الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 15:02

مذكّرات أم مهاترات رنا قبّاني؟بقلم:رجاء بكريّة

كل العرب
نُشر: 05/12/14 12:32,  حُتلن: 12:36

تكن الأسباب الّتي حدت برنا قبّاني تسجيل مذكراتها عن محمود درويش فإنّها لا تقنع، ولا طُمُوحها بضرورة توثيقها! ومهما يكن نسبها لصيقا بالرّائع نزار قبّاني فإنّه لن يغفرَ تفاهة بمثل هذا القعر، رغم أنّنا لم نعتد من التّفاهة على مسافة أو بُعد.

وأنا، لا زلتُ أسأل عن سبب هذه اليقظة المفاجئة لكلّ من ربطتهم بشاعر فلسطين علاقة! ففي الشهور الأخيرة شهدنا يقظة ريتا العشيقة من حكايتها، واستقواء من لفّ لفّها على تشويه صورتهِ قنصاً لفرصة تمنحهم شهرة سريعة، وانتشارا واسعاً ليس آخرها مخرجة الفيلم التّسجيلي "سجّل أنا عربي" ابتسام مراعنة. فكون الفيلم تسجيليّا لا يعني بالضّرورة أن يحيل جماليّات الرّؤية الفنيّة لوثيقة صوريّة وحسب، ولا يعني أن ندوس جماليّات بطل رواياتنا, نصرا لطموحاتنا بلحظة مجد كاذب. ولن يضيف بالضّرورة لإنجازاتنا غير قصاصة ذاكرة تملك من الشكّ بمصداقيّتها بمثل ما تملك من الصحّة. وماذا يمكن لريتا اليهوديّة المفترضة أن تشكّل في حياة شاعر ملأ الأرض حضورا، أعلاقّة أم دبّوسا؟ أواقعا أم متخيّلا؟ وأن يضيف زواج عاصف دام شهورا بين درويش ورنا قبّاني لثورة شاعر، سوى لحظة التزام عابرة بما يشبه الحب؟ وكم سيضيف الملح المصنّع لسيرة حضورٍ تجاوزت الحرقة بأميال، والغربة بمدن، وأزمنة؟؟

فبعد صخب الإطلالة الصّاعقة لريتا العاشقة تحت سنابك الصّور، عشيّة ذكرى رحيل درويش، قفزت من بركة أسماكه المذهّبة رنا قبّاني، ومعها أوراق سوّدتها بكلّ ضحكة خاضتها مع درويش. معها فهمتُ حجم التّفاهاتِ الّتي لأدبِ المُتأدِّبين في عالم عربي يكاد لا يفهم شيئاً عنّا، وكيف يمكنُ للضّجرِ أن يغتالَ رأسَ كاتبهِ، ويصادر ذاكرتها.
دهشتُ، شخصيّاً، من دسامةِ اللّغطِ الّذي لأوراق قبّاني. ودُهِشتُ من قدرتها على استعادةِ الأفعالِ المُحتلة، والمُختلّة، والمُعتلة، والنّاقصة ضمن ذاكرة فضفاضة.. خالية من دفء الواقع. معها لم أميّز إذا كانت محِرّضَة الذّاكرة على وحدتها واعية لهذه السّابقة!

وللمصداقيّة، لم أنتظر مذكّرات رنا، ولكن شيّكتها بالجملة، لأفهم ماذا ابتغت من نشرها في هذه المرحلة بالذّات! وماذا أرادت أن تعلن بالتّمام! لخيبتي الشّديدة استخلصت من مقالتها الأخيرة " القوّة 17" الصّادرة بتاريخ (19.10 في جريدة القدس العربي) التّي بدّلت بِدَلَها وأحذيتها، وأمست تحتفي بضجر الأدباء على نحو يدعو للعجب، رغبتها الإعلان عن إمارةٍ دمّرتها هي بحذائها أو قلبها، لا يهم كثيرا! وأعني إمارتها على مملكة شاعر سعت إليه الملايين. فرنا قبّاني المصونة هي من أعلن انفصالها عن درويش! كأنّ في هذا السكوب الإعلامي من الخطورة بما يمكن أن يلغي أسطورة تملأ الكون، وقصائد يخبّئها الصّغار والكبار في جيوب قمصانهم وقلوبهم، أو أن يمسح الملايين تلك من صفحات سيرته!

واعذروني إذا كنتُ خجلتُ من أنوثتي للحظة، وقرفتُ من مذكّرات النّساء ورسائلهنّ للحظات، إلى رجال!، وأنّبتُ هشاشةَ أقلامهنّ للحظاتٍ إضافيّة، ثمّ أعلنتُ الحداد لساعات حين فهمتُ أنّ السيّدة قبّاني قد استعارت نكبتنا لتروِّعَ القارىء بمشاهدَ نزوح مشاعرها، وقد غابَ عن ريشِ نَعامِهَا أنّ النّكبة الفلسطينيّة ليست مضامينَ جاهزة لاستعارةٍ من أيِّ نوع بما فيهِ نكبة أحاسيسها الباردة. فالنّكبة بتضاريس عالمها، حصرا لشعب سُلِب مكانه وزمانه وبعض ذاكرته، إسمه شعب فلسطين، يا سيّدتي، وعذرا من ضحالة سردك! حبّذا لو جيّشتِ كلماتكِ بخراطيشِ بعض الرّجالِ الّذين لاحقوكِ، لتنقِذي قارئك من الموتِ برداً!

فهل كانتِ الكتابةُ عن درويش غيباً أجدى من كتابتهِ حاضراً ولِمَ لم تُقْدِم السيِّدة قباني على إشهارِ مُذكّراتها، ودرويشُ على قيد الشِّعرِ والكَلام؟ أم أنّهُ صيدُ الغفلةِ مثلا؟ وعلى سيرة الغفلة فقد حضرتني شبيهة صيدها، غادة السمّان حين نشرت رسائل غسّان كنفاني إليها التزاماً بوعدٍ قطعاهُ، هي وكنفاني، على نفسيهما يقضي بأن يقوم الباقي منهما على قيد الحيلةِ نشر رسائلهما. وعلى عادةِ المتوقّع فقد اختفت رسائل السمّان إلى كنفاني، بداعي احتراقها بنار حربِ بيروت! كأنّ المئة نسخة الأخرى الّتي توزّعها السمّان، من باب إحتياط الفقد، على أقطار العالم، قد انتقلت إليها هي الأخرى حروبا وهميّة، شبّت خصّيصا لتأكلَ أوراقها لكنفاني، وتمنحها عمقَ هذا الحزن النّبيل، والإحتفاء الملوكي بأوراقٍ تجنّت على تاريخ كنفاني في النّضال، صوتا وحبرا. حتّى أنّه يخيَّلُ لمن يقرأ تلك الرّسائل المنتقاة بعناية ولؤم أنّها كلّ ما كتبه كنفاني عن النّضال. وأنّ تاريخهُ العريض في القصّة والمسرحيّة والرّواية لا يعدو تسلية على هامش عشق جارف لامرأة ملكت عليهِ حياتهُ، وأدبهُ. من منّا يثق بأمانة غادة السمّان في إعلان أو إخفاءِ أوراقها الثّبوتيّة، وأعني رسائلها من وإلى من أحبّت، غيرها هي ذاتها؟ ذلك لأنّ رسائلها تلك تقومُ مقام أوراق خاصّة من غير الممكن لسواها أن يعرف أين تكمن حياتها السريّة في مخابئها. من منّا يثق بتصنيفاتها لتلك الأوراق، وأعني الرّسائل. ومن منّا يستطيع الجزم بأنّ ما نشرتهُ هوَ كلُ ما انكتب بينهما؟
وعليه أعود لما سجّلتهُ رنا قبّاني عن درويش، وأضيف تساؤلا مندهشا، لِمَ لمْ تفصح عن مكنون أيّامها هذه، ودرويش على وترِ الذاّكرة الّتي تجمعهما معا؟ وسؤالي هذا لا ينتظر تفاصيل مضافة إليه، لأنّ المضاف هنا غائب، ولن تجوز بالتّالي أيّ إضافة أخرى.

يا الهي ماذا تريد النّساء من قصصهنّ المارقة مع الرّجال؟ لا إجابات واضحة على تصوّرات الذّاكرة، لكن، برأيي حين يصبح الرّابط المقدّس بين اثنين، ولو بعد تفكّكِه، حديثا عابرا لا بدّ أن نقف مطوّلا عند ماهيّتهِ، وقد نجيز أن يساورنا الشّك بمصداقيّته، ذلك لأن ارتباطات الحياة بين الرّجال والنّساء قد تكون مادّة لتفنين الحادثة وتخييل الشّخوص والأبعاد، لكنّها، بأيّ حال لا تُجازُ كسرد واقعي لشكل علاقة ببردها وحرّها.

ولعلّه المأخذ الّذي أسجّله عن تلك المذكّرات الّتي تصافقت فيها التّفاصيل لتعلن عن حدوثها، كأنّما تسارع لتسجيل غرف بيت تستعدّ للهرب من صاحبها، وكنّا نعتقد أنّ فائض العمق بين شخوصها لا بدّ ضربت جذورا يستحيل معها استعارة زيت الكانولا مكان الزّيتون لزعتر صباحاتها. وتدبيس جدرانها بالقصدير مكان الإسمنت خوف انهيارها.

لقد بقيتُ على اعتقاد راسخ أنّ مذكّرات النّساء عن الرّجال محطّة قاهرة لتواطؤ الزّمن، ذات إقامة دائمة في محطّة سريّة اسمها ذاكرة, ومحطّات الذّاكرة لا تقبل أن تُبتذل، ولا من أصحابها. قد يهرب ملّاكها منها، أو يُبتعلون فيها، لكنّهم بأيّ حال لا يشهرون الحبق السّامق خلف نوافذها نصلا في عيني غُيّابها. فلمن الخلود إذن للمُغامرة أم للحكاية؟ للأسطورة أم للحادثة؟ للّحنِ أم لوترِه؟ للزّهر أم لعطره؟ عند مفترق عيونكم، أنتم، الإجابة!
3.12.014, حيفا

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة