حقيقي وجدي لحزب الليكود ومن انتزاع مصوتين من معسكر اليمين. وهذا ما حصل أيضا في العام 2013 حين تحالف الليكود مع يسرائيل بيتينو (الليكود-بيتنو) حين حصل على 31 مقعدًا في انتخابات 2013 بينما كان لديهم قبل الانتخابات قرابة 40 مقعدًا.

للتلخيص يمكن القول إن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تحمل جديد في المشهد السياسي والحزبي ولا في القناعات السياسية لدى المجتمع الإسرائيلي. لكنها عززت الوجهات القائمة في المواقف السياسية والقناعات الأيديولوجية، وزادت من سيطرة أحزاب اليمين ويمين الوسط على الكنيست الإسرائيلي، وسوف تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة متناغمة سياسيًا أكثر من الحكومة السابقة. هذه الحكومة، وفقًا لمواقف وتصريحات نتنياهو وشركائه، سوف توقف مسرحية المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بشكل رسمي، وتعمق السياسيات الاقتصادية النيو-ليبرالية وترفع منسوب الكراهية والعنصرية تجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل. بقعة الضوء الوحيدة في هذه الانتخابات هي نجاح القائمة العربية المشتركة، والتي عليها أن تعمل على طرح مشروع عمل سياسي جماعي للفلسطينيين في الداخل وتقدم مطالب جماعية تتكاتف كافة التيارات والمؤسسات العربية، البرلمانية وغير البرلمانية، للنضال من أجلها.

مقالات متعلقة