الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

حبل الغسيل - قصة قصيرة - الجزء الثاني/ بقلم: عناق مواسي

كل العرب
نُشر: 08/02/14 16:52,  حُتلن: 13:59

يا الله ما الحل؟ أنا العاشقة سيئة الحظ.
استجمعت قواي ورميت على الشرفة رسالة، وضعتُها في قطعة ملابس بيضاء مثيرة وثبتها بملقطين، ورفعتُ يداي إلى السماء، يا رب ... يا رب تصل ويقرأها !
ونشفتُ في غرفتي خوفاً وبقيتُ طول الليل معلقةُ أروحُ وأجيءُ يطيرني الريحُ...
راقبتُ شرفتهم، متى سيمسكُ كلامي المكوّر في قطعة الغسيل.
كيف سيقرأ الرسالة؟ من سيلتقط الرسالة؟ من واجه الآخر بالرسالة؟ هل فكر أحدهم بي؟
وأن كانت زوجته ؟ ستسأله ، سيجيبها أنها الحيرة، من طيرت إليه شوقاً عذرياً مخملياً، وسينتهي الأمر...
أهكذا سينتهي الأمر بكل هذا الهدوء ؟؟؟ لن تصدقه !
سيخترعُ سبباً آخر أنه لا يعرف ! حتى هذه الإجابة لن تقنعها فحبلها قصير! ماذا سيقول لها إذا ؟؟؟
كل الإجابات ستجفُ بسرعة إذا تعرضت لكذبات تموزية كهذه !
مرّ أسبوع... ولم تُفتح شرفة أملٍ أمامي اكتويت بالتوتر، ببساطة لا أحد...
هل أرمي رسالة أخرى أم انتظر؟
وأمضيتُ ساعات أمام شرفتهم، أقرأ سطراً وانتظر دهراً، أتأهب لأي لحظة يطلون بها.. لمتُ نفسي كثيراً أني كتبت الرسالة بالحبر السائل، يبدو أنه جف قبل القراءة...
وصوت أبي "ضبين الغسيل يا بنات" يطن في مخي، ضببتُ أفكاري المنشورة على حبال الوهم ثانية وكمشتُ نفسي في سلة أتفوضن كما تتداخل القطع يبعضها. وأقسمتُ لن أراقب حبال أحد ولن أراقب الاضواء المسائية في بيوت الجيران. نشرت غسيلي، ونشرت أحاسيسي ونشرنا وما نشرنا ويا خسارة ما نشرنا، نشرنا مية مرسال ولهلأ ما حدا جاوبنا..
استهديتُ إلى فكرة أخرى وان ستتعثر بالوصول المباشر بسبب مشيي الأعرج.
بدأتُ بنشر شراشف بيضاء وتعمدتُ ذلك مرتين، صباحًا وقبيل الغروب. على الحبل الأول أظهرت الملابس الأنيقة الغالية وداخل أنسجة الملابس المثيرة ثبتُ آيتين كريمتين تحت الملاقط "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" " وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" . فيفتح الله دروب الحياة في وجهي، ويحول السد بيني وبين أي امرأة أخرى..
نشرتُ ملابسي الجذابة والقصيرة، وبلاطين طويلة وضيقة لا تمشي بعرجٍ مثلي..كي ينتبه لملابس أنثى شابة. ازداد ولعي بالحياة وطال تعلقي بالله الأقرب إلينا من حبل الوريد... على الأقل لامستُ أن فيّ حياة تريد أن تكون ناصعة البياض لا أن تخّد في مضجع البؤس وتجفَ بعيداً عن الشمس..
تناسيتُ أحيانًا شرنقتي البيضاء وأكلحتُ مخاوف أبي كي لا يرى أحد ملابسنا فخلطت الملون والأبيض معاً!
يعني إلى متى سنخفي ملابسنا ؟ فكل الناس لديها ملابس. هذه المرة سأقّدم ما كان ممنوعاً من النشر في الحبال الخلفية لنرى ما النتيجة !
صبيحة اليوم التالي وجدتُ ورقةً منكمشةً في جوربٍ أبيض سميك يبدو ككرة ثلجية.
التقطتها بسرعةٍ واختفيتُ خلف الحيطان وقبل أن أفك الخيطان راجعتُ أرشيفي الشفوي
"خفتُ أن يحبني فأحبه
أكتبُ فيقرأ، يقرأ فيحبني، يحبني فأحبه
يكتبُ فأحبُه
يحبني فأحبه
يحبني أكثر فأحبه
أحبه فيسافر
يتركني فأجف ..."
أغمضتُ عيني وفتحتها وأنا ارتجفُ..
" أنتِ صاحبة الرسالة "
هل كان سؤالا أم كان جواباً ؟ مغازلةً ؟ عتاباً ؟ تهديداً ؟ رداً أم صداً؟ شوقاً في معرفتي أم شوكةً في جرأتي؟
قرأتُ الحروف أبجديةً من ألفها إلى تائها.
حيرتني الرسالة ؟ من أرسلها لي؟ هو أم هي؟ وأنا أنتهي والأبجدية تنتهي بـ هاء، واو، ياء ؟؟؟؟
فككت الحروف " أ ن ت ص ا ح ب ة ا ل ر س ا ل ة "
وركبت منها قطعاً تركيبة " الله، أنا ، أنت، أنة، آله، الحب، السر ، الحبل ، حبال، رسالة، اه ، لا ..."
أفكك وأركب احتمالات، وكل احتمال أتعلق به أجده أصعب من سابقه، غير أني غمستُ أنفي لأشم عطر الكلمات، وغمست بها أصابعي. احتلتني الرسالة، وصرتُ مثل غسيل كانون الثاني، لا يخف ولا يجف.
هذه أول مرة تصلني رسالة من رجل، ربما، ما كتبها وما أرسلها ولكن شُبّه لي. وبنيتُ على هذا الاحتمال.
لا أعرف ماذا يدور في قمصان الرجال وبلاطينهم فأمي كانت وحدها ترتب ملابس أبي الداخلية والخارجية.
أي قطعة غسيل تلك التي لا تسقط منها الأسرار وأن وقعت في الماء ومسحوق الصابون؟ وهل تختلف ملابس النساء عن الرجال في حفظها الأسرار؟؟
احتضنتُ الرسالة ليلةُ بعتمتها حتى الفجر، خبأتها تحت قميصي وأنا أبكي. لا أعرف لماذا! َ لكني وجدت سببًا كافيًا لأبكي، على كل الأشياء دفعةً واحدة ذرفتُ دموعًا على وحدتي، وأنيني وجفافي وانكماشي، أصابعي التي تشققت بسبب الغسيل على اليد، وساقيّ اللتان تعرجان، وأوردتي جفت من الوحدة، وسنين عمري التي قستها بغسيل جيراني... هكذا أغسل عينّي لمرة واحدة تراكمية فأهدأ وأبدا صفحة جديدة.
لطول لهفتي وقصر انتظاري تجرأتُ وذهبتُ لزيارة جيراني من بابهم الأمامي، لا يعقل أن أبقى على علاقة معهم من الشرفة الخلفية، سأتظاهر أن قطعة غسيل طارت بفعل هبوب الريح إلى شرفتي وأني قدمت خصيصًا لأحضرها... وإن كانت القطعة لهم، فسوف يتعرفون عليها وإن لم تكن، ألصق التهمة للريح وأخرج من هذا المأزق...
رننتُ على الجرس، فتح الباب رجلٌ في منتهى الأناقة، خجلتُ أني أمشي أمامه بعرجٍ، بعدما دعاني لأدخل...
- أنا جارتكم ، شرفتي مقابل شرفتكم. أسرعت وسألته أين زوجتك؟ والأولاد ؟ كي أتحاشى رغبتي بمعرفته هو...
- زوجتي؟ الأولاد؟ - كيف عرفتِ .. سألني؟
- من حبل الغسيل، تلعثمت ! أقصد ...أنظر أحضرت لكم قطعة غسيل طارت من شرفتكم إلي...
ضحكَ، وضحكَ ... خَجلتُ مرةً أخرى وضحكتُ قليلاً معه وأنا متضايقة منه !
لم أفهم! بدا وكأنه يعرف كل شيء، ويعرفني أكثر مما أعرف نفسي. كأنه كان بانتظاري، ملابسي لم تستر عري فضولي.
خفتُ أن أترك له رسالة ثانية كتبتها احتياطاً، وإن تركتُ هذه الفرصة تفوتني فلن أجد مبررًا كافيًا لآتي إليهم مرةً أخرى وبنفس مستوى الانفعال، ولن تسقط قطعةً أخرى سهوًا على شرفتي مرة أخرى. علي أن أستغل الفرصة !
- آه أنت التي كنت تنشرين الشراشف البيضاء صباح مساء؟ لمحتك مرةً وأنت تتناولين قطع غسيلنا بنهمٍ ،شعرتُ أنك تثبتين قطعة من التمني بملقط الحلم. يبدو أن علاقة وريدية تربطك بحبل الأمل وتعلقت بملقط المثابرة.
يا الهي ! كيف وصلتُ أنا هنا؟ خبأتُ وجهي بكفيّ! وأنا أنقط دمعاً !فضحني غسيلي ! وعرجي أمشاني في طريق عرجاء.
تغير صوته فجأة، وبعينين واسعتين، أخرج من قلبه كلاماً كبيرًا وقال،
- على كلٍ، ليس لدينا أولاد... كنا ننشرُ غسيلاً وهميًا على الحبل فقط. لا تسأليني عن السبب فلن أنشره حالياً..
- "اعلمي أن ليس كل ما ينشر على الحبل غسيلاً "..

*باقة الغربية 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة