الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 06:01

ادارة ميزانية الأسرة قرار اجباري وليس اختياري/بقلم: د. محمود الخطيب

كل العرب
نُشر: 23/03/14 20:45

د.محمود الخطيب – محاضر في الكلية الأكاديمية أونو في مقاله:

قبل 50 عاما كان أجدادنا يعيشون بحسب المثل العامّيّ الذي يقول: "على قدّ فراشك مدّ اجريك"

في أيامنا هذه في دولة إسرائيل تقول الإحصائيات الرسمية أن 56% من المجتمع يعيشون في السحب الزائد! 

يجب علينا أولا أن نفرق هنا بين ضائقة مالية مبررة وأخرى غير مبررة فالضائقة المالية المبررة هي عندما تفوق حاجاتُك الأساسية دخلَك وغير المبررة هي تلك التي تحدث لك عندما تفوق حاجاتُك الكمالية دخلَك


حدثني أحد موظفي البنوك أنّ إحدى الأسر التي يعمل الأب فيها بوظيفة محترمة والأم كذلك، حيث يتعدى دخلهم الشهري 50 ألف شاقلا، أي حوالي 13 ألف دولار (معدل دخل الأسرة العربية 8 الاف شيكل في الشهر) أن هذه الأسرة تعيش في السحب الزائد (مينوس) ولا يكاد دخلها يكفيها حتى نهاية الشهر، وفي كثير من الأحيان تضطر بعد أن تخطّت إطار السحب الزائد إلى أن تأخذ قروضا حتى تتمكن من أن تسد حاجاتها.

قبل 50 عاما كان أجدادنا يعيشون بحسب المثل العامّيّ الذي يقول: "على قدّ فراشك مدّ اجريك"، فعندما كان أحدهم يدخل في ضائقة مادية كان يلائم حياته لمقدراته، ويتنازل عن الكماليات ويعيش على الأساسيات، وإذا كانت مقدراته لا تكفي لأساسياته فإما أن يستقرض كملجأ أخير، أو أن تأتيه مساعدة من الأقرباء كون الحياة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي كانا أقوى بكثير عند أجدادنا مما هو عندنا.

في أيامنا هذه في دولة إسرائيل تقول الإحصائيات الرسمية أن 56% من المجتمع يعيشون في السحب الزائد! 50،000 عائلة تتأخر كل سنة في دفع أقساط قرض الإسكان، 12,000 عائلة تفتح لها ملفات مصادرة ممتلكات، وأكثر من نصف المجتمع لا يوجد عنده توفيرات للتقاعد. واقع لا شك أنه خطر، والسؤال المطروح: ما الذي تغيّر في الخمسين سنة الأخيرة حتى حصل هذا الاختلاف بيننا وبين أجدادنا؟ وإلى أين يمكن أن يؤدي هذا الوضع؟

يجب علينا أولا أن نفرق هنا بين ضائقة مالية مبررة وأخرى غير مبررة، فالضائقة المالية المبررة هي عندما تفوق حاجاتُك الأساسية دخلَك، وغير المبررة هي تلك التي تحدث لك عندما تفوق حاجاتُك الكمالية دخلَك، وفي تعريف ما هي الحاجة الأساسية والكمالية يطول النقاش وهذا ليس موضوعنا.
في أيامنا هذه إذا دخل أحدنا في ضائقة مالية فإنّ أول ما يفعله هو أن يدخل في السحب الزائد من البنك (مينوس מינוס)، وفي حال لم يكفِ ذلك فإنه يقوم بتوسيع إطار السحب الزائد (ماسجيرت מסגרת)، أو يقوم بتسديد المبلغ عن طريق أقساط عبر بطاقة الاعتماد (فيزا)، أو يتقدّم بطلب للحصول على قرض بنكي، وبعد ذلك ينتقل للحصول على قرض من مكان العمل، وبعد ذلك قد يضطر للتوجه للحصول على قروض من مصادر أخرى، حتى من السوق السوداء! طبعا بين هذا وذاك تزداد عدد بطاقات الاعتماد التي يملكها والسحب عليها يكون فاعلا.

الله يرحم أيامك يا جدّي؛ ففي أيامه لم تكن أمامه المغريات التي تتمثل في تطوّر الدعاية وكثرة المنتجات وازدياد المنافسة على جيب المستهلك والتي قد تجعله يدخل في ضائقة مالية، وأيضا لم تتوفّر لديه الأدوات التي قد يبدو لأول وهلة أنها تساعده في الخروج من الضائقة المالية، أدوات مثل "السحب الزائد" و"بطاقات الاعتماد" و"القروض البنكية" و"القروض من أماكن العمل" ومن مصادر أخرى، هذه كلها مصطلحات لم تكن موجودة عند أجدادنا.
الأسرة الواحدة التي دخلها 10،000 شيكل تدفع شهريا بالمعدل 1،000 فوائد على مجمل القروض، دخل البنوك يصل إلى أكثر من 10% من الدخل القومي في البلاد.

أسباب كثيرة
ما دام الواقع كذلك فلماذا لا تدير كثير من الأسر ميزانيّتها المنزلية؟ الحقيقة أن هنالك أسبابا كثيرة، السبب الأول هو سبب تاريخي، أي إنّ ادارة ميزانية المنزل لم تحتج في الماضي إلى مهارات؛ حيث كانت المصاريف معروفة، ولم يكن الموضوع ملحّا، لكنّ الحياة تغيرت ولم تتغير معها النظرة إلى أنّ إدارة ميزانية المنزل تحتاج إلى اكتساب مهارات وعلم، ولا تنتقل بالوراثة، ولا يمكن اكتسابها بشكل تلقائي من البيئة.
أما السبب الثاني فهو التحوّل من استعمال النقود النقدية إلى الدفع بطريقة "الديجيتالي"، في الماضي كانت النقود ملموسة وكلٌّ يعرف كم بحوزته من النقود، اليوم يمكن الدفع بواسطة الشيك والتحويلة وبطاقة الاعتماد، الأمر الذي صعّب كثيرا عملية إحصاء كمّ النقود الذي يملكه الشخص، وكما قالوا في علم الإدارة: "ما لا يقاس لا يدار"، فكيف إذا كان بحوزة كل فرد من أفراد الأسرة بطاقة اعتماد؟
السبب الثالث هو ضعضعة المبنى التقليدي للعائلة، خروج المرأة إلى سوق العمل وكونها شريكة في دخل الأسرة أدى إلى توزيع مسؤولية إدارة ميزانية الأسرة على أكثر من شخص، وهنا أصبحت القرارات المالية للأسرة تخرج من الأب والأم، هذا الأمر أدى إلى أن يلقي كل طرف هذه المسؤولية على الطرف الآخر، أو أن يرفض أحد الطرفين أن يتولى الطرف الآخر وحده إدارة الميزانية. مهما كان السبب فإنّ توزيع إدارة ميزانية المنزل على أكثر من شخص دون اتفاق مسبق على ذلك أدّى إلى فوضى عارمة في الموضوع.
السبب الرابع هو ثقافة الاستهلاك، والتي تتمثّل بالمغريات وفي تطوّر الدعاية وكثرة المنتجات وازدياد المنافسة على جيب المستهلك، وأصبح الناس يتأثر بعضهم ببعض ويتنافسون في الاستهلاك.
السبب الخامس هو سهولة الحصول على قروض، إذ تتوفر الأدوات التي قد يبدو لأول وهلة أنها تساعده في الخروج من الضائقة المالية، أدوات مثل "السحب الزائد" و"بطاقات الاعتماد" و"القروض البنكية" و"القروض من أماكن العمل" ومن مصادر أخرى.
السبب السادس هو التربية والتعليم، موضوع إدارة ميزانية المنزل لا يدرس لا في المدارس ولا في الجامعات والكليات ولا في أي مكان، ويوجد إهمال شديد من قبل الدولة والبيت والمدرسة فيما يتعلق بهذا الموضوع.
القائد ليس بحاجة لأن يقود أمة ليصبح قائدا، يكفي أن يقود نفسه لما هو خير لها وألا ينجر وراء الآخرين. لكن في أيامنا هذه قليل جدا من أخذوا على عاتقهم إدارة ميزانية منزلهم، قالوا:
"القائد لا يذهب إلى حيث تأخذه الطريق! إنما يذهب إلى مكان لا يوجد فيه طريق، وهنالك يترك آثاره بارزة".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة