الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 22:01

تعليم الفلسفة كرافعة لإنعاش التفكير الإبداعي الناقد لدى الطالب العربي/ بقلم د.كمال موعد

كل العرب
نُشر: 10/05/14 17:54,  حُتلن: 08:22

د.كمال موعد في مقاله:

التربية الاسريّة والمدرسيّة التي يتلقاها الطفل العربي عموما لا تشجعه بتاتا على تطوير قدرات عقلية نفسية وروحانية تجعله قادرا على التفكير المستقل الابداعي المجدد 

الطالب العربي مع الاسف لا يمتلك مثلا القدرة الذهنية المعرفية التي تمكنه من تشكيل مواقف تبريرها وشرحها والدفاع عنها بصورة منطقية باستخدام حجج وبراهين منطقية مقنعة

 الطفل العربي عموما لم يذق مثلا طعم الحديث الحواري المحترم الديمقراطي في المدرسة كبديل عن الحديث الإملائي احادي الجانب

ينبغي وبلا تأخير تدريس اصول التفكير الفلسفي التأملي الناقد العميق في مدارسنا العربية على أيدي معلمين مؤهلين مهنيين وهو التفكير الذي يحوي في طياته فوائد كثيرة للطالب

عديدة هي الاشكاليات التي يكابدها التعليم العربي في السنوات الاخيرة والتي تطالعنا بها التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة المعارف والتقارير والأبحاث التي تصدر عن مراكز ابحاث يهودية وعربية. تلك الاشكاليات التي انعكست سلبا على تحصيل الطالب العربي، قياسا بالطالب اليهودي، في مختلف الامتحانات القطرية كامتحان "الميتساف" والبسيخومتري، وكذلك في الامتحانات العالمية مثل "بيزا" و "تيمز" والتي تختبر قدرات الطالب في حقول معرفية عديدة مثل العلوم، فهم المقروء والرياضيات. لكن هنالك اشكالية اخرى تواجه الطالب العربي ونادرا ما يتم التطرق اليها في التقارير والأبحاث، وهي مرتبطة بصورة مباشرة بتلك الاشكاليات، الا وهي ضعف قدرته على التفكير الناقد الابداعي المستقل مما ينعكس سلبا وبصورة قوية على انجازاته العلمية وهبوط تحصيله في مختلف الاختبارات والامتحانات القطرية والعالمية.

بكلمات اخرى، ان التربية الاسريّة والمدرسيّة التي يتلقاها الطفل العربي عموما لا تشجعه بتاتا على تطوير قدرات عقلية نفسية وروحانية تجعله قادرا على التفكير المستقل الابداعي المجدد وعلى الخروج من انماط التفكير التقليدية التي لا ينتج عنها إلا خنق الشخصيّة المستقلة الواثقة والسيطرة على اتجاهات تطورها. معنى ذلك وجود علاقة مباشرة وواضحة بين نوع التربية الاسرية والمدرسية التي يتلقاها الطالب العربي وبين مستوى تحصيله في تلك الامتحانات وبالتالي لا يجب ان يلام الطالب عليها بل الاسرة والمدرسة هى التي يجب ان تلام. الطالب العربي مع الاسف لا يمتلك مثلا القدرة الذهنية المعرفية التي تمكنه من تشكيل مواقف، تبريرها، شرحها والدفاع عنها بصورة منطقية باستخدام حجج وبراهين منطقية مقنعة، ولا يمتلك القدرة على نقد ما يقرا وما يسمع وما يرى، ولا يقوى على الخروج عن القوالب الفكرية النمطية "المربعة" التي رسمها له المجتمع جيلا بعد جيل والتي تحولت الى انماط شبه مقدسة لا يجوز المساس بها والتي منعته من الاحتجاج، الرفض، المعارضة، التحليل، الاستنتاج ومن اقتراح بدائل وهي كلها عمليات تفكير تحتاج الى قدرات ذهنية عالية ابداعية.

ان الطفل العربي عموما لم يذق مثلا طعم الحديث الحواري المحترم الديمقراطي في المدرسة كبديل عن الحديث الإملائي احادي الجانب، الحديث "الايداعي البنكي" الذي لا ينتج عنه سوى تسطيح العقول وتسخيفها وتحويلها الى مجرد اداة للاستيعاب لا الى اداة للإنتاج الفكري الابداعي. وبما ان تلك الامتحانات القطرية والعالمية تتطلب مستويات عالية من التفكير العميق التحليلي الناقد الاستنتاجي، فان قلة قليلة فقط من الطلاب العرب يجتازونها وينجزون فيها تحصيلا مشرفا. الامور اذا، على الاقل من وجهة نظري الشخصية، واضحة وبالتالي فان الحل واضح هو الاخر: الانتقال الى تربية اسرية ومدرسية جديدة تحترم الطفل وعقله، تتيح له المجال لينمو على طبيعته دون ضواغط وقيود، تشجع على الحوار والنقد الحر، تنمي لديه ثقافة الرأي والرأي الآخر، تسمح له بالتفكير الحر بكل ما يحيط به بصورة عميقة وتحليلية استقرائية واستنتاجيه.

بكلمات اخرى، تمكين الطفل من ممارسة اصول وقواعد التفكير الفلسفي. ولكي يتحقق ذلك، ينبغي وبلا تاخير، تدريس اصول التفكير الفلسفي التأملي الناقد العميق في مدارسنا العربية، على أيدي معلمين مؤهلين مهنيين، وهو التفكير الذي يحوي في طياته فوائد كثيرة للطالب اولها رفع مستوى القدرات الذهنية المجردة لديه، توطيد ثقته بنفسه وبقدراته، تعزيز قدرته على التعامل مع الحالات الغريبة والجديدة والصمود تحت الضغط والتعامل مع الاخر دون وجود مشاعر دونية، توسيع آفاقه المعرفية الادراكية، التأمل في قضايا جوهرية اولها جوهر الإنسان والمجتمع والكون، القدرة على ترتيب اولوياته ومعرفة نفسه ووضع منهج حياة ونظام خاص به يلبي طبيعته وميولة وقدراته، التركيز على أهداف سامية خاصة به وعلى الرسالة التي يصبو الى تحقيقها وغيرها وغيرها. مع عميق الاسف، فان المدرسة العربية تحولت بالأساس الى "مصنع للعلامات" دون النظر الى تطوير جوهر الطالب وبناء ذاته وبالتالي فإننا نشهد انقراض التوجه الانساني من مناهج التعليم في المدرسة العربية او على الاقل تهميشها وهذه بنظري جريمة نرتكبها جميعا بحق الاجيال، دون ان ننتبه او نقصد، ندفع ثمنها غاليا. من هنا، علينا دونما ابطاء، المطالبة بإدخال موضوع الفلسفة، التي تشكل أصل وأم العلوم، إلى مناهجنا وتدريسه حتى ولو بالحد الادنى لما في ذلك من قفزة نوعية حتما ستتحقق لدى اطفالنا، قفزة يجني ثمارها المجتمع العربي ككل، إن لم يكن في المدى المنظور فمن المؤكد في المدى البعيد عملا بالحكمة التي تقول "من الافضل ان تأتي متأخرا من ان لا تأتي ابدا".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة