الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 09:01

ياسر بشير: حدوث حالة الأمومة الحزينة او حتى رفض الأمومة ليس بالأمر العجيب

خاص بمجلة ليدي
نُشر: 27/12/13 17:26,  حُتلن: 08:12

ياسر بشير أخصائي نفسي- تربوي وتطوري:

كثير من الاباء لا يقدرون على السيطرة على الموقف في غرفة الولادة فيغمى على البعض

المراة التي تدرك بان طفلها الذي تحمله في احشائها يحمل اعاقة او تشوهًا معينًا قد ينتج لديها شعور بعدم التقبل بل والرفض


الحمل الذي تدخله كل سيدة له صورتان؛ الاولى الحمل الفعلي وهو الذي تحمله في داخل رحمها الاخرى حمل معنوي ونفسي


الام العاملة اكثر صحة نفسية واكثر قدرة على مواجهة الضغوط النفسية من الأم ربة البيت غير العاملة
 

مع كل ما تمنحه الأمومة من لذة بالشعور بالعطاء والاثمار والحنان، إلا أنها منعطف حاد يأخذ السيدات فور الولادة. فالأمومة مع كل حلاوتها وورديتها تسلب المرأة من إحساسها بالإنفرادية والشعور بالحرية والتلقائية. والأمومة لا تنحصر في ملاعبة الرضيع وغمره بالقبل وامطاره بغزير الحنان، ولا تتوقف عند عناقه وشمه ولثمه. ففي الواقع تصحب الأمومة معها العديد من المسؤوليات المؤلمة والمجهدة غير المحببة الى النفس. فثمة كيان آخر ملتصق بكيانها يشاركها نومها وصحوها. الأمر الذي يحمل بعض السيدات على التمرد على هذا الدور وحتى رفضه، وأكثر من ذلك رفض الطفل ايضًا. وهذا ما يطلق عليه أحيانًا "الأمومة الحزينة". وللتعرف أكثر على هذه الحالة ودراستها الى العمق توجهنا الى الاستاذ ياسر بشير أخصائي نفسي، تربوي وتطوري، وهو ايضًا معالج نفسي، متخصص في علاج الصدمات والاعتداءات الجنسية ومحاضر في كلية سخنين. وهو صاحب ومدير مركز "بشير" للخدمات النفسية في مسقط رأسه في مدينة سخنين.


ياسر بشير -أخصائي نفسي، تربوي وتطوري

ليدي: ما هي الأسباب التي قد تحمل الأم الى الشعور بـ "الأمومة الحزينة"؟
ياسر: إن عنصر الأمومة عنصر ذا خصوصية، فكل أنثى تتطلع لأن تصبح "امًّا"، وأن تمر بتجربة "العطاء والاثمار"، وهذا شعور تحمله كثير من السيدات منذ صغرهن وايام رعايتهن بـ"عرائسهن". إلا أن حدوث حالة "الأمومة الحزينة" او حتى رفض الأمومة ليس بالأمر العجيب. وانه يعود الى نوعين من العوامل؛ عوامل داخلية نفسية وأخرى بيئية إجتماعية. من العناصر النفسية التي تلعب دورًا هامًّا في دخول المراة في مثل هذه الحالة، هو مدى إستعدادها لخوض تجربة الأمومة، وتساؤلاتها غير المنتهية حول مقدرتها أن تصبح "امًّا مثالية" لأطفالها، وهل ستتمكن من تقديم كل ما يستلزم لتربية ونشأة هذا المولود الجديد. اضيف هنا توقعات السيدة وهي حامل، وتصوراتها للمولود الجديد، وعدم ملاءمتها او توافقها مع المولود عند الولادة يشكل سببًا مباشرًا في حدث مثل هذه الحالة. إن عدم وجود حصانة نفسية كافية وقدرات داخلية وطاقات شخصية وأدوات تلجأ إليها السيدة لتتخطى هذه الصعوبات، تجعلها عرضة للدخول في أمراض كالإكتئاب وغيرها.
أما العوامل او الأسباب البيئية الإجتماعية، فتتمثل بعدم وجود الدعم المطلوب من المحيطين بهذه السيدة اثناء فترة الحمل وما بعد الولادة. وعلى رأس هذه القائمة يتربع دور الزوج لأهميته. فعدم مقدرة الزوج على توفير الدعم الكافي والمطلوب في غرفة الولادة تحديدًا، قد يكون سببًا في تعميق حدة الحالة. فقد نسمع عن كثير من الآباء الذين لا يقدرون على السيطرة على الموقف في غرفة الولادة، فيغمى على البعض، مما يضطر الطاقم الطبي الى الإلتفات عن المراة والشروع في اسعافه. إن من العوامل البيئية التي قد تدخل الأم في حالة أمومة حزينة، إضافة الى إنعدام الإحساس بمشاركة الزوج، هي حدة الأوضاع الإقتصادية التي تمر بها الأسرة، إن طبيعة حياة الأسرة الإجتماعية قد يكون لها علاقة مباشرة ايضًا. كما وأن الدعم لا يقف عند مشاركة الزوج، فقد تتوقع السيدة الواضعة دعمًا ومساندة من أفراد العائلة الكبيرة والأصدقاء وغيرهم.

ليدي: ما هي الأعراض التي تظهر على السيدة التي تعاني من الأمومة الحزينة؟
ياسر: تتنوع وتختلف أعراض هذه الحالة من سيدة الى أخرى. فالمرأة التي تدخل في حمل غير مرغوب فيه، إما لأسباب إقتصادية او إجتماعية او نفسية، والمرأة التي تدرك بأن طفلها الذي تحمله في أحشائها يحمل إعاقة او تشوهًا معينًا، قد ينتج لديها شعور بعدم التقبل، بل وأحيانًا الرفض الشديد، وأكثر من ذلك الإنكار بأن هذا الطفل طفلها. لأن المرأة لا تحب أن تحس او تشعر بأن "ثمرتها" (في هذه الحالة طفلها) غير كاملة او غير طبيعية او مشوهة.
إن الحمل الذي تدخله كل سيدة له صورتان؛ الأولى: الحمل الفعلي وهو الذي تحمله في داخل رحمها. الأخرى: حمل معنوي ونفسي تتصور المرأة من خلاله طفلها، شكله ومواصفاته وحركاته وغير ذلك.
إن عدم توافق الصورتين فور إنجاب المولود قد يتسبب في حالات إكتئاب عند كثير من السيدات. من الأعراض ايضًا رفض السيدات إرضاع او العناية بالمولود الجديد. إن عدم التدخل في الوقت الصحيح او عدم عرض المريضة على أخصائي نفسي وتجاهل الموضوع، قد يتسبب في تطور أمراض نفسية شديدة كـ "حالة الإكتئاب" بدرجات مختلفة، وسلوكيات أخرى غير مبررة. وكثير من السيدات تحاول الإستنكار لمشاعرها لما فيه حرج أن تظهر كام "غير جيدة"، لأنها تعتقد أن هذه المشاعر التي تمر فيها تتعارض مع مفهوم الأمومة التي تربت عليه منذ نعومة أظافرها. وانا أنصح السيدات والمحيطين بهن باللجوء الى المختصين لمحاولة إستدراك الحالة ومنع تطورها الى أمراض نفسية مستعصية.

ليدي: ما هي المدة الزمنية التي قد تعاني فيها السيدة من حالة الأمومة الحزينة؟
ياسر: في البداية نقول أن مثل هذه الحالة قد تظهر مباشرة بعد الولادة او بعد فترة وليس مباشرة بعدها. وفترة إستغراقها تتراوح بحسب شدة الحالة، فقد تتغلب السيدة عليها بعد فترة زمنية قصيرة إن كانت أعراضها بسيطة. أما إن كانت الحالة مركبة فهي تحتاج الى مساندة الأخصائي النفسي والمحيطين، للتغلب على المشاعر التي تعاني منها السيدة. ان مدى حدة الحالة تتعلق كثيرا في عملية الولادة نفسها، فالمراة التي تنجب بولادة طبيعية غير التي تنجب بعملية قيصرية، تشوه جسدها وتتسبب في تشويه مظهرها بحسب اعتقادها. ودعيني الفت الانتباه الى خطأ شائع يقع فيه الكثير، وهو فصل الطفل عن والدته وارسالها الى اهلها لتستريح قليلاً. كما ذكرنا انفًا دور الزوج في غرفة الولادة قد يحدد المدة التي ستستغرقها هذه الحالة وغيرها من العوامل. بكلمات اخرى ان الفترة الزمنية تتفاوت من سيدة الى اخرى بحسب حدة الحالة. ولكن من الضروري الاشارة الى ان في حالة تجاهل الازمة التي تمر فيها السيدة الواضعة، وعدم تدخل الاخصائي النفسي في الوقت المناسب، قد يتسبب في تطور الحالة من اكتئاب بسيط الى اكتئاب عميق، وقد يتطور الى امراض نفسية مستعصية تحتاج الى علاج نفسي ودوائي مكثف. وقد سمعنا عن كثير من حالات الانتحار التي قامت بها سيدات عانت من حالة الامومة الحزينة او اكتئاب ما بعد الولادة، والتي لم تعرض على المختصين، وسمعنا عن حالات اخرى حاولت فيها الام ايذاء الرضيع بشكل او اخر.

ليدي: هل الام العاملة اكثر عرضة للدخول في حالة الامومة الحزينة لما تعانيه من ضغوط حياتية لا تعاني منها السيدة ربة المنزل؟
ياسر: اشارت كثير من الدراسات الحديثة ان الام العاملة اكثر صحة نفسية، واكثر قدرة على مواجهة الضغوط النفسية من الام ربة البيت غير العاملة. وهذا ينعكس بشكل كبير على الحمل والولادة والامومة. فتتوفر للسيدة العاملة في عملها اطر وحلقات اجتماعية مؤلفة من زملائها، تستطيع من خلالها افراغ هذه الشحنات من الضغط التي قد تمر فيها. فباحتكاكها مع زملائها ومشاركتهم تجاربها وتلقي النصائح منهم، كفيل بتخفيف الضغط عن هذه السيدة. فهي تنعم بمنفذ تطلق من خلاله ضغوطها النفسية، وهذا الامر غير متوفر للسيدة التي تبقى في المنزل لا تشرك احدًا بهمومها وضغوطها، ولا تملك نافذة تطلق من خلالها سراح هذه الضغوط.

ليدي: ما هي ادوات العلاج التي قد تساعد في الخروج من حالة الامومة الحزينة بسرعة؟
ياسر: واحد من اهم الادوات التي قد تساعد على التقليل من احتمال حدوث حالات الامومة الحزينة او اكتئاب ما بعد الولادة، هي برامج التوعية التي ترافق الازواج (الام والاب) في بداية الحمل الاول وحتى ما بعد الولادة. فقد بينا سابقًا ان للحمل صورتين، واحدة طبيعية واخرى نفسية؛ تحمل توقعات الام وتصورها للطفل القادم. وعدم وجود ملاءمة بين الصورتين عند الولادة قد تنتج تضاربًا وتناقضًا، قد يتسبب في حدوث خلل وعدم تقبل للطفل كما هو. يجب على الصورة التي تحملها الام في مخيلتها لهذا الطفل ان تكون واقعية ومنطقية. وفي هذه الحالات البسيطة يكفي العلاج النفسي لوحده. اما في الحلات الشديدة فيتطلب الامر ازدواجية العلاج الدوائي والنفسي معًا وفي وقت واحد، خصوصًا اذا احس الاخصائي النفسي او تخوف من احتمال ايذاء السيدة لنفسها او رضيعها.

ليدي: هل تنحصر هذه الحالة على السيدات "الحديثات بالامومة"او "امهات لاول مرة"؟
ياسر: كلا، فان امهات ذوات اطفال قد يعانين من اكتئاب بعد الولادة، رغم انه ليس الطفل الاول. فقد تعاني هذه الام من ضغوط مالية واوضاع اقتصادية شديدة بالكاد تكفي لافراد الاسرة الحاليين. فمجيء طفل جديد وعضو جديد على هذه الاسرة، قد يقيد احساس الام بالفرحة بالمولود، بل وقد تشعر بانه عبء جديد اخر على هذه الاسرة. ومن الممكن ان تعاني سيدة لديها اطفال من هذه الحالة، ان كانت تعاني من اعتداءات عنف داخل الاسرة وغيرها. تصاب السيدات من هذا النوع بعدم القدرة على المتابعة، فلا ترغب بالعناية بالرضيع واطفالها الاخرين، ولا ترغب بالعناية بالمنزل وما الى ذلك.

ليدي: هل من نصيحة تقدمها لقرائنا في هذا الموضوع؟
ياسر: أرجو من جميع الازواج المقلبين على مشروع حمل وولادة، الانخراط في برامج التوعية التي ترعاها مراكز رعاية الام والطفل، والمراكز الخاصة بالحمل والولادة، والتي ترافق الابوين في رحلة او مشوار الحمل والولادة، وتمهد لكليهما التغييرات النفسية والجسدية التي على وشك ان تطرأ، للتخفيف من حدة الاعراض التي من الممكن ان تظهر وحتى منعها.

مقالات متعلقة