الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 01:01

الهجمة على المواطنين العرب/ بقلم: رون چيرليتس

كل العرب
نُشر: 16/09/14 09:49,  حُتلن: 08:05

الهجمة على المواطنين العرب الفلسطينيين ردّ فعل مضاد لإنخراطهم في المجتمع الإسرائيلي/ بقلم: رون چيرليتس

رون چيرليتس في مقاله:

لسنا أمام تصعيد بل وللأسف الشديد أمام معركة جديدة تماماً في العلاقات اليهودية العربية داخل إسرائيل

منذ بداية الحرب على غزة إزداد بشكل كبير حجم الهجوم العنصري على المواطنين العرب ومعه أشكال وقوة هذا الهجوم

بعض القيادة السياسية للمواطنين العرب يعبّر تجاه الدولة بشكل رغم شرعيته يضرّ كثيراً جداً بقدرتنا نحن الجهات الساعية للمساواة داخل المجتمع اليهودي على تجنيد الدعم لهذه المساعي

اندلاع العنف والكراهية هذا الصيف هي على ما يبدو ردّ فعل اليمين العنصري إزاء مناحي زيادة قوة المجتمع العربي وإزاء وجود المزيد من الأحياز المشتركة لليهود والعرب

منظومة العلاقات ما بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل آخذة بالتدهور. منذ سنوات عدّة وأنا أشغل منصب المدير المشارك لجمعية سيكوي، التي تعمل على الدفع نحو المساواة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل. إنني أبذل قصارى جهدي، سوية مع شركاء لي من اليهود والعرب، بغية تطوير منظومة علاقات يهودية عربية قائمة على المساواة والشراكة. كما أنني متتبّع لهذه العلاقات عن قرب، فمنذ بداية الحرب على غزة، إزداد بشكل كبير حجم الهجوم العنصري على المواطنين العرب، ومعه أشكال وقوة هذا الهجوم، بحيث ندخل اليوم مرحلة جديدة غاية في السوء من العلاقات بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل. المقالة الضخمة بملحق "هآرتس" والصادرة في نهاية تموز، قد استعرضت بشكل عميق جذري ومنهجي مسلسل الهجمات العنيفة كما اللفظية تجاه المواطنين العرب، واستعرضت تنظّم اليمين للمطالبة بطرد الموظفين العرب من أماكن عملهم وكذلك موجة الإقالات التي طالت العرب وأيضاً الخوف العميق السائد لدى المواطنين العرب. لسنا أمام تصعيد، بل وللأسف الشديد، أمام معركة جديدة تماماً في العلاقات اليهودية العربية داخل إسرائيل.

ما السبب وراء ذلك؟
ثمّة تفسيرات عديدة. إلاّ أنني أودّ هنا أن أعرض من عندي تفسيراً غير شائع لتفشي العنصرية المعادية للمواطنين العرب في إسرائيل. لقد رأينا في السنوات الأخيرة منحيين متناقضين في العلاقات اليهودية العربية بإسرائيل: المنحى الساعي للمساواة ومقابله المنحى المعارض لها؛ المنحى الساعي لخلق مجتمع شراكة وتحسين العلاقات اليهودية العربية يقابله منحى الإنعزال والتصعيد السيء في العلاقات. وكنت قد ادعيت سابقاً، أنّ كلا المنحيين قائمان في الحلبة الجماهيرية والإعلامية، البيروقراطية والسياسية.

على الرغم من التمييز الحكومي المنهجي ومعه العنصرية المتجذرة (التي لم تبدأ طبعاً في الصيف الأخير)، نجح المجتمع العربي داخل إسرائيل- وبالشراكة مع بعض الأطراف من المجتمع اليهودي بما فيها بعض الوزارات- بتحسين وضعه الاجتماعي اقتصادي والتقليص قليلاً من عدم المساواة، وكذلك تحدّي مؤسسات الدولة والحفاظ على تمثيل سياسي معتبر وأصيل في الكنيست. لقد ازداد المجتمع العربي قوة، إذ شهدنا خلال السنوات الأخيرة براعم إندماجه بمواقع القوة الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل.

الحديث هنا ليس عن اندماج خانع ذليل ومسترضي، إنما عن جيل لم ينشأ بظلّ الحكم العسكري تجرأ على تعزيز هويته القومية الفلسطينية وتقوية روابطه مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة وفي العالم العربي. نوّاب كثر وبارزون للمواطنين العرب، خاصة في الكنيست ومنظمات المجتمع المدني، يطالبون بحدّة وصرامة بحقوق المواطنين العرب، فردياً وجماعياً. إنهم يطالبون بمساواة حقوقهم الفرديّة والقوميّة، وكذلك إلغاء الإمتيازات التي يتمتّع بها اليهود.

إنّ التعبير الأكثر دلالة على هذه السيرورة لفهم أحداث صيف 2014، هو أنّ ازدياد قوة العرب لم يكن مخفياً ولم يحدث فقط بمنطقة نائية بعيداً عن حياة اليهود، بل على العكس، كان مكشوفاً وبارزاً وخلق المزيد من نقاط التماس والصلة اليومية ما بين اليهود والعرب بمختلف الأماكن والأحياز.

ألفت انتباهكم هنا لواقع الحياة الجديد في إسرائيل بالسنوات الأخيرة – في سنوات السبعين حين كنت صغيراً، طفلاً يهودياً لم يتجوّل في البلدات العربية، لم أرَ العرب إلاّ في الأعمال الشاقة. بينما اليوم فقد اختلف الوضع تماماً. حين يدخل المواطن اليهودي للصيدلية سيجد هناك تقريباً على الدوام، صيدلانياً عربياً؛ وإن إضطر للوصول لغرفة الطوارئ فمن الأرجح أن يعالجه هناك طبيباً عربياً. قبل عشر سنوات عملت كرئيس طاقم اللوغرثميات بشركة ناشئة وحينها كان وجود موظف عربي بشركة هايتك أمراً استثنائياً ومثيراً للغاية. لكننا اليوم في ذروة ثورة دمج المواطنين العرب ضمن صناعة الهايتك، فخر الاقتصاد الإسرائيلي. كتب عودة بشارات في (ما للعرب بالهايتك) أنّ "من صنّف العرب في سنوات ال-50 ليكونوا حطّابين وسقاة ماء، يحصل عليهم اليوم موظفي هايتك متفوقين".

ناهيك عن أنّ للجامعيين اليهود أصبح اليوم محاضرين عرب، وأحياناً رئيس قسم وحتى رئيس كلية عربياً، وكذلك وكيل وزارة ووزيراً عربياً (وزير العلوم والثقافة والرياضة، وكيل وزارة الداخلية). وربما ما يرمز لهذا الواقع حقيقة أنّ ليس فقط المواطن البسيط هو من ينكشف لقوة العرب الصاعدة بل حتى رئيس الدولة: لقد مثل الرئيس كتساف أمام هيئة قضاة يترأسها قاض عربي، هو الذي أدانه بالاغتصاب وأودعه السجن.

الردّ المضاد
طالما كان المواطنون العرب مستضعفين ومهمشين لم يشكّلوا تهديداً على الهيمنة اليهودية، إلاّ أنّ اليوم لم يعد اليهود في إسرائيل متموضعين على الدوام في رأس كل سلّم أو تدريج أو حال. هذه الحقيقة تضع علامة استفهام على ترتيب أولويات اليمين القومجي المتطرف الذي يخشى كثيراً من كسر الهيمنة المطلقة لليهود، فهبّ للفعل المضاد. وعلى عكس بعض الأطراف في اليسار ولدى الجمهور العربي، التي تستهين بمسألة اندماج العرب اقتصادياً واجتماعياً، قد تكون الجهات اليمينية تُحسن رؤية القدرة الكامنة فيها فيعتبرونها تهديداً حقيقياً. إنهم يستعدون للنضال من أجل إيقاف هذه السيرورة الخطيرة بنظرهم ويعملون للحد من حقوق العرب.

نتحدّث هنا عن ردّ مضاد على كون العرب أعلى حضوراً من المستوى الذي تستطيع الجهات العنصرية الراغبة بالحفاظ على الهيمنة اليهودية امتصاصه. المطالب من الدولة، إزدياد القوة بالدراسات العليا والشغل، حضور اللغة العربية في الأماكن العامّة (لأنه وببساطة، إزداد تواجد العرب في المراكز التجارية والجامعات وأماكن العمل إلخ)، كلّ هذا يزيد من الإحساس بالتهديد ويؤدّي للرغبة بالتخلص من العرب، أو على الأقل وضعهم بأسفل كلّ سلّم ممكن – اقتصادياً اجتماعياً وحضورياً.

ردّ الفعل المضاد هذا، حُرّك في السنوات الأخيرة من قبل سياسيين من اليمين. لقد قاد أفيغدور ليبرمان والمتعاونون معه من مختلف أحزاب الإئتلاف الحكومي في الكنيست الحالية والسابقة، موجة تشريعات لا سابق لها ضد المواطنين العرب، شملت محاولات (نجح جزء منها بينما الغالبية فشلت) لسنّ قوانين تُلقي بالعرب خارج أماكن العمل وأخرى تعمّق التمييز ضدهم. فبدعم رئيس الحكومة تمّ تمرير رفع نسبة الحسم، هذا الإجراء التعسفي الذي قد يؤدي لإخراج المواطنين العرب من العملية السياسية. ناهيك عن الحلّ النهائي – اقتراح ليبرمان بإلقاء مئات الآلاف من المواطنين العرب سكّان المثلث، خارج المواطنة بواسطة نقل مناطق سكناهم إلى الدولة الفلسطينية. كانت رسالة قادة اليمين للمواطنين العرب حادّة وواضحة: إن لم تلتزموا الصمت ستكون نهايتكم سيئة ومريرة.

إلاّ أنه وعلى الرغم من الأذى الكبير الذي سببه هجوم السياسيين من اليمين ضد المواطنين العرب، لم يخنع المجتمع العربي ويستسلم بوجه الرياح السيئة التي هبّت من الكنيست. ثمة قوى مناصرة للمساواة داخل المجتمع اليهودي، تحالفت مع العرب ولم تتوقف عن إتّباع الإستراتيجيات الفعّالة لإحلال المساواة، تواصلت على أثرها عمليات اندماج العرب في المجتمع الإسرائيلي واقتصاده.

إذاً، ما الذي حدث في صيف 2014؟
الظاهرة الجديدة التي برزت في الصيف المنصرم هي أنّ اليمين المتطرف القومجي العنصري والشعبي قد استيقظ، وقد قام الآن بنفسه بما لم يفلح فيه نوّابه في الكنيست والحكومة. بظل صمت سياسيي اليمين المتطرف أحياناً وبتشجيع منهم أحياناً أخرى، خرجوا في معركة ضد المواطنين العرب. هذا اليمين لا يطيق ازدياد قوة العرب خاصة حضورهم المتعاظم في الحيّز العام الجماهيري.

لو انحصر عمل العرب في التنظيف والزراعة فقط ليعودوا لبلداتهم مع نهاية كل يوم منهكي القوى، لما كان نواب اليمين الذين انضم إليهم الآن "الشارع اليميني" يبذلون أي جهد لإبعادهم من سوق العمل ومن التمثيل السياسي، وعلى نحو عامّ، إخفائهم من الحيّز العامّ الجماهيري. يجدر الإنتباه إلى أن اندلاعات الصيف الأخير كانت في الأساس داخل الأحياز والمجالات المشتركة ما بين اليهود والعرب – أي المدن المختلطة والأماكن التجارية أو الشغل في البلدات اليهودية حيث يختلطون. لقد تمّت مهاجمة العرب داخل وسائل النقل العامّة المشتركة وفي شوارع المدن المختلطة. وطبعاً، جاء الفعل الأقوى رداً على المنحى الأقوى وهو الاندماج في سوق العمل. للمرة الأولى نشهد المحاولة المنهجية غير المسبوقة من قبل جهات يمينية متطرفة للتسبّب بفصل العمّال العرب. وكلما كان العربي يشغل منصباً أعلى علت معه المطالبة. إنني أشك بعدد الأشخاص الذين كانت ستنجح عصابات اليمين الفاشي بتجنيدهم من أجل المطالبة بفصل عامل نظافة عربياً، لكن ومن أجل فصل أطباء وصيادلة عرب، ستبذل عصابات اليمين هذه أقصى جهدها.

هذا اليمين المتطرف المعادي للعرب لا يتحمّل العربي بمنصب رفيع والذي يقلب موازين القوة المألوفة ما بين اليهود والعرب المتجلية بكون اليهود يعلون على العرب. حقيقة احتياج اليهودي للعربي (كطبيب أو صيدلاني أو مندوب خدمة) أمر لا يحتمله العنصري. وهنا يدخل عامل آخر يفسّر سبب هذا التفجّر الحاصل بالذات الآن – هذا العنصري كان ليحتمل الوضع القائم والراهن الواقع ما دام العربي لا ينبس ببنت شفة معارضاً الحكومة ومؤسستها المقدّسة، أي الجيش.

هنا لا بدّ من قول الحقيقة حتى لو كانت شاقة بالنسبة لبعض القراء اليهود؛ في كل الصراعات العنيفة لإسرائيل مع الفلسطينيين و/أو العالم العربي، تضامن معظم المواطنين العرب، وبشكل طبيعي، مع أبناء شعبهم الفلسطيني وليس مع الجيش الإسرائيلي الذي قاتلهم. بعض اليهود، عرفوا أو خمّنوا ذلك بهذا المستوى أو ذاك، إلاّ أنّ تضامن المواطنين العرب مع الذين قاتلهم الجيش الإسرائيلي لم يكن حاضراً وجلياً في الأحياز والأماكن المشتركة. إذ امتنع العمّال العرب من التعبير عن موقفهم أمام الزملاء اليهود.

ما الذي غيّر قواعد اللعبة؟
في صيف 2014، كان العدد الهائل والمهول للقتلى الفلسطينيين في غزة (ما يزيد عن 2000، منهم أكثر من 400 طفل) ومعه دور الشبكة الاجتماعية، الأمر الذي غيّر الصورة تماماً. كانت هذه هي المرة الأولى منذ تغلغل شبكة الإنترنت الاجتماعية، التي يقوم فيها الجيش الإسرائيلي بقتل هذا الكم الكبير جداً من الفلسطينيين حيث وصلت صور الأطفال القتلى فورياً إلى شاشة المواطن العربي. وليس من الإنسانية التوقّع منه أن يدعم من سبّب هذا القتل لأبناء شعبه. كما أنّ الشبكة سبّبت أيضاً أن يكون موقف كل مواطن تقريباً، يهودياً وعربياً، من الحرب في غزة بائناً ومكشوفاً. فما كان سابقاً محفوظاً ما بين المواطن العربي وأفراد أسرته أو أصدقائه أصبح الآن من نصيب العامة. حتى هذا الوقت كان الوضع غير متكافئ، فالعربي علم دوماً ما هو تفكير زملائه أو زبائنه اليهود لأنه سمعهم يتحدثون عن وجوب "قمع الإنتفاضة"، "سحق حزب الله" وأيضاً "إلحاق الأذى بالغزيين لتلقين حماس الدرس". غالباً ما سمع ذلك والتزم الصمت، إلاّ أنه خلال الحرب على غزة وبينما أغرقت المناظر الصادمة صفحة الفيسبوك خاصته، مترافقة بكل عبارات الشجب والاستنكار تجاه الجيش الإسرائيلي وجنوده، أضاف "اللايك" وربما شارك أيضاً الآخرين مع بعض الكلمات من عنده. ما كان مستوراً قد كُشف الآن وما اعتبره اليمين قلّة إخلاص من قبل المواطنين العرب للدولة والجيش والجنود، بل وأسوأ من ذلك – الأمل بانتصار العدو – قد كُشف على الملأ.

هنا نفد صبر اليمين المتطرف المعادي للعرب. لقد صمت الشارع الفاشي الكهاني من قلة الحيلة إزاء ازدياد قوة العرب اقتصادياً، لكنه غير مستعد لتقبّلهم أقوياء وأيضاً معارضين للجيش الإسرائيلي والرواية القومية، بالذات في وقت ما زال فيه الجنود يسقطون موتى. فخرج مقاتلاً يدعو الحكومة للذهاب لأقصى حدّ بقتل الفلسطينيين في غزة من أجل إسقاط حماس، بينما يخوض هو بنفسه حرب شوارع مقابل فلسطينيي الداخل، أي المواطنين العرب الفلسطينيين.

إنّ الشبكة الاجتماعية ذاتها التي أتاحت بشكل غير مسبوق الكشف عن أن الزميل العربي أو الصيدلي العربي لا يتمنى، بأقل تعبير، انتصار الجيش الإسرائيلي، أتاحت لليمين المتطرف أن يتنظم سريعاً وبشكل فعّال ضد المواطنين العرب مطالباً بإخفائهم من الحيّز العامّ المشترك. في "أفضل" الأحوال، كانت المطالبة تُوجّه ضد من كُشف عدم توافقه مع الرواية القومية إلاّ أنّ سرعان ما حدث الأمر الذي يحدث بكل حركة عنصرية، إتساع المطالبة لتطال العرب عموماً (مثل مطالبة شبكة متاجر "رامي ليڤي" بفصل جميع عمّالها العرب).

في الحقيقة، يتناول هذا النصّ مسؤولية المجتمع اليهودي عن التدهور الحاصل في العلاقات، إلاّ أنّ المجتمع العربي يتحمّل أيضاً مسؤولية ولو كانت قليلة. في عدد من الأماكن داخل إسرائيل، قام مواطنون عرب بإلقاء الحجارة على مركبات اليهود ولحسن الحظ لم يؤدّ ذلك إلى قتل مواطنين. كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ بعض القيادة السياسية للمواطنين العرب يعبّر تجاه الدولة بشكل رغم شرعيته، يضرّ كثيراً جداً بقدرتنا نحن الجهات الساعية للمساواة داخل المجتمع اليهودي، على تجنيد الدعم لهذه المساعي. في دولة ديمقراطية، من المسموح الإدعاء أنّ الفكر المنظِّم للأغلبية – كالصهيونية في الحالة الإسرائيلية - هو فكر كولونيالي وعنصري. شخصياً، أعارض هذه الإدعاءات مع أنها شرعية تماماً. لكنها تمسّ كثيراً برغبة وقدرة الأغلبية اليهودية على النضال من أجل حقوق الأقلية العربية! هذا يعني أنه مسموح بالطبع للقيادة العربية في إسرائيل القول للأغلبية اليهودية أنها جميعها كولونيالية وعنصرية، إلاّ أن ذلك يُحدث ضرراً كبيراً بمنظومة العلاقات ويضعف الجهات داخل المجتمع اليهودي الفاعلة ضد العنصرية ومن أجل المساواة. فصل العمّال العرب أثناء الحرب أمر خطير جداً، لكن إظهار الفرح لموت الجنود من قبل مواطنين عرب يعملون مع زملاء يهود، هو تصرّف رهيب ولا يدعم طبعاً درب الحياة المشترك ما بين اليهود والعرب.

لقد برهن صيف 2014 على أنّ الصراع القومي الداخلي بين اليهود والفلسطينيين مواطني إسرائيل والذي كان لغاية الآن صراعاً غير عنيف بظل الإحتلال والصراع القومي الإسرائيلي الفلسطيني العنيف، لا ينجح بالحفاظ على حالة الوضع القائم، مهما بلغ سوؤها. قامت إسرائيل بمعركة عسكرية وقام الجيش الإسرائيلي بقصف أبناء الشعب المنتمي إليه المواطنون العرب، وبحالات كثيرة منهم من هم أبناء عوائلهم، بتجاهل الرابط العائلي العاطفي الشخصي والقومي الذي يجمع المواطنين العرب بفلسطينيي غزة. إنّ منظومة العلاقات داخل إسرائيل، لم تفلح باحتواء ذلك فكادت تنهار.

إذاً، بهذا الصيف اجتمعت عوامل ثلاثة هي: ازدياد قوة المجتمع العربي ومعه حضور المواطنين العرب في الأحياز المشتركة، حرب في غزة موضعت الجمهورين العربي واليهودي ضمن مواقف استقطابية بالمطلق وشبكة اجتماعية أزاحت الستار عن ذلك.

تماماً بالنقطة الزمنية التي تفاعلت فيها العوامل الثلاثة، حدث التحالف الخطر بين اليمين المتطرف داخل الحكومة واليمين الأكثر تطرفاً في الشارع. إنّه الدمج الذي حرّك التصعيد. فقد خرج سياسيون من اليمين، بمن فيهم وزراء حكومة، بتصريحات غير مسبوقة ضد المواطنين العرب، مستغلين تضامن المواطنين العرب مع الفلسطينيين المقصوفين بغزة للتحريض عليهم وإظهارهم كداعمين للإرهاب. إنّ قرار لجنة المتابعة إعلان الإضراب العامّ تضامناً مع الضحايا في غزة كان شرعياً جداً وغير عنيف. لكن وفي المقابل اقترح وزير الخارجية مقاطعة المصالح التجارية العربية المشاركة بالإضراب، وبالتالي إلحاق الضرر البالغ بالاقتصاد العربي.

هكذا يُكمل أحدهما الآخر، ليبرمان والفاشيون أتباع كهانا في الشارع – كان هناك من اقتحم بعنف إحدى الصيدليات وطلب إقالة الصيدلانية العربية من صيدلية الحيّ، في حين يعمل ليبرمان بمستوى أكبر على الإطاحة بالعرب من مواقع الاقتصاد، أو على الأقل إعادتهم لمكانهم "الطبيعي" في أعمال الكدح والشقاء. أمّا السياسيون فيحاولون منذ سنوات إخراج النواب العرب من الكنيست، بينما يحاول داعموهم من الشارع إبعاد الناخبين الذين أوصلوا هؤلاء النواب إلى الكنيست، من أماكن العمل. الحديث هنا ليس عن عملية منسّقة ومخطط لها، لكنها عملية مجتمعة يقوم من خلالها الطرفان – الجهات الكهانية من الشارع وبعض السياسيين من اليمين المتطرف – بالتحريض والعمل المتوازي في ميادين مختلفة من أجل نفس الهدف. إنّ الهجمة الحاصلة ضد المواطنين العرب، آتية في الوقت ذاته من الكنيست والحكومة والشبكة الاجتماعية ووسائل الإعلام كما الشارع طبعاً.

إجتماع كلّ هذه الجهات سوية، يدهور الوضع أكثر فأكثر لدرجة لا يمكن فيها السيطرة عليه.

ما هي الخطوة القادمة؟
لستُ يائساً ولا زلت مؤمناً بإمكانية تحقيق مستقبل أفضل لمنظومة العلاقات بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل. أثبت التاريخ أنّ نزاعات عرقية أصعب وأعنف حصلت في السابق، قد حُلّت وأنّ نزاعات كانت تبدو هادئة تدهورت لحمّام دماء. جميع الخيارات موضوعة على الطاولة.

لكن من الهام جداً فهم مسبّبات التدهور. في تقديري، ليس هذا عبارة عن كراهية عمياء سحيقة وعميقة من قبل اليهود للعرب. بل إنّ العنصرية تجاه المواطنين العرب هي واحدة من النتائج السيئة للصراع القومي الإسرائيلي-العربي. إنّ اندلاع العنف والكراهية هذا الصيف، هي على ما يبدو ردّ فعل اليمين العنصري إزاء مناحي زيادة قوة المجتمع العربي وإزاء وجود المزيد من الأحياز المشتركة لليهود والعرب. ثمة أهمية لهذا الإدراك في مواجهة الواقع الجديد وتغييره بشكل جذري.

على أثر نشر هذا المقال باللغة العبرية، ظهر مقال ليوني أشبر، خبير بحقوق الإنسان يعمل بمنظمات تنشط في إسرائيل والمناطق المحتلة من أجل ضمان حقوق الإنسان، ردّ فيه على مقالي مدعياً أنّ تشخيصي للوضع صحيح وفعلاً هناك في إسرائيل إتجاهات متضاربة من حيث العلاقات اليهودية العربية وأيضاً أننا رأينا حقاً ردّ الفعل المضاد لليمين إزاء إزدياد قوة المجتمع العربي. لكنه أضاف مدعياً أنه بأماكن أخرى في العالم وحينما جرى تشخيص خاطئ لأسباب تفجّر العنف، حدث تصعيد لهذا التفجّر. لذلك، هو يقترح الإمتناع عن التحليل الخاطئ بأنّ غالبية الجمهور اليهودي قد أصبحت عنصرية.

بجميع الأحوال، الوضع مقلق جداً. فالمجتمع الإسرائيلي يشهد الآن صراعاً كبيراً ما بين القوى الديمقراطية والأخرى غير الديمقراطية. السيناريو المتفائل الآن هو أن تتضح هذه الفترة لاحقاً على أنها معركة اليمين الأخيرة التي سيفشل فيها بنضاله ضد إحلال المجتمع المشترك المتكافئ داخل إسرائيل. طبعاً هناك سيناريوهات أسوأ ممكنة: إبعاد الأقلية العربية من المجتمع والاقتصاد في إسرائيل، تعميق التمييز، ومن المحتمل أن ينفر الجمهور العربي من امتصاص الهجمة فيتحوّل لردّ فعل عنيف. هذه قد تكون، معاذ الله، بداية معركة عنيفة جداً بين اليهود والعرب في إسرائيل. من وجهة نظري، هذا ليس هو السيناريو المحتمل لكنه لم يعد ضرباً من الخيال. 


النبأ الصعب لكلّ اليهود والعرب الساعين لخلق المجتمع المشترك المتكافئ في إسرائيل، أنّ النجاحات التي حصدناها، تعزيز المجتمع العربي وخلق الأحياز والمجالات المشتركة، هي التي شجعت ردّ الفعل المضاد. حتى لو نجحنا بعد مجهود فائق خلال السنوات القريبة بمنع التدهور وتحقيق شراكة المجتمع العربي في مراكز القوة والاقتصاد والمجتمع داخل إسرائيل، سيجند اليمين المتطرف كلّ قواه في محاولة لوقف هذه السيرورة. نحن مضطرون لمواصلة بناء المجتمع المشترك، لكننا مطالبون هذه المرة بالاستعداد لردّ الفعل المضاد. فبالإضافة للاستثمار في البناء، لا بدّ لنا من الإستثمار في تجهيز ردّنا على الهجوم المضاد.

إن كنّا روّاد حياة، مواطنين يهود وعرب راغبين بمستقبل جيّد ومشترك في هذه البلاد، لا خيار أمامنا سوى الاستعداد لنضال صعب ومتواصل. نحن من يجب أن نمسك بزمام الأمور وما من أحد يستطيع فعل ذلك بالنيابة عنّا.

الكاتب مدير مشارك لجمعية "سيكوي"من أجل المساواة المدنية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة