الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 04:01

المعلم والعصا /بقلم: الدكتور صالح نجيدات

كل العرب
نُشر: 10/10/13 06:36,  حُتلن: 14:29

الدكتور صالح نجيدات في مقاله:

من يربط هيبة المعلم بالعصا التي يحملها لا يفقه في التربية شيء فالمعلم الذي لا يستطيع أن يكسب احترام طلابه إلا بالعصا، هو معلم فاشل

كفاءة المعلم لا تقتصر على إجادته المادة العلمية التي يدرسها ولا على استقامة سلوكه الشخصي كفاءة المعلم تكون في المقام الأول في مدى قدرته على التفاعل الصحيح مع طلابه

الذين يثنون على خضوع طلاب الزمن الماضي للمعلم وارتجافهم أمامه وخوفهم منه لا يسألون أنفسهم أي نمط من الشخصيات أنتجه ذلك التعليم؟ أو ما سبب هذه الصعوبة التي تبدو على كثيرين في عجزهم عن التعبير عما في داخلهم؟

يعزو البعض ما يحدث للمعلمين أحياناً في المجتمع العربي الكبير من اعتداء عليهم من قبل بعض من طلابهم وأهاليهم إلى كون المعلم في هذا الزمان فقد هيبته ومكانته، بعد أن جرد من العصا التي تحفظ الهيبة والمكانة، فتجرأ عليه قسم من الطلاب بالضرب والإهانة. من يقول هذا القول يحتج بما كان عليه وضع المعلمين والطلاب في الزمن الماضي، حين كان الطلاب يرتعدون أمام معلميهم خوفا ومهابة، فتراهم بكما وصما لا ينطقون بكلمة، وعميا لا يجرؤون على رفع البصر إلى وجه المعلم المهاب، وأن الطلاب في الزمن الماضي تحملوا من الضرب القدر الكبير ولم "يضرهم"، وتجرعوا من الخوف والرعب ما "صقلهم"، أما الآن بعد أن منع الضرب من المدارس، فإن المعلم فقد تلك الهالة المرعبة، وصار في مكانته كواحد من طلابه، لا هيبة له ولا احترام.

إزدواجية بغيضة
الذين يثنون على خضوع طلاب الزمن الماضي للمعلم وارتجافهم أمامه وخوفهم منه، لا يسألون أنفسهم أي نمط من الشخصيات أنتجه ذلك التعليم؟ أو ما سبب هذه الصعوبة التي تبدو على كثيرين في عجزهم عن التعبير عما في داخلهم والإفصاح الجيد عن مشاعرهم؟ أو ما سر انتشار هذه الإزدواجية البغيضة في سلوك الناس بين ما يفعلونه سرا وما يفعلونه جهرا؟ ولم هذا الضعف الذي نلمسه في قدرة الغالبية من الناس على المحاورة العقلية الهادئة وسرعة تحول النقاش بينهم إلى خلاف وغضب وكراهية؟ كم من طالب فشل في الدراسة نتيجة لضرب المعلم له وكرهه لمادة تدريسه؟ أليس ذلك كله ثمرة التنشئة القمعية التي تلقوها في مدارسهم، فتعلموا منها الجبن وكتم الرأي والنفاق والمداهنة تجنبا للعصا التي يلوح بها لهم في كل لحظة؟

هيبة المعلم
من يربط هيبة المعلم بالعصا التي يحملها لا يفقه في التربية شيء، فالمعلم الذي لا يستطيع أن يكسب احترام طلابه إلا بالعصا، هو معلم فاشل، فالإخضاع بالعنف هو من أسهل السبل ولا تحدي فيه مطلقا، التحدي هو أن يحصل المعلم على طاعة طلابه لأنهم ينجذبون إلى ما يقول ويحبون ما يفعل ويعاملهم باحترام ولا يهينهم ويحطم شخصيتهم ونفسيتهم. ما معنى أن نسمي المعلم مربيا! أليس المتوقع أن يقوم المعلم على بناء الشخصية وترسيخ القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية إلى جانب سقي المعرفة وتقديم المعلومات؟! فهل من بناء الشخصية في شيء أن ننشئ طلابا لا يحترمون معلمهم إلا متى رأوه ممسكا بالعصا؟ وهل من بناء الشخصية أن ننشئ طلابا لا يستطيعون مناقشة معلمهم أو محاورته رهبة منه؟ هل من بناء الشخصية أن ننشئ طلابا يعجزون عن التعبير عما في داخلهم خجلا وارتباكا أمام الهيبة من معلمهم؟

تفكير إبداعي حر
إن كان ثمة عيب في التعليم، فهو في التقصير في إعداد معلمين أكفاء حقا، فكفاءة المعلم لا تقتصر على إجادته المادة العلمية التي يدرسها ولا على استقامة سلوكه الشخصي، كفاءة المعلم تكون في المقام الأول في مدى قدرته على التفاعل الصحيح مع طلابه، وفي مقدمة ذلك أن يعرف كيف يشد انتباههم ويوجه سلوكهم بما ليس فيه إهانة لهم، فيكون عونا لهم على تعزيز قدراتهم وبناء الثقة بأنفسهم. هناك فرق كبير بين التأديب والتحقير، والإصلاح الأخلاقي والتحطيم للشخصية . في الدول المتقدمة ينسبون تقدم وتطور ورقي شعوبهم الى الجهود التي بذلها ويبذلها المعلم في تنشئة الأجيال وتعليمها كيفية التفكير الحر والتفكير الإبداعي، وكل هذا حصل ويحصل ليس بسبب مسك المعلم للعصا واستعمال العنف والقوة ضد الطالب، بل نتيجة اتباع أسلوب التدريس المبني على الإحترام والتشجيع واللين وقدرة المعلم على التفاعل مع طلابه.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة