الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 10:01

أوسلو والقضية الفلسطينية بين صرخة الوَضْعِ وأنَّةِ النَّزْع/ بقلم:ايراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 14/09/13 14:32,  حُتلن: 11:19

إبراهيم صرصور في مقاله: 

تراجع الوضع الفلسطيني منذ التوقيع على (إتفاق أوسلو) في العام 1993 كثيرا وعلى جميع المستويات حتى ما عاد هنالك أمل في أن تقوم دولة فلسطينية بالصورة التي يحلم بها الشعب الفلسطيني

كَثُرَ الجدل حول ما على السلطة الفلسطينية أن تفعله حيال ما يجري والذي يعني ضياع الحلم الوطني الفلسطيني أمام نظر وسمع الجميع

يحلو للبعض أن يُحَمِّلَ السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في فلسطين من جهة كما يحلو للبعض الآخر أن يبرئ السلطة من أية مسؤولية عما جرى حتى الآن من الجهة الأخرى

بات واضحا في نظري أن الوضع الذي نشا على أرضية (أوسلو) لم يعد صالحا كمدخل لتحقيق الأماني الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى المنصوص عليها في قرارات ما يسمى الشرعية الدولية

تواجه السلطة الفلسطينية ورئيسها في الضفة الغربية واحدة من أكبر التحديات منذ إقامتها حسب (إتفاقية أوسلو) في العام 1993...حالة الململة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والمظاهرات السياسية والمطلبية التي أصبحت سِمَةً ملازمة للوضع في مدن الضفة الغربية المحتلة وقراها في الفترة الأخيرة بسبب تردي الأوضاع الإقتصادية وغلاء المعيشة وإرتفاع نسب الفقر والبطالة، وإنسداد أفق الحل وعجز السلطة عن القيام بمهامها، يعبر بلا شك عن حالة فلسطينية جديدة من المفروض أن تضع الرئيس (أبو مازن) ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أمام مسؤولياتهم الوطنية ليس فقط بهدف حل الأزمات الإقتصادية المتفاقمة، ولكن من أجل مصارحة الشعب الفلسطيني حول أسباب هذا التفاقم على ضوء فشل (إتفاق أوسلو) في تحقيق شيء مما توقعه أكثر المتفائلين بهذا الاتفاق.

سياسات الحكومة 
لقد تراجع الوضع الفلسطيني منذ التوقيع على (إتفاق أوسلو) في العام 1993 كثيرا وعلى جميع المستويات، حتى ما عاد هنالك أمل في أن تقوم دولة فلسطينية بالصورة التي يحلم بها الشعب الفلسطيني... أسباب ذلك في أغلبها متعلق بسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تسعى إلى إرباك الجانب الفلسطيني من خلال إشغاله بعدد كبير من الإشكالات الحياتية، في الوقت الذي تسعى فيه هذه الحكومات على السيطرة الكاملة على الأرض بتوسيع الإستيطان، وتغييب مدينة القدس عاصمة فلسطين العتيدة من خلال ضمها بتشريع منذ العام 1982، والعمل على تنفيذ مشاريع عملاقة بهدف تهويدها وإنهاء الوجود العربي-الإسلامي فيها، وضخ عشرات الآلاف من المستوطنين الجدد في أنحائها المختلفة، وإقامة عشرات المستوطنات، وتفتيت الوحدة الجغرافية والسكانية للمدينة المقدسة من خلال بناء الجدار العنصري، إلى غير ذلك من الإجراءات المنتهكة للقانون والقرارات الدولية ذات العلاقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشريف.

تحمل المسؤولية 
كَثُرَ الجدل حول ما على السلطة الفلسطينية أن تفعله حيال ما يجري والذي يعني ضياع الحلم الوطني الفلسطيني أمام نظر وسمع الجميع... يحلو للبعض أن يُحَمِّلَ السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في فلسطين من جهة، كما يحلو للبعض الآخر أن يبرئ السلطة من أية مسؤولية عما جرى حتى الآن من الجهة الأخرى..الواقع أن الإحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عن كل هذا الوضع الذي يمكن أن يهدد بقاؤُهُ الأمنَ والإستقرارَ الدوليين..هذه حقيقة يمكننا أن نُجمع عليها.. لكن أين يبدأ الخلاف؟! في رأيي أن الخلاف يبدأ من حيث تختلف الإجابات عن السؤال: كيف علينا أن نتصرف حيال الحقيقة أن الإحتلال هو من يتحمل المسؤولية وحده؟ الإجابة عن هذا السؤال تدفعنا دفعا إلى فتح الملف على مصراعيه، ومنه مصير (إتفاق أوسلو) على ضوء نتائجه التي يكتوي بها شعبنا وقضيتنا.

تحقيق الأماني الوطنية 
بات واضحا في نظري أن الوضع الذي نشا على أرضية (أوسلو) لم يعد صالحا كمدخل لتحقيق الأماني الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى المنصوص عليها في قرارات ما يسمى الشرعية الدولية..هذا يعني البحث عن بدائل أخرى، أو العمل على إقناع العالم بالتدخل القوي لإجبار إسرائيل على تنفيذ الإتفاق بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية كما يتصورها شعبنا..هذا بالطبع غير واقعي على الإطلاق في ظل الخلل الواضح في موازين القوى لمصلحة إسرائيل، حيث يقف نفاق الرؤساء الأمريكيين كأكبر مثل صارخ على هذه الحقيقة.
ماذا بقي أمامنا ؟
البديل الأول - حل السلطة الفلسطينية وإلقاء الملف الفلسطيني من جديد في ملعب الإحتلال...هذا بديل خطير، فقد يؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية بالكامل كما ضاعت في العام 1948، كما سَيُسَهِّلُ هذا السيناريو على الإحتلال إستكمال مشروعه التوسعي للسيطرة على كامل فلسطين التاريخية دون منازع.
البديل الثاني - الإبقاء على السلطة الفلسطينية كما هي اليوم وبنفس طريقة عملها..هذا البديل خطير بنفس خطر البديل الأول...بقاء السلطة بتنسيقها الأمني وحمايتها للإحتلال بحجة إستحقاقات الإتفاقات الموقعة، في الوقت الذي تدوس فيه إسرائيل كل الحقوق الفلسطينية، أمر لا يمكن القبول به، ويجعل من الإحتلال الأقل تكلفة، الأمر الذي يريح إسرائيل كثيرا. 
البديل الثالث - الإبقاء على السلطة الفلسطينية ولكن على قاعدة رؤية عمل جديدة تجمع بين الوحدة الوطنية الفلسطينية وتحويل الإحتلال إلى كابوس مكلف للمحتل...القيادة الحالية للسلطة لا يمكنها أن تقوم بهذه المهمة خصوصا بعدما سمعناه من الرئيس (أبو مازن) في خطابه الأخير والذي جاء مخيبا للآمال حتى في أوساط الأكثر تفهما له ولسياساته. 

تحذير نتنياهو 
ليس غريبا على ضوء هذه التحليل أن يشترك (الشاباك) (والإستخبارات العسكرية) ورئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية (الجنرال احتياط عاموس جلعاد)، في تحذير بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء بشدة من تدهور الأوضاع إلى مرحلة الصفر في أراضي السلطة، والذي يعني – في رأيهم - إعادة الكرة إلى ملعب إسرائيل لتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية والإقتصادية للشعب الفلسطيني أمام العالم بإعتبارها دولة محتلة، معتبرين سياسات نتنياهو إتجاه السلطة بأنها غير مسؤولة. كما أشاروا إلى أن إستمرار الوضع يمكن أن يدفع الفلسطينيين في لحظة يأس إلى توجيه ثورتهم بإتجاه المستوطنين بشكل عنيف لا يتوقعه احد. لم تنس هذه الجهات طبعا من التحذير من أن إستمرار هذه الوضع يمكن أن يهيئ الفرصة – على حد قولهم - لسيطرة حماس على مقاليد الأمور في الضفة الغربية بشكل هادئ.
واضح من هذا الإستعراض أن إسرائيل مستريحة جدا من إستمرار السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي في الحكم، بل لا يمانعون في أن تزودها إسرائيل ببعض المُسَكِّنات، كالمفاوضات الصورية والعبثية الجارية اليوم، التي تُمَكِّنُها من السيطرة على الأوضاع والإستمرار في إدارة الشؤون الفلسطينية المحلية، لأن ذلك سيعمق حالة السُبات الدولية حيال سياسات إسرائيل الهادفة إلى القضاء المبرم على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، ومنحها الوقت الكافي لإستكمال مخططها. لذلك لا بد من عقد مؤتمر لإنقاذ فلسطين يلتقي تحت سقفه كل ممثلي الشعب لإختيار قيادة جديدة، وتبني برنامج سياسي جديد يرفض التعامل مع الإحتلال إلا في الحد الأدنى، ويقود الشعب الفلسطيني في تحرك شعبي منظم يكلف الإحتلال ثمنا باهظا ماديا ومعنويا وسياسيا، مع التأكيد على العمل العربي والإسلامي والدولي المشترك لتحريك المجتمع الدولي ونقله من حالته السلبية إلى مرحلة أخرى أكثر ضغطا على إسرائيل.

الرقص على إيقاعات الأمريكان 
الوضع العربي والدولي الراهن قد لا يساعد في تحقيق هذا الهدف، لكن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني وقياداته إلا أن يتوحد على قاعدة نسيان إسرائيل وأمريكا في كل ما له علاقة بالمصلحة العليا لفلسطين لأنهما يشكلان النقيض لهذه المصلحة، وعليه فما دام (أبو مازن) يرقص على إيقاعات الأمريكان والإسرائيليين فلن يحقق شيئا لا على المستوى السياسي ولا على مستوى الوحدة الفلسطينية التي أصبحت مطلبا ملحا بالذات في هذه الفترة...كما أن على (أبو مازن) خصوصا، وحركة (فتح) عموما، أن ينسوا وَهْمَ الدويلة الفلسطينية لأن شعبنا الفلسطيني يرفضها بكل قوة، كما عليهم أن ينسوا الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في ظل الأوضاع الحالية والتي لن تكون إلا إنتخابات مزيفة تتغذى من مصانع الأحقاد والتآمر في القاهرة والعواصم الخليجية، وأن يفهموا أن الإسلاميين في فلسطين والذين فازوا في إنتخابات ديمقراطية لن يقعوا في الفخ الذي وقع فيه إسلاميو مصر حينما ظنوا أن العمل السياسي وحده – وإن كان من القصور الجمهورية - من غير هَدٍّ لكل كيانات الدولة العميقة وخصوصا في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وإمتلاك القوة من خلال مؤسسات جيش وشرطة لا تدين بالولاء إلا لأهداف الثورة، لن يحقق النتائج، وهذا ما حدث فعلا في مصر، لم يكن كافيا إجراء إنتخابات ديمقراطية كأساس لدولة حديثة مع بقاء مكونات الدولة العميقة تعمل بأقصى قوتها كما حدث في فلسطين بعد إنتخابات 2006، وفي مصر بعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية في العام 2012، يجب أن نعترف أن (حماس) بحكم تجربتها وحسها الأمني كانت أكثر وعيا لهذه الحقيقة في فلسطين من الإسلاميين في مصر، وهذا ما جعلها قادرة على مواجهة مؤامرة محمد دحلان وعصاباته (أجهزته الأمنية)، وحسم المعركة معه ومنع إنقلاب في فلسطين على الحكومة الشرعية كان يمكن أن يؤدي إلى نتائج أسوأ مما نراه اليوم في مصر.

بناء فلسطين 
على (فتح) وغيرها أن تفهم أن بناء فلسطين لن يكون على (خبث!!!!)، ولكن على (نظيف)، معنى ذلك: أولا – شراكة حقيقة مع ضمانات لا (يخر منها الماء!!!) على المستويين الداخلي والدولي، تضمن إنتخابات حقيقية، وإعتراف مسبق محلي وإسرائيلي وإقليمي ودولي بنتائج الإنتخابات حتى لو جاءت بحركة حماس مجددا. ثانيا – أن ينسى أبو مازن وحركة فتح، أمريكا وإسرائيل عند جلوسهم إلى طاولة مفاوضات الوحدة الوطنية، والذي يعني التحرر من الضغوطات التي لطالما أفشلت هذه المفاوضات، وتقديم المصلحة الفلسطينية العليا وإن أدت إلى أن (تضرب أمريكا وإسرائيل رأسيهما في الحيط !!!!). ثالثا – أن تتحمل الأمة العربية المسؤولية الكاملة عما سيترتب على هذا التوجه من نتائج مالية وسياسية. إذا لم يتحقق كل ذلك، فلينسى الفلسطينيون (أوسلو)، ولينتظروا الفرج الذي يعيد لهم الحق كاملا غير منقوص، ولو بعد حين، ولنا في تاريخ هذه البلاد المقدسة أصدق شاهد على ما قلت.. والله غالب على أمره.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة