الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 14:01

نتنياهو وتسويق الهزيمة في غزة/بقلم:النائب مسعود غنايم

كل العرب
نُشر: 12/08/14 16:18,  حُتلن: 08:02

النائب مسعود غنايم في مقاله: 

هدف نتنياهو في هذه اللحظات التي توقف بها القتال وبدأت المفاوضات في القاهرة حرمان المقاومة الفلسطينية من قطف ثمار سياسية لصمودها العسكري

الحمد لله الذي هدى بني الإنسان لاختراع التقنيات الحديثة من كاميرات ويوتيوب وغيرها من أدوات التوثيق الصوري والصوتي الذي فضح هذا الجيش الأخلاقي وضبطه متلبسًا بجرائم المغول والبرابرة وأخلاق "الأغيار" المنحطة الهابطة

المجتمع الإسرائيلي اليهودي دائما يتحد ويتفق على الحرب ولا يتفق على السلام ولم يشهد التاريخ اغتيال قيادي أو رئيس وزراء إسرائيلي بسبب حرب بينما شهد اغتيال رئيس وزراء بسبب محاولته الوصول لسلام، وهو إسحاق رابين

نتنياهو خبير وبارع في التسويق الإعلامي ومنذ اليوم الأول للعدوان علم بأن هذه الحرب ستكون مصيرية لمستقبله السياسي لذلك عمل على مسألة التسويق الإعلامي للحرب لأن المسألة في نهاية الحرب هو كيفية تسويقها مهما كانت نتائجها

نتنياهو وحكومته حددوا عدة أهداف للحرب منها القضاء على الأنفاق وجلب الهدوء للمنطقة الجنوبية ونزع سلاح المقاومة، وجعل غزة منزوعة السلاح وغيرها لكنه ركّز في الإعلام على قضية الأنفاق لأنها مخرجه الوحيد 

منذ بداية العدوان على غزة كانت الإشارات والعلامات تدل على أن "جرف" المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لن يكون "صامدا"، بل سيتحول إلى شفا جرفٍ هارٍ، تنهار على حافته المتهاوية أساطير إسرائيل، عن قوتها وعن جيشها الذي لا يقهر والذي لا زال يعيش أحلام حرب الستة أيام، وأساطير جيشها الأخلاقي الذي لا مثيل لأخلاقياته في كل جيوش العالم.

الحمد لله الذي هدى بني الإنسان لاختراع التقنيات الحديثة من كاميرات ويوتيوب وغيرها من أدوات التوثيق الصوري والصوتي الذي فضح هذا الجيش الأخلاقي وضبطه متلبسًا بجرائم المغول والبرابرة وأخلاق "الأغيار" المنحطة الهابطة. هذه الكاميرات وثّقت جرائم هذا الجيش ضد العرب والفلسطينيين قتلا وضربا وتعذيبا وتدميرا. وعلى الرغم من كل الأدلة والإثباتات على جرائم الحرب التي ارتكبها هذا الجيش إلا أن أبواق دولة بني إسرائيل السياسية والإعلامية والعسكرية ما زالت تحاول تسويق كذبة الجيش الأخلاقي والأبناء أصحاب التربية الإنسانية السوبر.

عندما قلتُ من على منصة الكنيست عند بداية العدوان على غزة وقصف بيت عائلة كوارع وقتل العائلة بأن "جيش إسرائيل قاتل"، قامت الدنيا ولم تقعد، وعلى تلفوني البيتي وصلني صوت أحد آباء الجنود عبر التسجيل الصوتي وبلغة غضب واستعلاء: "أنت اتهمت ابني بأنه قاتل، وهذه تهمة خطيرة غير صحيحة، أبناؤنا ليسوا قتلة..". هكذا تتم صناعة الفرية والأسطورة، وهكذا يدافع المجتمع الإسرائيلي عن جيشه الذي قصف غزة ودمرها كما لم يفعل هولاكو ببغداد.

كل الاستطلاعات حتى الآن تثني على أداء رئيس الوزراء نتنياهو مع شركائه وزير الحربية ورئيس هيئة الأركان خلال الحرب. عندما رأيت هذه الاستطلاعات لم أستغرب لعدة أسباب:

أولا: المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري حربي، يجتمع ويتفق في أوقات الحرب بكل أطيافه. وفي هذه الحرب دعمت المعارضة ممثلة بحزب العمل وميرتس قرار الحكومة بالعدوان على غزة ولم توجّه أي انتقاد للحكومة خلال العدوان. بل على العكس، في بعض المواقف كانت متطرفة أكثر من الحكومة ومن نتنياهو. المجتمع الإسرائيلي اليهودي دائما يتحد ويتفق على الحرب. ولا يتفق على السلام. ولم يشهد التاريخ اغتيال قيادي أو رئيس وزراء إسرائيلي بسبب حرب، بينما شهد اغتيال رئيس وزراء بسبب محاولته الوصول لسلام، وهو إسحاق رابين.

ثانيا: حاز نتنياهو في هذه الحرب على تأييد اليسار والمركز في الجمهور الإسرائيلي وقسم من الجمهور اليميني. وهكذا ربح نقاطا مهمة في الاستطلاعات لصالحه، مستغلا وجود الأصوات المجنونة المتطرفة في حكومته مثل ليبرمان وبينيت، لكي يبدو أمام الجميع بأنه الأعقل والأكثر اتزانًا في كيفية اتخاذ القرارات وقت الحرب. وفعلا معظم المحللين قالوا إن نتنياهو ويعلون كانوا الأكثر اعتدالا وضبطا للنفس خلال هذه الحرب.

ثالثا: نتنياهو خبير وبارع في التسويق الإعلامي، ومنذ اليوم الأول للعدوان علم بأن هذه الحرب ستكون مصيرية لمستقبله السياسي، لذلك عمل على مسألة التسويق الإعلامي للحرب، لأن المسألة في نهاية الحرب هو كيفية تسويقها مهما كانت نتائجها. نتنياهو وحكومته حددوا عدة أهداف للحرب، منها القضاء على الأنفاق، وجلب الهدوء للمنطقة الجنوبية، ونزع سلاح المقاومة، وجعل غزة منزوعة السلاح، وغيرها. لكنه ركّز في الإعلام على قضية الأنفاق لأنها مخرجه الوحيد عندما سيحاسَب أو يُساءَل عن تحقيقه لأهداف الحملة. فالأنفاق هدف يستطيع المناورة من خلاله على تنفيذ الغاية من الحملة، على الرغم من اعترافه واعتراف العسكريين بأن القضاء على كل الأنفاق الهجومية الموجهة نحو إسرائيل غير مضمون.

يحاول نتنياهو إسكات الرأي العام الإسرائيلي على الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي خلال العدوان والتي فاقت في عدد الجنود والضباط ما قتل خلال حرب لبنان الثانية عام 2006، وعلى العمليات النوعية التي قامت بها الفصائل الفلسطينية ومفاجأة إسرائيل بالأنفاق والقدرة الصاروخية التي وصلت شمالا حتى حيفا، عن طريق تسويق العملية العسكرية على أنها ناجحة لأنها قضت على خطر الأنفاق وأعادت حماس والفصائل الفلسطينية عدة سنوات إلى الوراء.

هدف نتنياهو في هذه اللحظات التي توقف بها القتال وبدأت المفاوضات في القاهرة حرمان المقاومة الفلسطينية من قطف ثمار سياسية لصمودها العسكري. ويحاول من خلال التعاون مع الحليف الجديد عبد الفتاح السيسي، والجيران المتعاونين السعودية والإمارات وغيرهم، الخروج من الإحراج العسكري الذي وُضع فيه الجيش الإسرائيلي على يد المقاومة بخسائر سياسية ضئيلة تعطيه الفرصة ليسوّق هزيمته كأنها نصر وتحقيق لأهداف أرادها ورسمها. نتنياهو الآن يضع نصب عينيه ثبات حكومته ومستقبله السياسي، وكل ذلك متوقف على براعته في تسويق العدوان على غزة للرأي العام الإسرائيلي.

هذا الدرس العسكري والإعلامي يعرفه نتنياهو جيدا لأنه استغل هزيمة أولمرت في حرب لبنان وفشله في تسويق نصر موهوم للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة.

* عضو الكنيست عن الحركة الإسلامية- القائمة العربية الموحدة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة