الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 13:02

قصة قصيرة من وحي الواقع/بقلم:ب.فاروق مواسي

كل العرب
نُشر: 22/10/13 09:22,  حُتلن: 16:17

يا ناس...الإنتخابات على الأبواب، وأنا حائر بين شخصيتين في هذه القصة القصيرة التي كتبتها قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، ولكن النص ظل نصًا واقعيًا، وانظر حولك ستجد الشخصيتين وستجد الناس في حللهم. فلو خُيرت أنت اليوم أن تضع ورقتك، فلمن؟ هل تضعها لحسن؟ لراشد القرقعة؟ أم ستمتنع؟

(1)
حسن زكي من وجهاء قريتي، له مكانته رغم أنه معروف بمكره، لا يختلف اثنان (ليسا من أبناء عائلته) على أنه مريب ومعيب، ويقال إنه خائن، ومع ذلك يعتبره القاصي والداني وجاهة في الخصومات وملجأً أخيرًا لطالب الوساطات، وقليلون هم الذين استنكفت نفوسهم عن أن تؤم بيته. من هؤلاء الأقلاء راشد القرقعة، وزمرة قليلة من أصحابة. والغريب أن حسن زكي ما قصده أحد إلا وقدم له المعونة والنخوة والمال إن كان السائل بحاجة للمال، فأبناء القرى المجاورة وحتى البعيدة قد جعلوا إلى داره طرقًا، يستقبلهم حسن زكي ببشاشة "ويا حيا الله" فإذا تصدروا المجلس قدم لهم ما لذ وطاب من فاكهه وشراب، وحديثًا ذا شجون وبصوت عال، يتخلله حديثه عن وطنيته الصادقة، وعن أفضاله على أهل القرية، وعن راشد القرقعة الذي لا يصون المعروف. يهز السامعون رؤوسهم إعجابًا بصنائع الرجل واستنكارًا لمعارضيه، وحتى ليقسم بعضهم أنه "إنسان" بكل معنى الكلمة ويمد الألف، وأنه عظيم عظم الجبل وكريم كرم البحر، وربما استشهد بعضهم ببيت شعر أو آية تحتاج القراءة عندها إلى مصحح. وكم مرة ترقب حسن زكي فرصًا ليدعو راشد القرقعة إلى منزله، فإذا حدث أن مر أحد أصحابه قرب بيته أمسك حسن بتلابيب المار مقسمًا أغلظ الأيمان أنه لن يمر من غير أن يشرب القهوة، وقد يرفض المار دعوته بأدب واعتذار، وقد يرفضها وهو مقطب الجبين، إلا أن حسن زكي، يتأسف ويقول: "الله يسامحك ......... نحن أخوة ".

(2)
ومعرفتي بحسن زكي كانت بحكم كونه ابن قريتنا يجامل أبي ويجامله، إلا أن أحد أصدقائه قص علي سيرته من الألف إلى الياء، وكشف لي حقيقة تصرفاته، فسرعان ما كرهت قريتي التي تبتسم له مهللة. كرهت أمثاله، بل هو الذي عين بعضهم من غير أهلية وجدارة.
مر حسن زكي. أشحت عنه بوجهي، فإذا به يعود كالمصعوق ليقول لي "مرحبًا"، ولكني لم أجب، وبُهت.

(3)
لسبب ما اعتقد الجميع أنني من أنصار راشد القرقعة، وهذا الاتهام ساقني لأن أتعرف على راشد: عامل مثقف كريم النفس يتعاطف وأبناء قريتنا، ويشاركهم همومهم، هذا هو الجانب الإيجابي الذي دعاني (ويدعوني) لأن أعتز بصداقته، لكن الوجه الآخر للعملة قد تبين. فراشد يرى أنه لا ينطق عن الهوى، كلمته لا تكون اثنتين، مُتعنت ومُتزمت لا يتنازل في نقاش حتى ولو كان على خطأ بَيّن. مع ذلك أحببت راشد القرقعة لأن جوانب كثيرة مشتركة بيني وبينه ولأنني مؤمن بأن الإنسان ليس مثلثًا محدودًا.  وإن كنت أعتز به صديقًا، إلا أنني لاحظت كيف يعزف عني عندما يلتقي بأحد أنصاره. كيف يذود عن باطل يجري في عالمنا العربي؟

(4)
أقربائي كلهم يلومونني على هذا الجفاء الذي لا مبرر له، فحسن زكي له مزاياه، وله خفاياه، ويتساءلون: لماذا لا نجسّم مزاياه، ونقلل من حدة سلبياته؟ فمن هو صاحب الكمال؟ أصدقائي تسابقوا إلى بيته، وسبقوني في وظائفهم، وبقيت وحدي أومن أنني على صواب. كنت كل يوم أزداد يقينًا بإساءات حسن زكي، وأجد نفورًا وريبًا في سلوك راشد القرقعة. كنت كل يوم أعجب لسر اللطافة والبشاشة عند حسن، وأستهجن على راشد أن يتقيد بآراء الغير، وغروره. لعل ما يضايقني أنني لا أجد صدى لصوتي، ورغم أن لي من الشخصية والحجّة ما يشفع لي أن أستجلب بعض الأنصار. حاولت جهدي أن أبين الحقائق، وظلت صرختي في واد، أصداؤها تولد أصداء حتى تولد لدي شعور أن أنصار الرجلين لا يحبانني.

(5)
وسط هذا الشعور قيل لي إن حسن زكي كان يثني علي في مجلسه، قيل إنه يتمنى لي الخير، وإن أخي خريج دار المعلمين الذي لم يتعين منذ خمس سنوات سيُعيَّن قريبًا وفي مدرسة القرية. قَدِمَ حسن زكي إلى بيتنا، وكأنه صديق عزيز، فأستقبلته مع أهلي، ولكني استقبلته استقبال شخص غريب ليس يبني وبينه أدنى معرفة. بعض أفراد العائلة تحلقوا حوله. بعضهم كان فرحًا لأن حسن زكي " شرّف". وبعضهم كان يقول "الله يستر". 
"أخي!"- قالها بمحبة مرسومة:
"أرجو أن نكون أصدقاء، إنني على استعداد أن أسمع ما تقول أنت بالذات، وأن أتقبل توجيهاتك وتعليماتك. "
وكنت أستمع إليه وأستمع من غير أن أنطق.

*من مجموعتي القصصية: "أمام المرآة وقصص أخرى" ط 2. نابلس: دار الفاروق- 1995، ص 51.(بتصرّف يسير)

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة