الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 17:02

التربية السياسية للأبناء رؤية من الهجرة النبوية/ بقلم: الأستاذة دانية خالد حجازي

كل العرب
نُشر: 08/11/14 19:59,  حُتلن: 08:03

من روائع التربية التي يمكننا ان نغرسها في أطفالنا وننمي ونعمق وعيهم الحضاري والاجتماعي والسياسي هي مشاهد وشخصيات من الهجرة النبوية.. وخير مثال يأخذنا الى ما نرنو اليه في تربية أطفالنا هي السيدة عائشة بنت ابي بكر زوج سيد ولد ادم .

نبدأ بحديثها ( لم اعقل ابويَّ قط الا وهما يدينان الدين ) هذا لا يعني انها لم تسمع او تعي الجاهلية، فهي كانت تلعب مع أترابها ومن المؤكد كانت تسمع بأسماء اللات والعزى وهبل، وكانت تسأل وتأخذ الجواب من والديها عن الإسلام الحق، فتدرك منذ ان وعت انها متميزة مع ابيها وامها بهذا الدين ،ودليلنا الثاني لوعيها وانتمائها لهذا الدين هي جملتها (لم يمر علينا يوم الا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية )وتلاحظ ان اباها يدخل الى البيت مهموما مغموما ويقص عليهم ما يعانيه المسلمون من طغيان المشركين وعدوانهم ، وحين يأتي اليهم رسول الله تصغي للحديث الذي يدور بين ابيها والرسول، وتستشعر ان المسلمين في ابتلاء شديد.

تأملوا معي هذا الحدث الذي ليس ببعيد عن أيامنا وما يمر به المسلمين من ابتلاء وظلم وطغيان من قبل أعداء الإسلام ، الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث مع الصدّيق بحضور الأطفال من اهل البيت، وهذا ما يدلنا على ان ننشئ أطفالنا عليه ان نتحدث معهم وامامهم بكل صدق وصراحة عن ابتلاء المسلمين ، واستشعار الموقف مما يحدث الان في المسجد الأقصى المبارك.

وفي حديث لعائشة(رضي الله عنها) يصب في صميم التخطيط السياسي المبرمج في خطة محكمة تقول:
فبينما نحن يوما جلوس في بيت ابي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لابي بكر : هذا رسول الله متقنعا ـ في ساعة لم يكن يأتينا فيها ـ فقال أبو بكر:والله ما جاء به في هذه الساعة الا امر..... تتابع حديثها فقال النبي لابي بكر:
" اخرج من عندك" فقال أبو بكر: انما هم اهلك ، قال: " فإني قد أذن لي الخروج". الصحبة يا أبا بكر
" نعم " فعرض أبو بكر احدى راحلتيه على الرسول فقال : " بالثمن".
لا بد لنا ان نقف على بعض المواقف ونرعى التربية السياسية في هذه المواقف.
1) وعيها رضي الله عنها على المراحل الصعبة في هذا الدين نبدأ بقولها ( فلما ابتلى المسلمون) لا تقول هذه الكلمة الا ولديها رصيد ضخم من الاحداث تنقله لنا بسرد قصصي جميل وتدرك رضي الله عنها ان من يحمل هم هذا الدين ليس مسلما عاديا فقط بل هم رجال قيادة هذا الدين، وان بيتها بيت قيادة عليا، وليس عاديا من بيوت المسلمين. وهنا يتمركز الحدث بما يحدث اليوم من ابتلاء المسلمين في جميع انحاء العالم وفي فلسطين بالذات حيث الصراع على الهوية والبقاء والانتماء وحصار الأقصى والاعتداء على المرابطين والمرابطات ما اشبه اليوم بالأمس من احداث وان اختلف الزمان والمكان،علينا ان ندرك ونعي ان لاطفالنا دور مركزي وجوهري في هذه المرحلة يجب ان نشاركهم الحديث والهموم .
2) ادراك عائشة رضي الله عنها في مدى الأفق السياسي أن ابيها ليس من سادات مكة فقط ، بل هو من سادات العرب، وهذا بالضبط ما يجب على أبنائنا إدراكه اننا لسنا فقط فلسطنيين بل اننا نؤدي دور عظيم لا يستطيع المسلمون والعرب من غيرنا ان يفعله وهو الرباط في المسجد الأقصى لحمايته.
3) التصرف السياسي عند الازمات، الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي في الظهيرة حيث لا يخرج احد من بيته ، ويأتي متقنعاً حتى لا يعرفه احد، وحتى نعمق الوعي السياسي عند أبنائنا ويزداد نضوجا وتألقا اكثر واكثر ان نكون حذرين في الحديث فمثلا عندما نقول نفير يجب ان يدرك أبنائنا ان النفير له توقيت وتخطيط ، وعندما نخرج ان نأخذ الحيطة ولا نعرض أنفسنا للخطر والمواجهة الا اذا اقتضى الامر.
3) ومن الهجرة نتعلم ونتفقه فن الوعي السياسي حين رأت اباها يشتري راحلتين ويرعاهما دون وجود أي مؤشر زمني لهجرته مع الرسول حتى أربعة اشهر، وهنا موقف رائع في تربية الأبناء على النفقة والاستعداد النفسي والمعنوي والمادي من اجل الوطن والدين.
رغم ان عائشة رضي الله عنها في الخامسة من عمرها تدرك الموالاة والتميز، وانها لا تنسى متعتها وسعادتها باللعب مع صاحباتها ومع ذلك تكتنز ايمان وعلم وثقافة ووعي.
أيها الاب ايتها الام أيها المربي هذا ذكاء الأطفال الحاد ، وذكاء عائشة رضي الله عنها الخارق قد نجده في أبنائنا فلا نستهين بذكائهم ووعيهم ، لا نحبس أطفالنا عن اللعب ولكن لا بد من تثقيفهم وتعليمهم ليتألقوا في القيادة ، فكان اكبر درس سياسي تلقته عائشة رضي الله عنها على الاطلاق في مرحلة طفولتها هو الثقة العظيمة فيها من ابيها وزوجها ان تكون شريكة في التخطيط للهجرة وجزءا أساسيا منه حين قال الرسول" اخرج من عندك" قال: انما هم اهلك يا رسول الله ووافق الرسول على الحديث وهذا اشعار لخطورة الحدث الذي ستطلع عليه وتأكيد مشاركتها بقولها ( فجهزناهما أحث جهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب ).
ان المرء ليعجب وهو يقرأ هذا الوصف البليغ للهجرة وكانه يرى المشهد بعينه، من فصاحتها ودقة ملاحظاتها ونضجها السياسي في العرض. لما لا نطلق العنان لأطفالنا في الحديث ووصف الاحداث التي يشاهدونها في المسيرات والمواجهات في المسجد الأقصى ونشاركهم المحادثة عن الاحداث التي يعيشونها حتى يشتد عودهم ويهيئوالأمر عظيم.
ومن الضروري ان اتطرق في الحديث عن التربية السياسة عن شخصية مركزية في قلب الحدث في رحلة الهجرة التي تعلّم أطفالنا الوعي والتألق في التربية السياسية،إنّه الشاب عبد الله بن ابي بكر، فمواصفاته الذكاء والنباهة ، وسرعة البديهة، ودقة الملاحظة. هذا ما وصفته لنا امنا عائشة رضى الله عنها بقولها عن اخيها ( وهو غلام شاب ، ثقف، لقن) فالثقف هو الحاذق، واللقن هو سريع الفهم، وبهذه المواصفات استطاع ان ينجح بتفوق في مهمته، وهنا الدرس الصعب الذي يقع على عاتقنا في تدريسه وتثقيفه لأبنائنا السرية وكتم الاسرار، وعنصر الزمان والمكان من اهم عناصر التربية السياسية يجب ان يعيها ويفقها الأبناء.
اما الشخصية التي كان لها دور مهم أيضا في الهجرة، شخصية الدليل، لم يترك لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه شيء في الهجرة الا وكانت فيها تربية قيادية ، وهنا سنتحدث عن فن التعامل مع الاخرين في التربية السياسة انها عظمة العظماء في اختيار الأشخاص في المواقف الخطيرة، تقول عائشة رضى الله عنها في مواصفات الدليل ( وهو من بني عبد بن عدي هادياً، خريتاً، وهو على دين كفار قريش فأمناه) تم اختياره لمهارته وخبرته في الطرق بين شعاب مكة ولعل هذه قمة من قمم العمل السياسي يجب ان ندركها، الاستفادة من خبرات الغير حتى لو لم يكن على ديننا ان لم تكن هذه الخبرة موجودة لدى المسلمين.
والموقف الذي نستشعر منه كل معاني الإنسانية في التربية السياسية عندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وبنيات بني النجار ينتظرنه فيقف عندهن ويقول" تحبّنني ؟" ليجعل جوابه لهن " وانا والله احبكم" ترى كم هي سعادة الأطفال الغامرة والثقة بالنفس العالية التي بنيت عند هؤلاء الاطفال وهن يستمتعن بهذه المحادثة.

انها عظمة التربية النبوية لتعميق البناء السياسي الاجتماعي الإنساني بكل معانيها عند الأطفال
نقطة ضوء...
أيها القادة في أي منصب تكون، اجعل للطفل الصغير الذي يكون بحضرتك ابتسامة وكلمة او ربما مصافحة باليد ليشعر بالاهتمام لدوره البسيط.
ولابد هنا ان اشير ان ما يعجبني ببعض القادة ابتسامته ومصافحته للأطفال وصبره على التقاط الصور معهم وهو يبتسم ويتنقل من طفل الى طفلة ومنهم من يتحدث اليه فلا يكل ولا يمل حتى يملوا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة