الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 03:02

بين البحث والنقد/بقلم: أ. د فاروق مواسي

كل العرب
نُشر: 19/10/13 09:02,  حُتلن: 11:19

أ. د فاروق مواسي:

في مؤتمر جامعة بيت لحم الذي عقد مؤخرًا دار نقاش حول مفهوم "البحث" وكنت سابقًا قد ناقشت أكثر من مرة زملاء لي في معنى البحث ومعنى النقد


ثم كان أن تناولت هذا الموضوع في كتابي "أدبيات" – مواقف نقدية، (ص 15-20)، وهو من الكتب التي أعتز بها لكثرة ما بذلته فيها من جهد في تحديد المقولات وتجديد الأداء وقد نفد هذا الكتاب الذي صدر في القدس سنة 1991 فلم يبق إلا على الشبكة

الأجمل في البداية: البحث هو الدراسة الأكاديمية المحايدة الهادفة التي تحلل وتعلل، من غير تدخل الباحث في البحث. والنقد هو الدراسة الفنية والذوقية في الشكل والمضمون والمبنية – غالبًا – على رؤية اجتماعية أو ثقافية معينة. فليس البحث إذن نقدًا، إنما هو عمل ووظيفة. فالوردة تهم الباحث على أن لها أجزاء نحو - كأس وتويج ومتكّ ...... إلخ ، أو تهمه على أنها تعطي مادة كيميائيه معادلتها كذا..... ، أو قد تعينه لدراسة التمايز الفصيلي مع زهرة أخرى. لكن النقد هو الذي يوجِّه إلى بيان جمالها ورائحتها ولونها ومدى حبنا لها، وعلاقتها مع عناصر الطبيعة المختلفة. وحتى نمايز بين البحث والنقد فلا بد من بعض الملاحظات على كل:

البحث:
وهو معطى أولي في الدراسة الأكاديمية. لكن مما يؤسف عليه أن يعمد بعض طلاب الجامعات إلى "البحث" عن بحوث كانت قد أُعدت ليقدموها لأساتذتهم على أنها لهم. ويعمد بعض آخر إلى دراسة كتب باللغات الأجنبية (إذا كان هو يعرف بعضها، أو هناك من يعرف له)، فيترجمها أو يلخصها، وكأنها من بنات أفكاره، ينتحلها، "... وهذا من سوء الأدب الفاشي بين الناس...." – كما قال ابن المقفع في سياق آخر. والبحث الجامعي يهدف أولاً وأصلاً إلى تمرين الطالب على إعمال فكره، حتى يمتلك ملكَـــة الحكم المستقل، فيعبر بأداء واضح منظم، ويجدد – ولو يسيرًا – في أمور لم يتناولها المعلم أو المصدر. يتعرف من خلال ذلك وفي أثنائه على كيفية استخدام المكتبة، يجمع معلومات من هنا وهناك، يحسن اختيار ما له علاقة بمادته، ينظّم، يوثّق، يحسن الصياغة في منطقية حتى تمسك عباراته بأعناق بعضها البعض بيسر وانسيابية. فإذا حصل الباحث على هذا التدريب نمَّينا إبداعه، وخرجنا به عن دائرة الاتكالية التي أصبحت/ كانت آفة لاصقة، ووصمة ماحقــة.
والفهلويــة – حسب تعبير صادق العظم – تجعله يبحث عن الوصول بأقصر الطرق وبالتحايل إلى مبتغاه، فليس بدعًا أن نجد ظاهرة الطالب الجامعي الذي يذهب إلى الجامعة - لا ليتعلم بل ليحصل على الشهادة، لا ليدْرس وإنما لأنه (مكره أخوك "أو أخاك" لا بطل).  فالطالب الباحث مدعوّ أن يختار الموضوع الذي يتفق ورغباته وميوله، وما له علاقة ما معينــة به، فلا يمكن أن يدرس موضوعًا ليس له أدنى خلفيــة به. ومن المؤسي حقًا أن يدرُس أحدهم مادة تتعلق باللغة علمًا بأن استيعاءها عسير عليه، وذلك لافتقاره إلى أسسها ومناهجها.
وجدير أن يتركز الباحث في سؤال البحث.
يضع الباحث خطة البحث وإطاره..... .
وعند الكتابة تكون لغته دقيقة محددة، وجمَـله وأبوابه/ فصوله متدرجة منطقيًا ومتناسقة. والأمانة تقتضي أن يشير إلى الجمل المقتبسة، وإلى أن يذكر المصدر، لا أن يختزلها ويعدها لحسابه، وكأن شيئا لم يكن، ورحم الله السارق والمسروق!
وفي الختام يكون الإجمال أو خلاصة البحث وزبدته ومخيضه.

النقد:
وأصل معنى نقد: ميز الجيد من الرديء، وأظهر ما في الأمر من عيب أو حسن.
والنقد له مناهج مختلفة شاع من بينها النقد الجديد (حسب المفهوم الفرنسي حيث يتجه اتجاهات بنوية واجتماعية ونفسية، أما حسب المفهوم الأنجلو سكسوني فيتجه ا تجاهات تكاملية). إن النقد استصفاء المادة من الحياة والأدب. فيه موقف في طرح الرأي والرؤية، بينما البحث يتجه اتجاهًا وصفيًا. فلو بحث باحث (تأثير الشعر الجاهلي في شعر الفرزدق) مثلاً، فإنه لا يلجأ إلى الذوقية، بينما في النقد يتخذ الناقد موقفًا جماليًا من فخره وغزله ونقائضه يظهر من خلال بناء جمله واختيار ألفاظه. والباحث يهمه – مثلا – تلاحم الشكل والمضمون في قصة ليوسف إدريس، لكن الناقد يوجه القارئ (أو يوحي له) ويبدي تاييدًا/ تعاطفًا أو رفضًا/ إعجابًا للألفاظ العامية الموظفة في القصة- مثلاً.

المنهج الملحمي
ولعل شاكر النابلسي كان في اجتهاداته النقدية يحاول أن يخرج من ظلمه المختبرات الكيميائية في البحوث الجافة، يخرج من التنظير المجرد إلى الفائدة والمتعة، ذلك لأن النقد (هو إبداع الإبداع، وكتابة الكتابة، وقراءة القراءة) . ففي كتابه "رغيف النار والحنطة" يوقفنا النابلسي على منهاج ارتآه وسماه (منهج النقد الملحمي) ويقتضي هذا بعدم الأخذ بمدرسة أو منهج واحد في تفسير النص، وأنه يجب أن يستعمل الناقد كل ما يمكن استعماله من أجل تقديم خدمه نقدية قرائيــة تفسيريه للقارئ، وهذا هو أهم الأهم في نتيجة العمل النقدي. إنه يمزج بين تراث الجرجاني – مثلا – وبين المناهج الحديثة في التحليل، (وليس كما فعل بعضهم من لجوء إلى المصطلحات الأدبية الغربية من غير بذل أدنى جهد للبحث عن المعاني نفسها - من تلك التي تحمل مصطلحات في التراث الأدبي العربي). أما لماذا سمى منهجه "الملحمي"، فذلك لأنه يأخذ شكل القصيدة الملحمية الطويلة التي تتداخل فيها العوامل الاجتماعية.....إنه يوقظ فعالية القارئ عن طريق تبنّــيه للدهشة أو المفاجأة، وهو يدعو القارئ إلى اتخاذ موقف ما من النص ومن مبدع هذا النص على حد سواء. وأحب هنا أن أسوق ما قلته في افتتاح كتابي عرض ونقد في الشعر المحلي – القدس 1976: " ولا بد من الإشارة إلى أن منهجي النقدي هو منهج وسطي، يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة، ولست أزعم أنني أشق طريقًا في المناهج النقدية، لكني أسلك دربًا يبعدني عن جفاف الأول وانزلاق الثاني. أتراني قد وقفت؟؟! أتراني قد قاربت الملحمي؟
اترك الجواب لذلك القارئ الذي لا يظلم إيجابًا أو سلبًا ....فلعله يكون صديقًا يصدُقـني!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة