الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 09:01

نحن مسلمون/بقلم:عمر ابو جابر

كل العرب
نُشر: 27/12/14 08:49,  حُتلن: 08:59

كان الهدف الذي ترمي اليه دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي أن تنقذ هذه الانسانية من الجهالة التي كانت تعانيها، والضلالة التي كانت ترزخ تحت وطأتها، والخرافات التي كانت مستغرقة فيها، أن يتلاقى الذين يؤمنون به عند غرض واحد، واتجاه واحد، وهوى واحد، تجمعهم عليه كلمة التوحيد، وقبلة الصلاة، وإتفاق مواقيت هذه التكاليف، فلا يشذ واحد، ولا يخالف انسان.

وكان شعاره الذي نطق به كتابه، ونادى به نبيه صلى الله عليه وسلم "وان هذه امتكم أمة واحدة" ولا تحتمل كلمة واحدة الا الإمتزاج والترابط والتآخي والتعاون والحب والايثار والرحمة وكل ما من شأنه أن يؤلف المتفرق، ويجمع الشمل، ويغرس في النفوس العطف والميل، والبر والمعروف، والصفو وإتساع القلوب. حتى لا يكون هناك حقد ولا حسد، ولا نفور او كراهية، وكأنما كان كل واحد يشعر من داخل نفسه ان اخاه يكلمه، وان غيره قطعة منه، وان الابوة والامومة التي ابتدأت بأدم وحواء ستظل قائمة الى يوم الدين.

وهناك يحس أن الرباط الذي يربطه بسواه استجابة للطبع وحنين الى الاصل. وان الدين الذي يؤكد ذلك إنما ينبه فقط الى ما عسى أن يكون قد غطى عليه النسيان في زحمة الحياة لا اكثر ولا أقل. الناس سواسية,, هذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.. المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم ادناهم، وهم يد على من سواهم، والمسلمون من غير شك كانوا من اول يوم يدينون بهذا المبدأ، ويؤمنون بهذه الحقيقة، يوم أن آووا ونصروا، وكانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. كما كانو يؤمنون بها حينما بايعوا ابا بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة ليسوس امورهم، ويقود مسيرتهم، ويتسلم الراية التي كانت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقفوا وراءه صفا متماسكا متراصا لم يجادل في ذلك مجادل، ولم يخالف انسان، ولم يقبلوا أن يكون من الأنصار امير ومن المهاجرين امير، اذ لا يجتمع سيفان في غمد واحد.

الإمامة لمن بايعه المسلمون.. يقول الفقهاء الامامة لا تتعدد، واذا بايع المسلمون اكثر من واحد فالبيعة للذي رشحته الكثرة، ولا حق لمن زاحمه، وكذلك تكون إمامة الصلاة في المسجد الواحد لرجل واحد ولا يجوز ان تتعدد، والى عهد قريب كان للمسلمين رجل واحد، يجمع أهواءهم ويلم شعثهم ويضم شتاتهم ويقرب المسافة فيما بينهم ويتحدث باسمهم. وعندما ألغى كمال اتاتورك الخلافة في تركيا اصبح المسلمون في كل مكان يشعرون بالغربة، ويحسون بالتفكك، ويؤمنون بان ضربة قاصمة قد نالت ما بينهم من روابط ، وأصابت ما بينهم من اخوة، وان خيرا لهم لو ظلت هذه العروة على ما كان بها. لكن ماذا الان، إن هذه الرابطة القوية، وهذا التكتل العميق، وتلك الاواصر التي كانت تجمع هذه الأمة اصبحت تاريخا يرويه اللاحق عن السابق، او الأبناء عن الأجداد والاباء، وما من شك في أن لكل بلد اسلامي مشاكله ومسائله، وانه يعاني من هذه المشاكل والمسائل، وربما شكى وبكى، فلم يجد من يزيل شكايته، او يمسح دمعته، ثم لا يقف منه اخوه ها هنا او ها هنا الا موقف المتفرج. إن لم يكن موقف المتشفي او الشامت، ومعنى ذلك اننا اصبحنا ادعياء دين ليس لنا من الاسلام الا الزعم الكاذب، والأختلاق الباطل، وتقع الضربة على رأس احدنا في موطنه الذي هو فيه، فلا يتألم له من هو في البلد النائي عنه، او القريب منه، وهكذا تتوالى الضربات على رأس الجميع، ويأكل الذئب من الغنم القاصية، وما زالت هذه القطيعة تتطور حتى تحولت الى جفوة يشعر بها كل الشعور المهاجر الى بلد اسلامي اخر، دعته ضرورة العيش او العمل الى الذهاب الى هناك حين يجد ابن هذا البلد الاسلامي ينكره ويطارده ويريه من الكراهية له والنفور منه ما يجعله يبحث عن الأسباب التي تقطعه عنه، او تباعد ما بينه وبينه، وهناك الكثير من الأدلة بأن السبب في هذا هو اننا نجهل هذا الدين الذي ننتسب اليه، ونحسب عليه، ونتخذه جواز مرور الى الله سبحانه وتعالى يوم الجزاء، او اننا تركناه ظهريا. لان حقيقته تقتضينا أن نكون كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى والسهر. كما جاء ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذه الحقيقة ماثلة أمام اعيننا. قائمة بنفوسنا. متمكنة بضمائرنا وافئدتنا. وكل يدير ظهره الى وجه اخيه. إن لم يكن قد طعنه من الخلف. واحاطه باسباب الهلاك والدمار.

هذه واحدة لا مفر من الاعتراف بها، والحسرة لوجودها، أما الثانية فان تعدد الديار واللسان، واختلاف الأوطان والمسافات، وتباين المصالح والاعتبارات، قد جعلتنا نتباعد بقلوبنا وارواحنا، في حين أن الدين لم يعتبر شيئا من هذه فاصلا او حاجزا. وانما يعتبر المسلمين مهما تباعدت الاجسام، اخوة يربطهم نسب، ويضمهم ميثاق، ويقرب ما بينهم دم ولحم. وتصل افرادهم هذه الشريعة، وتؤلف نافرهم تلك الدعوة التي ارتفع بها صوت محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثا وعشرين سنة. والا فلا معنى لقوله جل شأنه "وان هذه امتكم امة واحدة".

مقالات متعلقة