الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

عارف الصادق: هل نحن في حاجة، فعلا، إلى أعضاء عرب في الكنيست؟!

كل العرب
نُشر: 27/01/14 13:43,  حُتلن: 13:58

في كل مرّة يغضب فيها زعران اليمين على أعضاء الكنيست العرب، يصرخون بهم مردّدين: اذهبوا إلى دمشق، اذهبوا إلى سورية. طبعا، لن يذهب أحد إلى سورية، حتى إذا انتهت الحرب الأهلية هناك. هذه البلاد بلادنا، وهذا الوطن وطننا، قبل الليكود، وقبل الكنيست. قبل إسرائيل، وقبل السيّد ثيودور هرتسل كمان!

البقاء على أرضنا
لكن العقلاء اليهود، من أعضاء كنيست ورجال سياسة وصحافيين ومفكّرين، لا ينكرون علينا حقّنا في البقاء على أرضنا هنا؛ بل يحاولون أيضا الاستفادة من بقائنا بينهم بالذات. لم يستطع قادة إسرائيل الأوائل، لأسباب كثيرة متنوعة، طردنا من بيوتنا إبّان "حرب التحرير"، فقبلونا بينهم مكرهين. بعد ال 48 أدركوا أيضا، بسرعة، كيف يمكن لبعض العرب، إذا أحسنوا تدجينهم وترويضهم، أن يكونوا مطيّة للحاكم، حتى في الكنيست. نعم، هذا ما كان فعلا. كان عرب المباي في الكنيست دمى، يقبضون المعاشات أوّل كلّ شهر، ويخدمون السيد طوال الأشهر صاغرين. اشكروا ربّكم صباح مساء، واشكروا الأجيال الجديدة الواعية، على انقراض هذه الظاهرة الهجينة تماما من الفضاء العربي في أيامنا هذه!
لماذا، تظنون، يريد العقلاء من الساسة اليهود أعضاء عربا في الكنيست، والعرب في الكنيست جميعهم اليوم ضدّ السياسة الرسمية دائما؟ هناك أكثر من غاية، قريبة وبعيدة، تكمن في تمكين العرب من الوصول إلى الكنيست، مهما شاكسوا فيها ضد السياسة الصهيونية الرسمية، ورفعوا أصواتهم محتجّين ومندّدين.

انتصار عربي موهوم
الغاية الأولى، وليست الأهمّ، أن يكون للعرب في كنيست إسرائيل متنفّس ديمقراطي شرعي. الصراخ والطوشات في الكنيست أفضل ألف مرّة من مقاومة الظلم والإجحاف بطرق أخرى. اعتصامت ومظاهرات مثلا، أوأكثر من الاعتصامات والمظاهرات أحيانا. إنّها ملهاة، مسرحيّة هزليّة يعني، في كنيست إسرائيل "الديمقراطيّة"؛ يشاهدها اليهود فيضحكون، كما في كلّ تمثيليّة كوميديّة، ويشاهدها العرب فيضحكون أيضا، لكن الأهمّ أنّهم ينفّسون عن كربهم، قانعين بانتصار ممثّليهم في هذه التمثيليّة المحبوكة بذكاء. انتصار عربي موهوم في تمثيليّة كوميديّة معروفة الخاتمة مسبقا. تمثيلّية قليلة التكلفة، لكنّها عظيمة الفائدة. هذا هو دور ثانوي، لكن مهمّ، يقوم به النواب العرب في الكنيست .
إلا أنّ الدور الأوّل والأهمّ للعرب في الكنيست ليس كوميديا. إنّه دور سياسي بامتياز. هل من وسيلة أنجع من وجود النواب العرب في الكنيست لإقناع القاصي والداني بعدالة الدولة الصهيونية - "واحة الديمقراطيّة" في الشرق العربي، بين أنظمته المتخلّفة؟ ليس للنوّاب العرب في الكنيست أيّ أثر أو وزن في "الساعات الحرجة". عندئذ يتّفقون جميعهم، والنوّاب العرب يقومون بدور الهامش المؤكّد لصدق موقف الأكثرية. حتى رابين، أصدق وأشجع رجالات السياسة منذ بن جوريون، لم يقبل بدخول العرب معه في ائتلاف حكومي. رضي بهم "كتلة مانعة" فقط؛ زوجة غير شرعية تقوم بواجبات الزوجة كلّها، لكنّها لا تنعم بحقوقها! وهذا رابين، لا تنسوا. في كلّ زيارة لرجل سياسة أجنبي موال لإسرائيل يأخذونه إلى الكنيست، فيثور النواب العرب ويهيجون، ورئيس الحكومة لا يسعه مقعده انبساطا وابتهاجا: الضيف رأى، بأمّ عينه، الديمقراطيّة الإسرائيلية الرشيدة، ونار الخصومة الموهومة، مثل كلّ نار، إلى "رماد مهما تقيد". هل يعرف المواطنون، من عرب ويهود، أن تمثيلية الخصام الحادّة غالبا ما تكون نهايتها فنجان نس كافيه في مقهى الكنيست، مكافأة للمتخاصمين على القيام بالدور على أكمل وجه؟ نعم، هذه هي الكنيست: نوّاب/ ممثّلون يقومون بالأدوار على أكمل وجه، والمكافأة لا بدّ أن تتمثّل في الانتخابات القادمة، أو في معاش وارم في الأوّل من كلّ شهر في أقلّ تقدير!

أعود مرة أخرى إلى السؤال: ما الفائدة من وجود عرب في كنيست إسرائيل؟ هل حدث مرة واحدة، مرّة واحدة فقط، أن قام النوّاب العرب بسنّ قانون لا ترضى به الأكثرية اليهودية؟ حتى الحكم العسكري لم يُلغ في حينه إلا بعد اقتناع الأكثرية الصهيونية بعدم جدواه وبتسويده وجه إسرائيل في العالم. في الغرب بوجه خاصّ. في واحدة من الانتخابات الماضية، روى أحدهم ، والمسؤولية على الراوي ، أن أحد المرشّحين بكى حين أيقن أنه لن يدخل الكنيست. هل بكى الأستاذ "المناضل" لأن المصالح العربية لن تجد من يرعاها، أم لسبب آخر شخصي؟ فهمكم كفاية.
هل لاحظتم أخيرا أن نسبة التصويت للكنيست، عند العرب، تظلّ في حدود العشرين بالمئة، لا تتعدّاها حتى غروب الشمس؟ لكن بعد غروب الشمس تقفز فجأة فتتخطى الخمسين والستين أيضا؟
هل تعرفون ما معنى القفزة "الظلامية" هذه بعيدا عن السمع والبصر؟ لا أحد أذكى من الحاكم وأجهزته العلنية والسرية. هو أيضا يريد هذه القفزة بعد الغروب، فيغمض عينيه. الحاكم نفسه لا يرضى أيضا بكنيست دونما عرب. أعضاء الكنيست العرب ضرورة إسرائيلية ماسّة، فلماذا لا يجرّب العرب مرّة واحدة، مرّة واحدة لا أكثر، كنيست بدون عرب؟ أعرف أن اقتراحي هذا يزعل كثيرين؛ أعضاء كنيست عاملين، وكثيرين غيرهم من الطامحين . لنجرّب مع ذلك مرّة، مرّة واحدة كيف تكون حالنا وحال إسرائيل إذا كانت الكنيست بدون عرب!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة