الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 13:02

المعتقد ديني يوجه الاحتلال والعنصرية وقتل الأطفال/ بقلم: د. محمد عبد الرحمن تلس

كل العرب
نُشر: 05/07/14 08:31,  حُتلن: 07:50

د. محمد عبد الرحمن تلس في مقاله:

الهيمنة على الإعلام وتجييشه لمصلحة الأمن والمتطرفين يلقي الضوء على اعتداء عشوائي من فلسطيني منفرد ليضخمه ويصدره إلى جميع وسائل الإعلام في العالم

حكومات إسرائيل تثبت للقاصي والداني بأنها دولة استعمارية بامتياز والأسوأ من ذلك أن هذا الاستعمار يستمد مشروعيته من لا شيء

منذ سنة 2000 إلى سنة 2013 قتلت قوات جيش الاحتلال 1518 طفلا فلسطينيا. أي انه بالمعدل يقتلون طفلا فلسطينيا كل ثلاثة أيام! هذه المعلومات الرسمية وردت في تقرير من السلطة في رام الله. كما أشار التقرير أن عدد الأطفال الذين جرحتهم قوات الاحتلال يصل إلى 6000 طفل. وقد نقلت هذه المعلومات مجلة (middle east monitor) في شهر يونيو من 2013.

إن هذه المعلومات رغم وقعها الرهيب لم ولا تستدعي أي استنكار من العالم الغربي أو العربي، وحتى بالكاد من السلطة نفسها. إن الهيمنة على الإعلام وتجييشه لمصلحة الأمن والمتطرفين، يلقي الضوء على اعتداء عشوائي من فلسطيني منفرد ليضخمه ويصدره إلى جميع وسائل الإعلام في العالم، بينما يبقى قتل الأطفال الفلسطينيين حالة عابرة في الإعلام كحالة الطقس. ناهيك عن العقاب الجماعي والحبس الإداري الذي يعتمد على تعليمات استعمارية بريطانية منذ سنة 1949، ثم هدم للبيوت عقابا جماعيا للناس، ومئات الحواجز التي لا هدف لها سوى إذلال الناس واحتقارهم. ويحضرني هنا تصريح للبروفسور (الان بابي) في احد لقاءاته معنا قائلا، "إن جيشنا ضميره حي بل أكثر جيوش العالم لطفا وخلقا وحرصا على التعامل الإنساني! واستطرد مستنكرا يقول "لكن المشكلة الوحيدة لديه هي أن هذا الجيش لا يرى بالفلسطينيين على إنهم بشر"!!.

والمهم أن حكومات إسرائيل تثبت للقاصي والداني بأنها دولة استعمارية بامتياز، والأسوأ من ذلك أن هذا الاستعمار يستمد مشروعيته من لا شيء، وهذا اللاشيء يسمونه (الحق التاريخي)!! فهو استعمار يتجاهل تماما وجود شعب. أما الاستيطان ونهب الأراضي فهو اكبر دليل على ذلك. فكيف يكون سلام بلا تحرير للشعب والأراضي المغتصبة؟
على ضوء ذلك اجزم بأنه لن يكون سلام أبدا بين الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني لسببين أساسيين
أولا، إن ضعف الطرف الفلسطيني والعربي الذي (يَحرم) الطرف الإسرائيلي من التصرف بواقعية وعقلانية، وان يعود إلى رشده. إذ يمنحه هذا الضعف المزمن التمادي في عدوانه اليومي. فالسلام يصنع بين ندين متكافئين وليس استجداء أو إهداء. و لم يكن تاريخيا سلام بين طرفين خصمين إلا إذا كانا قويين، عند كل طرف قوة رادعة لخصمه. أما الحالة السائدة اليوم فهي استسلام غير رسمي، لتنفيذ مآرب الاستعمار الإسرائيلي وبأيدي منها فلسطينية.

ثانيا، والأهم هو ما المح إليه البروفسور (الان بابي) وهو أن اليهود المتطرفين والامن يرون بالعرب حسب رؤيتهم الدينية (الاغيار) أو (الجوييم). وهنا برأيي المأزق الإسرائيلي الذي يجعل الدولة تخرج عن كل قواعد التعامل المعمول بها عالميا بين الدول، ويجعل منها دولة مارقة في مفهوم القانون الدولي بشكل مزمن، لا تطبق قراراته وتضرب بها عرض الحائط.
لنحاول أن نفهم ماذا يقصد بالاغيار (غير اليهود)، وكيف ينعكس هذا التعريف على مجريات الأمور من حولنا. بحثت منذ مدة في مصادر ودراسات عبرية كثيرة، وكانت جميعها متقاربة ومتفقة الى حد بعيد في تعريف الأغيار، فوقع اختياري على دراسة أكاديمية قامت بها باحثتان يهوديتان واسماهما نعومي ديان وافرات بوتسر، والدراسة متاحة للتحميل والدراسة تحت عنوان (מהו היחס לחיי הגוי בספרות היהודית?).

ملخص هذا البحث يتحدث عن ثلاث مراحل تاريخية، في البداية طرح اليهود مبدأ التساوي بين اليهودي وغير اليهودي، واعتبر أن الجميع هم خلق الله سواسية. وان من قتل نفسا كمن قتل الناس جميعا، والقتل قصاص (كما في الاسلام اليوم تماما). أما في مرحلة تالية، أصبحت مكانة الغريب (נכרי)، تتراجع مقابل مكانة اليهودي، ومثالا على ذلك تقول الدراسة بأنه يجوز قتل الغريب من اجل اليهودي، ولكن لا يجوز قتل اليهودي من اجل الغريب. وفي مراحل متأخرة تبرز الدراسة بأن حياة (الاغيار) أي غير اليهود، أصبحت لا قيمة لها عند اليهود. وتطرح أمثلة كثيرة لتوضيح هذه القاعدة: مثلا لا يجوز إنقاذ الغير يهودي (גוי) إذا كانت حياته مهددة بالخطر، وحالات أخرى يتم فيها قتل (الاغيار) عن طريق اليهود بدون أي ذنب اقترفوه، وتسرد أمثلة كثيرة على ذلك. وفي مجمل البحث تقول الباحثتان أن هناك عنصر آخر مستهجن، وهو البهجة والسرور التي تحل على اليهود لمقتل (الغريب)! وتقولان بأن الديانة اليهودية لا تعتبر هؤلاء الغرباء من الآدميين. وتستشهدان بشخصية دينية مرموقة، وهو (الرابي شمعون بار يوحاي) الذي يقول: "إن الجيد من (الأغيار) هو المقتول"! ويبرر قوله هذا بان "(الأغيار) ليسوا بشرا"!
وتقول الباحثتان في نهاية الدراسة بأسف وامتعاض " لقد تمنينا منذ بداية هذه الدراسة أن نجد في المصادر اليهودية مشاعر واحترام لحياة الغريب. ولكن للأسف وجدنا الأغلبية الساحقة تتحدث ضد (الأغيار) وتدني قيمة حياتهم إلى أقل من حياة اليهودي". وتنتهي الدراسة بخيبة أمل كبيرة ومرارة وبكلمة أخيرة تقولان فيها" بالذات شعب يعاني من الاضطهاد والملاحقات على مدار تاريخه، كان عليه أن يتعلم أن يحترم كل إنسان فقط لأنه إنسان"!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة