الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 16:02

المحبة سلاح العظماء/ بقلم: بولس أبو رحمون

كل العرب
نُشر: 30/11/13 15:45,  حُتلن: 09:16

بولس أبو رحمون في مقاله:

المحبة هي التنازل عن الأشياء المفضلة لنا لأجل مصلحة شخص آخر كالمال والوقت والراحة والأمان

يوجد عطاء بدون محبة ولكن لا توجد محبة بدون عطاء تعتبر المحبة طاقة إيجابية وتحرير هذه الطاقة ليست مهمة سهلة إنها بالحقيقة عمل شاقّ عسير التنفيذ

أم عظيمة تستحق وقفة إجلال وإكرام تضحي بحياتها من أجل أن يعيش جنينها. ( حَدَث من صلب الواقع) "ماريان هيل" فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها من أمريكا، كانت تتمتع بجمال فاتن ممتئلة نضارةً وحيويةً، متمثلة بجمال الروح والأخلاق الحميدة، أنعم الله عليها بزوج كان يحبها حباً جارفاً بلا حدود، تعاهدا على بناء بيت قوامه المحبة الصادقة والطاهرة، وقد خيمت السعادة على كيانهما، فلا عجب، فقد تمتعا في بداية زواجهما بأطيب وأهنأ العيش حتى توهما أنهما يعيشان في الفردوس وليس على الأرض، لقد نسيا القول المأثور: "إذا ملكت السعادة، إياك أن تهمس بينك وبين نفسك بأنك سعيد، لأن الشقاء متربص بك يستمع إلى أقوالك من خلف الباب".
نعم لقد علم الشقاء بأنهما يعيشان بسعادة فأخذ يعد العدة لهدم تلك الأسرة.

خرجت السعادة من باب ودخل الشقاء من باب آخر
في عام 1981 بعد زواجهما بفترة قصيرة أحست ماريان بآلام خفيفة في جسدها فلم تكترث لها، ظنتها في بادئ الأمر أعراضاً جانبية ليس لها أي مدلول خطير، ولكن الآلام لم تختفِ بل ازدادت أكثر، فما كان من الزوج إلا أن عرضها على بعض الأطباء، ويا للطامة الكبرى، فقد كشف الفحص عن سرطان خبيث بدأ يغزو جسدها وينهش بالنضارة والحيوية. وقع الخبر عليهما كوقع الصاعقة، فما كان من زوجها إلا مساندتها نفسياً محاولاً التخفيف من آلامها بشتى الوسائل والأساليب.

"الداء ما زال في بدايته وبالإمكان معالجته والقضاء عليه قضاءاً مبرماً بدون أدنى شك"، هذا ما صرح به الأطباء بكل ثقة وتأكيد، فاطمأن الزوجان لهذا الخبر المفرح، فتبددت ملامح الحزن والمرارة، وبدت على وجهيهما إمارات الفرح والتفاؤل، فباشرت ماريان باستعمال وتناول العقاقير اللازمة. ولكن.... ولكن ماذا؟؟ .... هناك مأساة تتربص بهما، ماريان حامل وعلامات الحبل بدأت تظهر عليها، هناك جنين بريء يترعرع وينمو في أحشائها، فكان رد الأطباء علانية وبصراحة: "إما حياتك أو حياة الجنين".

ماما ...ماما انا ابنك لا تقتليني !!!
وقع هذا الخبر عليها كوقع الصاعقة الهوجاء، وما هي الا ان نشب صراع مرير بكيانها، صوت نابع من قلبها يناديها: "ماريان ما زلت شابة ممتلئة جمالاً ونضارة، المستقبل المليء بالسعادة ينتظرك، وزوجك يحبك، الحياة متعة، المرض ما زال في بدايته، وفي أول ظهوره، والعلاج كفيل بالقضاء عليه، إن الموت رهيب يا ماريان، سوف يضعونك في حفرة مظلمة تحت التراب"!!!
وصوت آخر نابع من ضميرها يناديها:
"ماما، ماما، أنا ابنك, من دمك ولحمك لا تقتليني" !!!
فانتفضت وتنهدت وصرخت صرخة صامتةً من عمق أعماق روحها، لم يسمعها أحد إلا الله وحده. "أنا أموت فدائك يا ابني لبيك يا جنيني أموت أنا وتحيا أنت" .

توقفت ماريان عن متابعة العلاج خفية من دون علم أحد حتى زوجها، فكانت تخرج لتوهم الناس وزوجها أنها ما زالت تتابع العلاج ولكن في الحقيقة كانت تخرج وتجلس في أحد الحدائق في خلوة مع الله مستمدة منه القوة والإرادة والصمود وهي تتجرع الآلام المبرحة بصبر وشجاعة.
"فراح السرطان ينهش جسدها ........... والجنين يتخبط مرحاً وسعادة"

ومرت الأيام وخرج نيقولا إلى نور هذا العالم سمعت ماريان صراخه وكأنه يبكي على فراق أمه فضمته ماريان بين ذراعيها ورسمت على وجنتيه قبلة ... إنها قبلة الوداع.

ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه، تحية لك يا ماريان شهيدة الأمومة، المضحية بحياتك من أجل إغاثة جنين بريء احتمى بأحشائك في عالم تقتل فيه كل يوم ملايين الأجنة البريئة، وكأن القتل أصبح مشروعاً، إن حزنك وألمك المرير الذي واكبك فترة على هذه الأرض سوف ينقلب فرحاً عظيماً، لا تحزني... سوف تقابلين نيقولا وجهاً لوجه وستقبلينه، ليس قبلة الوداع وإنما قبلة اللقاء والرجاء، اللقاء الذي ليس له نهاية، إن أجرك عظيم، عملك البطولي سوف يحفظ في سجلات الأبدية، وسوف يعلن للملأ يوماً ما، أسكنك الله فسيح جناته.


مفاهيم عن المحبة
( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92)

ما هي المحبة؟؟
المحبة هي التنازل عن الأشياء المفضلة لنا لأجل مصلحة شخص آخر، كالمال، الوقت، والراحة والأمان، إليكم ما كتبه بولس الرسول عن المحبة وتدعى بأنشودة المحبة:

" لَو تَكَلَّمتُ بِلُغاتِ الناسِ والملائِكَةِ، ولا مَحبَّةَ عِندي، فما أنا إلاّ نُحاسٌ يَطِنُّ أو صَنْجٌ يَرِنُّ" ولَو وهَبَني اللهُ النُبوّةَ وكُنتُ عارِفًا كُلّ سِرّ وكُلّ عِلمٍ، وليَ الإيمانُ الكامِلُ أنقُلُ بِه الجِبالَ، ولا محبة عندي، فما أنا بِشَيءٍ. ولَو فَرّقْتُ جميعَ أموالي وسَلّمْتُ جَسَدي حتى أفتَخِرَ، ولا مَحبّةَ عِندي، فما يَنفَعُني بشيءٌ.
المَحبّةُ تَصبِرُ وتَرفُقُ، المَحبّةُ لا تَعرِفُ الحَسَدَ ولا التَفاخُرَ ولا الكِبرِياءَ.
المَحبَّةُ لا تُسيءُ التَّصَرُّفَ، ولا تَطلُبُ مَنفعَتَها، ولا تَحتَدُّ ولا تَظُنُّ السُّوءَ.
المَحبّةُ لا تَفرَحُ بِالظّلمِ، بَلْ تَفرَحُ بالحَقّ.
المَحبّةُ تَصفَحُ عَنْ كُلّ شيءٍ، وتُصَدّقُ كُلّ شيءٍ، وتَرجو كُلّ شيءٍ، وتَصبِرُ على كُلِّ شيءٍ.
المَحبَّةُ لا تَزولُ أبَدًا. أمَّا النُّبوّاتُ فتَبطُلُ والتَّكَلُّمُ بِلُغاتٍ ينتَهي. والمَعرِفَةُ أيضًا تَبطُلُ، لأنَّ مَعرِفَتَنا ناقِصَةِ ونُبوّاتِنا ناقِصةِ. فمَتى جاءَ الكامِلُ زالَ الناقصُ.
لمّا كُنتُ طِفلاً، كَطِفلٍ كُنتُ أتكَلّمُ وكَطِفلٍ كُنتُ أُدرِكُ، وكَطِفلٍ كُنتُ أُفَكّرُ، ولمّا صِرْتُ رَجُلاً، تَركْتُ ما هوَ لِلطّفلِ.
وما نَراهُ اليومَ هوَ صُورةٌ باهِتَةٌ في مِرآةٍ، وأمّا في ذلِكَ اليومِ فسَنَرى وَجهًا لِوَجهٍ. واليومَ أعرِفُ بَعضَ المَعرِفَةِ، وأمّا في ذلِكَ اليومِ فسَتكونُ مَعرِفَتي كامِلَةً كمَعرِفَةِ اللهِ لي، والآنَ يَبقى الإيمانُ والرّجاءُ والمَحبّةُ، وأعظَمُ هذِهِ الثّلاثَةِ هيَ المَحبّةُ".

نعم، كل شيء في هذا الكون يسير نحو الزوال إلا المحبة، فالحياة دون محبة باطلة وبلا معنى، فهي تضفي على الوجود البشري نكهة تدوم وتدوم، إن أفضل وقت لممارسة المحبة هو الآن، فلا تؤجل فالحياة قصيرة مهما طالت، ولا تنتظر حتى ترقد على فراش الموت في لحظاتك الأخيرة لتكتشف بأن كل شيء زائل من على وجه البسيطة إلا المحبة.

لقد شاهدت أشخاصاً كثيرين وهم على فراش الموت، مما ترك في نفسي انطباعاً عظيماً بأنهم جميعاً في لحظاتهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، لم أسمع أحداً منهم يقول احضروا لي شهاداتي التي حصلت عليها، أو دعوني ألقي نظرة على أموالي وممتلكاتي قبل أن أموت، أو احضروا لي الكؤوس الذهبية التي فزت بها، إنهم جميعاً يقولون أحضروا لي أحبائي الذين أحبوني وأحببتهم، إني بحاجة إليكم أحبكم جميعاً، لا تتركوني لوحدي.
نعم إن الحب الصادق يفتح العيون فترى ما لا يراه الذين لا يحبون.

يوجد عطاء بدون محبة ولكن لا توجد محبة بدون عطاء، تعتبر المحبة طاقة إيجابية، وتحرير هذه الطاقة ليست مهمة سهلة، إنها بالحقيقة عمل شاقّ عسير التنفيذ، فمن السهل أن تكره وتبغض، ولكن من الصعب أن تحب، اذاً فهي طريق صعبة، إنها عكس الطبيعة المتمركزة حول الذات، ولكن كن على يقين لا يتزعزع بأنك عندما تطلق هذه الطاقة الكامنة في كيانك أنت بالحقيقة تكون قد انعتقت من قيود العبودية، فتكون بهذا التصرف العظيم قد فتحت قنوات السعادة والوفرة والازدهار إلى حياتك.

إليكم ما حدث في مدرسة من مدارس قرى الجليل الأعلى في فلسطين:
أصيب ولد بمرض السرطان وهو ما زال في مرحلة التعليم الإعدادي، فاضطر إلى ترك المدرسة فترة من الزمن، بعد تناوله الأدوية والعقاقير اللازمة تساقط شعر رأسه تساقطاً تاماً، وبعد مدة طويلة رغب بالعودة إلى المدرسة، فكان يخجل من لقاء رفقائه وأبناء صفه، ذهبت أمه إلى مدير المدرسة وشرحت له الموضوع وأطلعته على وضع ابنها، فطمأنها قائلاً"لا تقلقي هذه المدرسة مبنية على أسس المحبة"، وفي اليوم التالي دهش أشد اندهاش ساعة دخوله الصف، فوجد أن جميع أبناء صفه قد حلقوا شعر رؤوسهم !!
هذه هي المحبة الحقيقية، التنازل عن الشيء المفضل لنا لأجل مصلحة شخص آخر، لأن المحبة لا تتفاخر ولا تتكبر ولا تسعى إلى مصلحتها الخاصة.

• هذا المقال مقتبس من كتاب صدر حديثا في الناصرة بعنوان" لا تحزن ..الحياة قصيرة مهما طالت" للمؤلف بولس أبو رحمون

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة