الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 11:01

عطر المطر الأول شتاء 2014/ عناق مواسي

كل العرب
نُشر: 30/09/14 07:54,  حُتلن: 12:28

أعترفُ أنني لم أستيقظ على صوت أذان الفجر، ولا صوت المنبّه ولا زقزقة العصافير ولا أي محرك سيارة يشق صاحبها العتمة ولا أي موقظ كلاسيكي... فحاسة سمعي لم تستجب بشكل تلقائي للمثيرات الإعتيادية في هذا الوقت غير الإعتيادي من اليوم، علماً أنها تسعفني أغلب الأحيان وتساعدني على تشخيص الاصوات التي تمرُ على مسمعي...
أردتُ أن أقدم رسالة شكر لحاسة السمع لعملها الدؤوب غير المتواني للحظةٍ منذ أن قدرت لي حياة..
لحسن الحظ أني تركتُ الشباكَ مفتوحاً فوق رأسي فأتنبه إلى الشمس وهي توقع ختمها الذهبي على جفني، لكن الشمس أيضاً لم تتآلف مع حاسة البصر، ولم تستفز عيني لأغمضهما بقوةٍ كي لا أقوم أو لأفتحهما كي أنهض...
ولم أشعر بأصابع أخرى تتغلغل في شعري، أو أن هناك قشعريرة تسير في جلدي.. حواسي مستسلمة لسلطة عالم آخر..
إشتد رداء الفجر عليّ، وأول ما استيقظ فيّ هو أنفي..
انتشرت رائحة التراب المبلول، هذه الرائحة فيها حياة إلى أبعد الحدود، حياة، حياة، حياة تشبه رائحة تلاقح الأرض بالسماء، تلاقح الماء بالتراب، تلاقح أصل الإنسان ومقدسات الوجود، تلاقح الرياح بالرحيق، تلاقح الحب بالحب...
كنتُ محظوظةً وأنا أتتبعُ أنفي، حين قادني لخارج البيت. وغمستُ أصابعي في التراب وبسته... بستُ الأرض التي نمشي عليها، ندوسها بلا هوادة، نسكب فوقها دماءً وسوائل أخرى مضرة ومؤذية، نؤلمها بفعل الدمار، نعمر ونشّيدُ ناطحات من الإسمنت أحياناً أخرى.
بستُ الأرض المبلولة وشكرتُ المطر الذي بلل الغبار المنثور فجعله تراباً له معنى.
أيها التراب الممزوج بالغيث الأول، أتعرف ماذا حدث؟
مرّ صيف قاسٍ، طيرتنا الريح لكثرة من حلَّ علينا، وأصبحنا أكوام ركام .. واليوم يستقرُ بك المطر فتسكن ونسكن..
أحببتُ هذا الفجر أن أسمعَ صوت من أحب وكأننا نتلاقح "الروح بالروح"
صوتك يبلل أرضي العطشى لك، ويهطل في مسامعي كهذا الغيث الأول. في صوتك الرقيق سمعتُ تباشير الأمل وسمعتُ نشيد البلابل، سمعت الدنيا صدىً في صوتُكَ، ودندنة كالمطر الشجي، شممتُ عبره الأمل يتفتحُ كوريقات الشجر، صوتك شق الفجر وأطلع النور من الشمس، وطوى البعد وفتح علي باب الوصال.."
رائحة الأرض المبلولة بالمطر الأول شهية، شهية لكل شيء.
وليتني أستطيع الاحتفاظ بقارورة عطر رشتها السماء فوق هذا التراب.
هذا الموسم يبشر بمطر وفير وحب ينهمر بغزارة....
كل مطر وأنتم بخير
(باقة الغربية)

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة