الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 07:02

بين الجلسات العبثية والمفاوضات الاستراتيجية/ بقلم: الشيخ محمد محاميد

كل العرب
نُشر: 08/08/14 20:25,  حُتلن: 07:20

الشيخ محمد محاميد في مقاله:

العين ترى نكبة ونكسة متجددة ليل نهار في الضفة الغربية بالإضافة للحواجز العسكرية التي تشل حياة المواطن الفلسطيني

المفاوضات هي حرب سياسية موازية للحرب العسكرية وما غير ذلك فهي جلسات املاء الطرف القوي على الضعيف المُستلم

المقاومة ستنجح بفرض بعض شروطها وعلى رأسها رفع الحصار وبعض التسهيلات الأخرى مقابل الحصول على هدنة مؤقتة لفترة سيتم تحديدها الآن او مفتوحة ستُحدها المواجهة العسكرية القادمة

مما لا شك فيه أن مصطلح المفاوضات بات يتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار خلال المرحلة الراهنة من تاريخ قضية شعبنا الفلسطيني الصامد في وجه الاحتلال الإسرائيلي، فلا بد لي قبل أن أقدم طرحي ورؤيتي أن أُفصل معنى المفاوضات في قاموس الإنسان العربي، فهي تعني تبادل الرأي بين ذوي الشأن فيه بغية الوصول إلى تسوية واتفاق، حيث يحمل كلا الطرفيّن المتفاوضيّن أجندتهم الخاصة ويحاول كل طرف أن يحصل على عدد النقاط الأكبر لصالحه، فالمفاوضات لها علاقة مباشرة في الحرب فهي تأتي إما قبلها لتحول دون وقوعها فتُحقن الدماء وإما بعد ما تُسفك الدماء في حرب ضروس انفضت دون حسم عسكري واضح لأحد طرفيّ النزاع، فيجلس كلا الطرفين ليتصارعان مجددا في ميدان جديد ليغنما ما لم يغنماه في الحرب، فالمفاوضات هي حرب سياسية موازية للحرب العسكرية وما غير ذلك فهي جلسات املاء الطرف القوي على الضعيف المُستلم المُذعن فلا يصح تسميتها مفاوضات!.

فبعد هذه المقدمة التي فصلتُ فيها المعنى الحقيقي للمفاوضات فلا يصح لأحد أن يُطلق على الجلسات العبثية التي تجمع الحكومة الإسرائيلية بسُلطة أوسلو التي جاء بها الإحتلال الإسرائيلي من الشتات لتقليم أظافر المقاومة في الداخل والخارج بعد الانتفاضة الشعبية الاولى والمتمثلة اليوم بمحمود عباس ابو مازن لقب مفاوضات، فهذه الجلسات القائمة بشكلها العلني منذ عام 1993م لم تؤتي أكلها وثمارها حتى يومنا هذا في عام 2014م وإن الشيء الوحيد الذي حققته هي تخفيف العبء الإداري والأمني على الجانب الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة لما يُسمى التنسيق الأمني وهو الانزلاق الخطير في وحل الخيانة -بدون تزيين للعبارات- حيث اصبحت اجهزتها الامنية امتداد ينطق بالضاد للأذرع الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

فهذه الجلسات العبثية التي يُطلق عليها الإعلام لقب المفاوضات لم نرَ لها أي انجاز حقيقي وعملي في حياة المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية إلى يومنا هذا وقطاع غزة حتى عام 2006م الذي شهد الحسم العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس وإحكام سيطرتها إلى يومنا هذا على القطاع، فهذه الجلسات التي يستميت البعض من أجلها لم تكبح جماح عملية الاستيطان الإسرائيلي وتهويد أراضي الضفة الغربية عبر الوتيرة السريعة لإنشاء المستوطنات الجديدة والخطط التوسعية للمستوطنات القائمة على حساب اراضي المواطن الفلسطيني حيث أن العين ترى نكبة ونكسة متجددة ليل نهار في الضفة الغربية، وذلك بالإضافة للحواجز العسكرية التي تشل حياة المواطن الفلسطيني بالإضافة لاعتداءات المستوطنين المتكررة.

فهذه الجلسات ذات الطعم الفاسد واللون الشاحب ليست اكثر ولا اقل من جلسات روتينية فلا ادري على ماذا يتفواض كبير الجالسين ومساعديه فيها وما هي عناصر القوة وبطاقات الضغط التي بيده، فمن يوم ليوم نسمع عن المزيد والمزيد من التنازلات تارة عن القدس وتارة اخرى عن عودة اللاجئين إلى صفد وغيرها من اراضينا التي تم سلبها عام 1948م، تماما تُرجع ذاكرتي التاريخية إلى عام 1919م وتحديداً اتفاقية او معاهدة فرساي حيث جلس أصحاب السطوة والقوة "دول الحلفاء" فارضين شروطهم وإملائاتهم على الضعفاء المهزومين "دول المحور" حيث صادق يومها الالمان على شروط الحلفاء القاسية صاغرين وذلك لضعفهم وهزيمتهم العسكرية فليس هنالك أي بطاقة ضغط بيدهم يدافعون فيها عن اجندتهم ومصالح شعبهم، وكذلك تُذكرني هذه الجلسات بقصة الذبابة التي دخلت إلى إحدى الغرف باحثة عن ضالتها فلما عزمت على الخروج من الغرفة توجهت إلى إحدى النوافذ الزجاجية المغلقة وأخذت تحاول مرارا وتكرارا الخروج عبر هذه النافذة المغلقة وكل مرة تصطدم بفشل ذريع حتى تعبت وتهاوت على الارض ساقطة ميتة دون ان تحقق اهدافها ولو أنها بحثت عن مخرج آخر لازمتها لوجدت باب الغرفة المفتوح مخرجا ونجاة لها، وهذا حال الجلسات العبثية!.

وبعيدا كل البعد عن الجلسات العبثية التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، حيث تدور خلال هذه الأيام مفاوضات استراتيجية في القاهرة تجمع طرفي النزاع العسكري الذي بدأ بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانتقل من ميادين الهيجاء المشتعلة بعد الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إلى غرف المفاوضات السياسية بعد فشل الحسم العسكري عملياً في ارض المعركة، حيث أن المختلف هنا أن وفد المقاومة يحمل اجندة استراتيجية وأهمها انتزاع بعض حقوق أهالي غزة الإنسانية كرفع الحصار عنهم عبر إقامة ميناء بحري دولي في غزة ليُخلصها من قبضة الكماشة وفكي الحصار الإسرائيلي ونظام الانقلاب المتمثل بالسيسي في مصر.
فجلس الطرفان ولكل منهما له اولويات يطرحها على الطاولة والمفاوض الفلسطيني هنا يطرح نقاطه على طاولة المفاوضات بقوة وحزم لأنه أفهم الجميع أن الذي لم تنتزعه الحكومة الإسرائيلية بحملتها العسكرية وعدوانها الإجرامي على غزة لن تأخذه بالسياسة، وأهم عوامل ثبات المفاوض الفلسطيني الآن على طاولة المفاوضات حيازته على بطاقة ضغط قوية وهي استمرار الجولة العسكرية "العصف المأكول" الحالية عبر مواصلة المقاومة لإطلاق صواريخها وتنفيذ عمليات الانزال خلف القوات الإسرائيلية البرية التي تضع المفاوض الإسرائيلي في مأزق حقيقي وما بين المطرقة والسندان، حيث أن المفاوض الفلسطيني ليس لديه ما يخسره إلا بدفع المزيد من التضحيات باستشهاد المزيد من أهالي غزة نتيجة القصف والغارات الإسرائيلية على المدنيين في القطاع ودماء أبناء شعبنا جداً غالية وشعب غزة تعود على ذلك ومستعد لتقديم التضحيات وذلك يعني الاستمرار بالجولة العسكرية التي ارهقت المجتمع الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية عسكريا واقتصاديا وسياسيا إلا من "اكلة البرسيم العرب"، فاعتقد أن المقاومة ستنجح بفرض بعض شروطها وعلى رأسها رفع الحصار وبعض التسهيلات الأخرى مقابل الحصول على هدنة مؤقتة لفترة سيتم تحديدها الآن او مفتوحة ستُحدها المواجهة العسكرية القادمة، فشتان شتان ما بين الجلسات العبثية والمفاوضات الاستراتيجية، فإذا لم يكن بيدك ورقة ضغط فإياك أن تجلس على الطاولة لأنك ستخسر كل شيء!.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة