الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 11:01

توجيه التوجيه - بقلم: يوسف عواودة

كل العرب
نُشر: 17/11/13 12:44

لا بد من التصدي لهذه المهمة الضرورية بالبدء بعملية مسح لاحتياجات المجتمع العربي ثم التوجيه للموضوعات والمهن التي تلبي تلك الاحتياجات، فالتنمية طريق لا بد من سلوكه من بدايته ولا مجال لاختصار هذا الطريق بالبدء من منتصفه أو القفز إلى مركبات سبق

المورد البشري أو قل الثروة البشرية -إن كنتَ ممّن يهتمون بإيحاءات المصطلحات- هي الأساس الحقيقي للنهوض الاقتصادي بخلاف الثروات الأخرى، كالثروة الطبيعية مثلا، فالتاريخ والواقع يثبت بأن دولا لا تملك ثروات طبيعية هي دول متقدمة اقتصادية بفضل ثروتها البشرية الكفوءة، واليابان خير مثال على ذلك. في المقابل، هنالك دول غنية بثروات طبيعية إلا أنها متخلفة اقتصادية بتخلفها في استثمار ثروتها البشرية، والدول الإسلامية عموما مثال جيد على ذلك؛ وعليه لا بدّ لأي خطة تنموية كانت، أن تجعل الثروة البشرية أهم اهتماماتها.


أحد أوجه الاستثمار في الثروة البشرية تنميتها معرفيًا ومهاراتيًا، ويبدأ ذلك بتوجيهها نحو الموضوعات والمجالات التي تحقق الأهداف التنموية التي وضعتها جهة عليا وظيفتها ترجيح المصلحة العامة للمجتمع، وهي الدولة في الوضع الطبيعي، أما في حالتنا نحن (المجتمع الفلسطيني في الداخل) فالدولة جزء من المشكلة وبالتالي لن تكون جزءا من الحل! ناهيك عن أن الدولة تنتهج سياسة الاقتصاد الحر وعدم التدخل والتأثير في قوى السوق وترك عملية توجيه الثروة البشرية (كاختيار المهنة أو موضوع التعليم) لقوى السوق والعرض والطلب.

في حالتنا، نحن الفلسطينيين في الداخل، فإن المشكلة مضاعفة: فمن جهة أولى فإن ترك توجيه الثروة البشرية لقوى السوق سيؤدي إلى نتائج مشوهة؛ لأننا بصدد سوق مشوهة أصلا، سوق تغلب عليها اعتبارات عنصرية وتغيب عنها عدالة التوزيع، والعرب هم الحلقة الأضعف فيها، ويكفينا أن ننظر إلى حالة التهافت لدى طلابنا العرب على موضوعات محددة بعينها في حالة أشبه ما تكون "بسلوك القطيع" لنعي درجة التشوُّه المقصود. ومن جهة أخرى هنالك غياب لتلك الجهة العليا التي تقوم بتوجيه الثروة البشرية في مجتمعنا نحو الموضوعات والمجالات والمهن المطلوبة لتحقيق التنمية بشتى أوجهها والتي تأخذ بالحسبان المصلحة الاجتماعية وتنظر بمنظور كليّ فلا تكتفي باعتبار المصلحة الخاصة، فالتوجيه القائم والذي تقدمه بعض مؤسسات المجتمع المدني مشكورة، يعبر عن نظرة جزئية وعن استجابة لقوى العرض والطلب وتسليم لقوى سوق مشوّهة، فتقديم خدمة التوجيه على هذا النحو قد يكون مناسباً لأوضاع طبيعية أو لمجتمعات تعيش ظروفا طبيعية، أما في حالتنا فالأمر بحاجة إلى توجيه موجَّه باعتبارات مرجِّحة للمصلحة المجتمعية التي ستعود في نهاية الأمر بالنفع على الجميع.

وعليه لا بد من التصدي لهذه المهمة الضرورية بالبدء بعملية مسح لاحتياجات المجتمع العربي ثم التوجيه للموضوعات والمهن التي تلبي تلك الاحتياجات، فالتنمية طريق لا بد من سلوكه من بدايته ولا مجال لاختصار هذا الطريق بالبدء من منتصفه أو القفز إلى مركبات سبق وأن بدأت مشوارها في هذا الطريق من أوله! مما يستدعي منا جميعا – جمعيات مجتمع مدني ومراكز توجيه دراسي – التداعي للتصدي لهذا الواجب.

الكاتب: مدير جمعية إعمار للتنمية والتطوير الاقتصادي

 

مقالات متعلقة